للاجتهادات الدينيّة "أنياب" سياسية أيضا

07/01/2019 07:04AM

ينقسم الناس فيما بينهم، لأسباب مختلفة، وربمّا لـ"مبادئ" قد تكون شخصيّة ونوعًا ما حسّاسة، لا يُمسّ بها. فبين الطبقات الاجتماعية، والتعصّب العرقي، وتفاوت الآراء في مساءل شتّى، واختلاف الموقف السياسي واختلاف الانتماء الديني... يجد الانسان نفسه في هوّة عميقة لا يفقه ما يجري حوله، ليتبيّن أنّه كائن صغير في عالم كبير، متشعّب، فيه ما يكفي من المكوّنات الّتي يحاول جاهدًا تلقّفها وإيجاد مخارج لها. 




وعوضًا عن هذه القضايا الّتي شتّتت ما يكفي من المجتمعات، انقسم الدين الواحد لطوائف ومذاهب، كما برز ما يُعرف بالاجتهادات الدينيّة. وهذه الأخيرة التي تساعد أحيانا في تفسير الآيات القرآنيّة، أو في محاكاة التطور، الّا أنها في كثير من الأحيان زادت الانقسام "حتى في البيت الواحد" وكشرت في بعض الأحيان عن أنيابها السياسية.





فامتزجت بالشؤون الشخصيّة والطموحات السياسيّة، وكما يقول علي بن أبي طالب:" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ..."، فهل كان يعلم بأنّ المجتهدين، بالرغم من ضرورة دورهم، سيتكاثرون ويتوهون عن دورهم الأساسي ويساهمون بتضييع كل من لحق بهم أيضا.؟


لا بدّ من الاجتهاد في نصٍّ ديني لفهمه





في هذا الشأن، يؤكّد السيّد ياسر ابراهيم أنّه "لا بدّ من الاجتهاد في نصٍّ ديني لفهمه، فالاجتهاد هو بذل الجهد في فهم نصّ معيّن وهو ضروري جدًّا".





ولكن غالبًا ما تصطدم هذه الاجتهادات الدينيّة وخاصّة الّتي تحمل في طيّاتها قليلا من الانفتاح والحرية، بالرفض. وفي هذا السياق، يعيد ابراهيم هذا الرفض لأسباب عدّة، أوّلها يكمن "في مستوى أهميّة هذا الاجتهاد الذّي في كثير من الأحيان لا يخدم حاجات ومتطلّبات الإنسان المعاصر، وثانيًا،  صعوبة تقبّل ما هو جديد، واعتباره مكوّنٌ يهدّد موروث الإنسان الديني وقد يؤدّي إلى إزالته، خاصّة وأنّ كلّ جديد يُحارب سواءا كان على مستوى الدين أو على غيره، فالإنسان يقف أمام كلّ ما هو جديد بحذر، ولكن هذا الحذر يشتدّ أكثر في الأمور الدينيّة".





ويوضح ابراهيم لموقع "السياسة"، أنّه "داخل المذهب لا يمكن الحديث عن اجتهاد  يؤدّي إلى انفتاح عقلي، فالمذهب نشأ وفق فكرة، وأصحاب هذه الفكرة بدأوا يسوّروها بالأحاديث والإجتهادات الخاصّة، فكلّ المذاهب تجتهد للحفاظ على نفسها ومن أجل إظهار أحقيّتها وتبيان بطلان الآخر، وهذا الصراع ما زال قائمًا حتى اليوم".


السلطة السياسية تستخدم الدين في كثير من الأحيان




ولا يُخفى على أحد اليوم، المزج الحاصل بين الدين والسياسة، فنرى السلطة السياسية تستخدم الدين في كثير من الأحيان لإخضاع أبناء الأمّة وإقناعها بفتوى معيّنة بهدف تحقيق ما يتوافق مع الطموح الجيوسياسي والاستراتيجي الّتي تبتغيه هذه السلطة. وعن هذا الموضوع  يقول ابراهيم: "لم يعد بإمكاننا إيجاد فهمًا لنصّ ديني بمعزل عن السلطات السياسية المحيطة به، وأكثر من ذلك، ففهم النصّ يتأثّر دائما بالظروف الإجتماعيّة والسياسية والأمنية المحيطة بمُصدّر الاجتهاد، لذلك من الطبيعي أنّ نجد الإجتهاد متأثرا بالسلطة السياسية، فإذا خالف أهواء هذه السلطة سيعرّض المعني بالأمر نفسه للخطر".




ويضيف: "الآن وتاريخيًا، يعاني العالم من صراع على احتلال مركز الإدارة الدينيّة، ويطمح الجميع بأن يكون صاحب القرار النهائي، ولذلك يكون فهم النصّ وإطلاق الفتوى مرتبط بالسلطة السياسيّة وبرغباتها، وهذا ما يمنع على النصّ الدينيّ أن يعيش حرًّا في هذه المجتمعات الدينيّة".



ويشير ابراهيم إلى أنّ استغلال الدين من قبل السلطة السياسيّة يؤدّي إلى تشويه صورة الدين و"هذا ما نعيشه نحن اليوم"، لافتًا إلى أنّه "حين يتحوّل الدين لكابوس عند الناس، نتساءل: أهذا الدين أراده الله أم أراده السلطان؟ فالدين الذي يعيشه العالم اليوم هو صناعة بشريّة، صناعة الدّول المستبدّة الّتي تريد أن تستعمله من أجل قمع الناس وحكمهم". 




وفي السياق نفسه، يرى الشيخ أحمد طالب، أنّ الانقسام في ممارسة الاجتهادات ناتج عن عامل الثقة عند الناس بمن يُصدر الاجتهادات الدينيّة. ويوافق طالب فكرة ابراهيم بأنّ "خلفيّة الإنسان والبيئة الّتي تحتضنه تؤثّران كثيرا على فهمه لآية قرآنية معيّنة، فالقارئ يحاول في بعض الأحيان أنّ يكيّف النصّ مع المخزون الفكري والثقافي لديه، وهنا يعطي مثلا: إذا قرأ شخص بخيل نصّا دينيّا ورد فيه "وأنفقوا" يفسّر أنّ المفهوم من الإنفاق هو الإنفاق الذي لا يضرّ بالإنسان، محاولاً تضييق النصّ".




وعن رفض الاجتهادات الّتي تطرح أفكارًا منفتحة وجديدة، يقول طالب في حديثه لموقع "السياسة": "يعاني مجتمعنا من نوع من الدمج الخاطئ بين العادات والتقاليد وبين الفتوى الدينيّة، فهناك الكثير من الأمور الحياتيّة التي اعتاد عليها الإنسان وبات ينسبها للدين، وحين نقدّم فتوى معاكسة لها يعتبر أننا نقدّم دينًا جديدًا لأنه لا يملك القدرة على التفريق بين ما اعتاد عليه وبين الفتوى الدينيّة".




وفي الوقت الذّي من المفترض أنّ تلعب فيه الإجتهادات الدينيّة دور المُوحّد لأبناء الطائفة، يتشوّه في كثير من الأحيان هذا الدور ليصبح "المفرّق"، وهنا يستعين الشيخ أحمد طالب بآية قرآنية تقول " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ"، ما يعني أنّ "الله أعطى لكلّ إنسان طريقة تفكير مختلفة عن الآخر وأراد هذا التنوّع أن يبقى موجودًا،ولكن مشكلتنا في الشرق أننا اعتدنا واقتنعنا بأننا دائمًا على حقّ وغيرنا على باطل، وهذه النظرة تولّد الحساسيّة الّتي بدورها تؤدي إلى شحن النفوس ضدّ بعضنا البعض".


إصدار الاجتهادات من قبل شخصيات سياسية أشبه بـ"وهم"




واعتبر طالب أنّ إصدار الاجتهادات من قبل شخصيات سياسية في السلطة، هو أشبه بـ"وهم" يقع فيه المشرّع باعتقاده أنّ "الفتوى الّتي استنتجها هي الحقّ والحقيقة لأنهّا تتناسب مع قناعاته السياسيّة "، من دون الإنكار أنّ نتيجة هذا الاجتهاد تصبّ وبطريقة غير مباشرة في شدّ العصب في مكان ما.





ويشدّد طالب على أنّ المشكلة ليست في استغلال الدين لا بل المشكلة الأساسية تكمن في "إيمان السياسي بأنّه على حقّ، ويحقّ له أن يستخدم الدين لأنّه يعتبره نصرة الحقّ الذي يتباهى هو به وهذا أخطر من مصطلح الإستغلال بما يعنيه".





ويعبّر الشيخ أحمد طالب عن أسفه لأنّ الإنسان "يتهيّأ له في بعض الأحيان أنّ أموره الشخصيّة هي التي تشكّل الحقيقة ومن الضروري دعمها بالدين، و"حين نتّخذ قرار الفصل بين الشؤون الدينية وتلك السياسية لتدعيم موقف سياسي معيّن، حينها نسمح للدين بممارسة دوره الفعلي".


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa