"روبين هود" في لبنان للقبض على رواتب النواب!

09/01/2019 10:25AM

سياسة تقشّف تلوح في أفق الحكومة القادمة، بعد سلسلة تصريحات من المسؤولين بضرورة التنبّه للمخاطر التي تتهدّد الأوضاع المعيشية والاقتصادية بصورة عامة، لا سيما وأن أمام الحكومة سلسلة من الأزمات المتراكمة لا تنتهي عند حدودها إشكالية الإنفاق لصالح سلسلة الرتب والرواتب، في ظل تفاقم حجم الدين العام، فضلا عن أزمة قروض الإسكان، وارتفاع نسبة البطالة المترافقة مع إقفال ملحوظ للعديد من المؤسسات التي لم تعد تقوى على خوض المعركة التجارية أمام انعدام حركة السوق.


أمام الحكومة سلسلة من الأزمات المتراكمة لا تنتهي عند حدودها إشكالية الإنفاق لصالح سلسلة الرتب والرواتب


والبارز وسط  كل هذا المخاض العسير، جنوح المسؤولين في تفكيرهم، كالعادة، الى تحميل  الطبقة المتوسطة والفقيرة وزر كل تلك الأزمات، بحيث يتحمل الفقراء كلفة العجز، فيما يبقى أصحاب الرساميل والمصارف بمنأى عن تحمل أي عبء. فقد خرجت كل التصريحات لتصبّ في اتجاه واحد وهو فرض المزيد من الضرائب ومحاولة لخفض إنفاق القطاع العام والخاص، ورفع الفوائد.


وهنا يصحّ طرح الإشكالية التالية: ألا يوجد باب من أبواب الهدر في النفقات التي تصرفها الدولة لموازناتها، يمكن الإستفادة منه للبدء بترميم العجز، لا سيما وأن الفساد ومنابع الهدر في الدولة اللبنانية لا تعد ولا تحصى؟؟ ولماذا هذا الإصرار على تحميل المواطن، العاجز عن بلوغ حاجاته في فرص العمل والأجور الملائمة وقصوره عن تحصيل الحد الأدنى المقبول من الغذاء والخدمات الرئيسية، كل تلك الأزمات؟


في خضّم هذا السجال، خرج الى العلن على الساحة الدولية، قانون قد يفتح الباب أمام اللبنانيين إلى المطالبة بإسقاطه على الواقع اللبناني، وهو قانون إيطالي سمي بـ " عدالة روبين هود"، والذي يقضي يتقليص أكثر من 40 بالمئة من معاشات البرلمانيين والسياسيين ويرفع لأول مرة الحد الأدنى للتقاعد بنسبة 40 بالمئة، ويمنح العاطلين عن العمل معاشا شهريا يصل إلى 870 يورو شهريا، سمي بـ "حق المواطنة". كما يطال القانون 1330 برلمانيا حاليا وسابقا، بحيث يصل المبلغ الذي ستوفره الدولة خلال الثلاث سنوات المقبلة نحو 450 مليون يورو.


هذا القانون يدفعنا للعودة الى اقتراحات القوانين التي تقدم بها كل من النائب سامي الجميل والنائب بولا يعقوبيان، كذلك رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، والتي تقضي مجملها بتخفيض الرواتب والمخصصات للنواب والرؤوساء السابقين وصولا الى إلغائها، كما وتخفيض رواتب النواب الحاليين الى النصف تقريبا، بهدف تخفيف الأعباء على الخزينة.


وترى أوساط متابعة أن المضي في هذه القوانين من شأنه أن يوفر على الخزينة حوالي 108 مليارات ليرة سنويا، معتبرة أنها طريقة مثلى لتخفيف العبء الزائد على الخزينة والذي ليس في موضعه أصلا على غرار الكثير من الدول التي يحصل النائب فيها على راتب كامل لمدة لا تتجاوز السنة من بعد انتهاء ولايته، بدلا من اللجوء الى فرض المزيد من الضرائب والمس برواتب المواطنين، وبهذا "نكون قد فعّلنا عدالة روبين هود على الطريقة اللبنانية".


كما تعتبر هذه الأوساط أن الاستمرار في إنفاق رواتب ومخصصات نواب ورؤساء سابقين في صورته الحالية شكل من أشكال الهدر الذي يجب وقفه، معللة ذلك بأن المهام النيابية تمثل وكالةً عن الأمة وفق ما تنص عليه المادة 27 من الدستور، وأن الوكالة من حيث المبدأ لا تولي الوكيل حق استيفاء الأجرعن المهام موضوعها إلا أثناء فترة سريانها. وبالتالي فإنه بانتهاء المهام النيابية والرئاسية لا حاجة للمزيد من الإنفاق في هذا الخصوص، إلا فيما حدّده القانون استثناء، كحالة الإعاقة أو العوز والفقر الشديد البعيد كل البعد عن واقع النواب والرؤساء السابقين والحاليين.


وفي سياق متّصل، يرى خبراء إقتصاديون أنه من المهم جدا إذا ما تم إقرار هكذا قوانين، الإستفادة منها لتوظيف الوفر الناتج عن ضبط الإنفاق في هذه الإتجاهات، بدعم الحد الأدنى للأجور ورفعه بعد ثبات عميق منذ 10 سنوات على مبلغ 675000 ليرة لبنانية، وتخصيص مبلغ معين للعاطلين عن العمل على غرار ما لحظه القانون الإيطالي، في ظل ارتفاع نسب البطالة بصورة جنونية في الآونة الأخيرة، وقد وصلت النسبة الى 36% في أيلول 2018 حسب آخر الدراسات. ويؤكد الخبراء أن مع إنتهاء العام 2018 قد ارتفعت نسبة البطالة بعد دخول لبنان في حال جمود إقتصادي مخيف، إلا أن لا رقم نهائي حتى الآن عن نسبة هذا الارتفاع.


وسط سوداوية المشهد الإقتصادي – الإجتماعي المترافق مع شلل مؤسساتي واستحقاقات دستورية مهددة بالخرق، هل سيقوم النواب اللبنانيون ولو لمرة واحدة بعملهم التشريعي الحق الذي يصبّ فقط في مصلحة الفقراء، ويتجرؤون على إقرار قانون شامل يحمل في طياته "عدالة روبين هود الإيطالي" ولكن على "الطبعة اللّبنانية".


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa