"مافيات التعليم"... تنهش جسد المدرسة الرسمية

12/02/2019 07:30AM

على الرغم من كل المسار الأسود الذي انتهجته وتنتهجه السياسات اللبنانية المتعاقبة في التعاطي مع حقوق المواطنين، إلا أن الاسوء والأكثر سوادا هو ذلك النهج الذي نهش في جسد التعليم الرسمي وأضعف صورته في نفوس اللبنانيين فأفقدهم الثقة به وجعلهم أسرى جشع المدارس الخاصة.


وما دامت نظرة الاحتقار بحق المدرسة الرسمية موجودة، فالتعليم في لبنان في خطر، لكن من يتحمل مسؤولية الانهيار الذي تشهده هذه المدارس ومن يتحمل وزر تلك النظرة الدونية تجاهها، في أعين الكثير من اللبنانيين.


"من يعتقد أن المدارس الرسمية فاشلة، أو أن أساتذة التعليم الرسمي مستهترون، واهم ويهرب من مواجهة الحقيقة... فإن كل تلك التهم التي تُزجّ فيها هذه المدارس هي فقط في سبيل إعلاء شأن المدارس الخاصة على حساب التعليم الرسمي" يقول موظف متقاعد في وزارة التربية.


ولعلّ السبب الرئيسي لسياسة إضعاف المدرسة الرسمية في لبنان، هو أن المدارس الخاصة تابعة بمعظمها للأحزاب ولرجال السياسة ولمؤسسات دينية مرتبطة بدورها أيضا ببعض الأحزاب، وبالتالي فإن سياسة "التنفيعات" لحساب التعليم الخاص أولوية لدى هذه السلطة على الاهتمام بمستوى واستمرارية التعليم الرسمي، فهي لا توليه الأهمية الكافية للنهوض والتقديم الأفضل.

المدارس الخاصة تابعة بمعظمها للأحزاب ولرجال السياسة ولمؤسسات دينية



يرفض البعض مقولة أن أساتذة التعليم الرسمي لا يتمتعون بالمستوى الكافي الأمر الذي ينعكس على مستوى التعليم، فان القانون يفرض على كل أستاذ مادة تعليمية أن يكون حاملا للإجازة فيها، كما أن الأساتذة يخضعون بشكل دوري لدورات تدريبية وفق المناهج التربوية. لافتين الى أن الأهالي يتحملون الجزء الأكبر مما وصلت اليه صورة المدرسة الرسمية، على اعتبار أن استهتارهم في متابعة أولادهم في المنازل ومواكبة تطورهم في المدرسة مع الإدارة والأساتذة حيث يدفعون رسما بسيطا، ساهم في اضعاف المستوى التعليمي لبعض الطلاب، بينما نراهم يتهافتون بمتابعة أدق التفاصيل عن تطور أولادهم العلمي في المدارس الخاصة حيث يدفعون الأقساط السنوية بالملايين.






إضافة الى كل ما تقدم، يعزو موظف الوزارة المتقاعد في دردشة مع موقع "السياسة"، واقع التعليم الرسمي الى عدة عوامل، منها سوء بعض إدارات المدارس، فالمدراء غالباً ما يُعينون محاصصة وبعضهم بدوره يُوظف بالتعاقد ممن ينتفع معه دون الإلتفات أحيانا الى توافر المعايير التربوية فيهم، وهذه ثغرة لا بد من إقفالها. كما أن ضعف جهاز التفتيش وقلة عديده يحول دون المتابعة الدورية لأداء إدارات المدارس والأساتذة، وهنا يقع التقصير على الوزراة التي لم تعمل على تفعيل دور هذا الجهاز وزيادة عديده ليتمكن من تغطية كافة المناطق اللبنانية، فالرقابة هي الطريقة الأمثل لتحسين الاداء والإنتاجية. 


أما عن هاجس ضعف اللغة الاجنبية، الذي يدعو أغلب الأهالي الى عدم تسجيل أبنائهم في المدارس الرسمية، فترى أوساط في التعليم الرسمي أن هذا الكلام غير منصف، والامر لا علاقة له بضعف مستوى أساتذة اللغة في التعليم الرسمي، وإنما المشكلة تكمن في برنامج توزيع الحصص المعتمد من قبل وزارة التربية، حيث ان عدد الحصص للمواد الاجنبية أقل بكثير من تلك الموجودة في المدارس الخاصة، حيث يتم توزيع الحصص بحسب إرادة المدرسة وقانونها الخاص، وبالتالي على الوزارة إعادة النظر في هذا البرنامج وتطويره.


السلطة بمحسوبياتها واهمالها لصالح القطاع التعليمي الخاص الذي لا يرحم بأقساطه المرتفعة والتي لا تتناسب ومدخول الفرد في لبنان وكأنهم يقدمون المعلومة للطالب على طبق من ذهب، فيما لو دخلنا أكثر في محتوى المواد لوجدنا انهم يقدمون المنهاج الرسمي ولكن بطبعات دور نشر مختلفة، قضت وما تزال على التعليم الرسمي في لبنان. فحولت المدرسة الرسمية من مدرسة وطنية الى مدرسة الفقراء فقط، بينما يستدين البعض خوفا على مستوى أولادهم التعليمي، تحت شعار" بتدين وبعلمهم منيح أحلا ما يطلعوا بلا علم".


ويبقى السؤال، هل نحن بحاجة الى أكثر من جورج زريق، لتعلم هذه السلطة التي لم تتجرأ يوما على فرض سقف محدد لأقساط القطاع التعليمي الخاص، أن المواطن اللبناني المعدوم اقتصاديا لم يعد قادرا على تحمل جشع المدارس الخاصة، وهو في المقابل خائف على مستوى أولاده التعليمي... فماذا تنتظرون لتنهضوا بالمدرسة الرسمية الوطنية وتعيدوها الى روحيتها لتكون مدرسة المواطن، لا مدرسة الذي لا حول له ولا قوة.


المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa