حرب "الزواج المدني" تعود... من بندقية "الداخلية"

19/02/2019 06:42AM

في كل مرة تعاد إشكالية إقرار الزواج المدني في لبنان الى الساحة، يشتعل العالمان الواقعي والإفتراضي بالآراء الداعمة تارة والمناهضة طورا. وفيهما ما يفيض من ناشطين وسياسيين وإعلاميين ورجال دين لم ينفكوا منذ ليل الجمعة عن التغريد وكتابة التعليقات، معيدين الى الواجهة جدلا كبيرا عمره عشرات السنين، منذ العام 1951، حين طرح موضوع الزواج المدني لأول مرة في لبنان. 

ولكن هذه المرة، كانت السيدة الأولى على رأس وزارة الداخلية ريّا الحسن، هي من أعادت إحياء مطلب الكثير من الشباب اللبناني، والذي كان في عداد الأموات بين "عجقة" الملفات السياسية التي عصفت بالبلد في الفترات السابقة.

"سأسعى لفتح الباب لحوار جدي وعميق حول هذه المسألة مع كل المرجعيات الدينية وغيرها، وبدعم من رئيس الحكومة سعد الحريري". بهذه الكلمات فجّرت الحسن قنبلة أثارت الريبة في نفوس رجال الدين، وشقت صفوف الجمع بين داعم ومعارض، علماً أن الزواج المدني مسألة محبّذة شخصيا لدى وزيرة الداخلية والبلديات.

الحسن صاحبة الشخصية الجدلية في الحكومة الجديدة كونها المرأة الأولى في العالم العربي التي تتولى منصب رئاسة وزارة الداخلية. فاجأت الجميع بتصريحها هذا، فسارعت دار الإفتاء الى تأكيد المؤكد بالنسبة لها برفض فكرة الزواج المدني بصورة مطلقة "لمخالفته أحكام الشريعة الاسلامية والدستور اللبناني".


ينطلق رجال الدين سواء المسلمين أو المسيحيين، لفرضهم هذا النوع من الزواج، من فكرة قدسية مؤسسة الزواج، التي تُعد سراً من أسرار الكنسية لدى المسيحيين، وخاضعة لقانون القرآن الكريم لدى المسلمين. ومنهم من يرى أن هذا النوع من العقود فيه تدمير للحياة الزوجية، وقد يؤدي الى تكبير الفجوة بين الشباب ودينهم.

لكن هذا الرفض فيه نوع من الازدواجية والتصرف اللامنطقي، فلبنان الذي لا يجيز عقد زواج مدني على أراضيه، يعترف بهذا الزواج ويسجله ويمنحه كامل مفاعليه، إذا كان معقودا في الخارج سندا للمادة 25 من القرار رقم 60 ل.ر.، ما يعني ان الزواج المدني في الأصل لا يُعتبر مخالفا للنظام العام والمبادئ القانونية... إذا أين هي المشكلة تحديدا؟

طالما أن هذا الزواج خاضع للتسجيل في القيود اللبنانية إذا ما أبرم خارجا، ما الذي يمنع من إبرامه محليا، وهل للأمر علاقة بإبقاء يد السلطة الدينية ممدودة على كل مساحة الطوائف في بلد يدّعي الديمقراطية والعيش المشترك ويدعو ليلا نهارا الى إلغاء الطائفية وإنشاء الدولة المدنية؟

كما لا يخفى على أحد أن الزواج المدني المعقود في الخارج يتعرض الى العديد من الصعوبات لاسيما عند نشوء أي نزاع، حيث تبدأ عملية البحث عن القانون الواجب التطبيق على هذا الزواج وعلى مفاعليه، هل هو قانون محل عقد الزواج، أم قانون إرادة الزوجين، أو قانون الزوج، وغيرها من الخيارات القانونية. 


بناءً على كل تلك الثغرات، جرى اقتراح قانون لإقرار زواج مدني اختياري، لا يمس بمؤسسة الزواج الديني، ولا يُفرض الا على من اختاره، انما تبقى العبرة في إعطاء فرصة الاختيار للمواطنين بين المؤسستين، وتحديد الجهة الموكلة ابرامه أو النظر في مفاعليه. على اعتبار أن الحلول المتناقضة لا نتيجة منها. وبالتالي فإما يمنع هذا النوع من الزواج بكل الطرق، وإما القبول بوضع قانون خاص ينظم شروطه ومفاعليه القانونية كافة للحد من الاحتيال على القانون،  واعطاء فرصة للشباب المقتنعين به بأن يبرموا زواجهم على الاراضي اللبنانية بنفس الطرق التي يبرم بها خارجا، وتخفيف عبء تكاليف السفر عليهم لاسيما من لا يملك منهم القدرة المادية الكافية. ويضاف الى ذلك، ضرورة إيجاد حل لأكثر من 50 شاب وشابة تزوجوا مدنيا في لبنان وامتنعت مديرية الأحوال الشخصية عن تسجيل زيجاتهم، وبالتالي حرموا من التمتع بالآثار القانونية المترتبة عن زواجهم، على الرغم من أن الكثير منهم قد أنجب اولادا.

عشرات السنين مضت، والسجال ذاته يتكرر في كل مرة، فهل ستتمكن الوزيرة الحسن هذه المرة من إيصال هذا الملف الى بر الآمان وفتح الباب أمام الزواج المدني دون الحاجة الى اجتهادات وآراء قانونية أو الى شطب المذهب عن الهوية، أم أنها ستخضع كمن سبقوها الى حكم الطوائف؟


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa