بالعين المجردة... ماذا يجري داخل قصر العدل؟

17/04/2019 06:25AM

الجسم القضائي اليوم حاله حال "الغربال" الذي كل ما اهتّز سقطت منه حبة. فضائح دقت أبواب قصر عدل "بعبدا" تحديدا وأحالت أكثر من خمسين شخصا من مساعدين قضائيين وضباط وعناصر ومرافقي قضاة وأطباء ومحامين وحتى قضاة الى التحقيق والتوقيف بتهم الرشى وسرقة الملفات القضائية والتلاعب بالتحقيقات وخلاصات الاحكام وإخلاءات السبيل وغيرها.


الجسم القضائي اليوم حاله حال الغربال الذي كل ما اهتّز سقطت منه حبة


كانت بادرة خير تلك الشرارة التي انطلقت لتنظيف الجسم القضائي، الى أنها اليوم مهددة بالإخماد فقط لان أولياء الأمر المفوضين النظر في تلك الملفات ومحاسبة المرتكبين أرادوا التنافس وتسجيل النقاط على أداء بعضهم البعض.



هذه "الهمروجة" الدائرة منذ شهر تقريبا جاءت كعدسة "عين السمكة" التي يستخدمها المصوّرون كل ما أرادوا إبراز المشهد بصورة أوسع. إذ يكفي أن تدخل قصر عدل بعبدا مثلا لترى بعينك الفوضى التي تسكنه. هم يظنون أنهم بمحاسبة موظف هناوقاض هناك في ملف موقوف أو اثنين تكون قد انحلت مشكلة الجسم القضائي في لبنان، إنما الحقيقة أعمق من ذلك بكثير.




فأصل المشكلة يكمن في آلية العمل داخل أروقة قصور العدل، حيث تصبّ الأعمال الإدارية أولا وآخرا لمصلحة السماسرة. تدخل الى النيابة العامة لإجراء توكيل لمحام من خلال طلب نموذج يتم تعبئته بالمعلومات، فتتفاجأ برد الموظف: " اخرج الى خارج القصر في الكافيتيريا المقابلة تجد طلبك"، وعندما تحاول الإستفسار عن الغرابة في أن يكون نموذج اداري عدلي والذي من المفترض أن يخرج من الموظفين العامين، موجود في محل لبيع المناقيش والقهوة، يتلبّك ويقول "اذهب وهناك ستجده". فتذهب لتجد فتاة عاملة في القهوة التابعة لأحد السماسرة تجلس أمام حاسوب صغير، وعندها يخطر ببالك أن تسألها "هل لك أن تخطي لي توكيل لمحامٍ بالزعتر؟".



على سبيل "شر البلية ما يُضحك".هذه الفتاة تُعدّ كل ما يمكن أن يخطر ببالك من طلبات إدارية عدلية وبكلفة عالية لا تقل عن 15 ألف ليرة للورقة الواحدة، علما ان هذه الطلبات يجب أن تقدم مجانا للمواطن كونه سيدفع رسوم معينة لأي طلب. 


هذه عيّنة من العمل الإداري داخل قصر العدل، فهل يدري وزير العدل بذلك؟ وهل يعلم أن قصر عدل "بأمّه وأبيه" لا حمام فيه للعموم، لا بل هناك حمام للقضاة وهو مقفل؟



هل تدري هيئة التفتيش القضائي ومدعي عام التمييز، ماذا يجري خلال جلسات الإستجواب؟ فالقاضي الموضوع على جدول أعماله عشرات الملفات والإستجوابات، لا يأتي الى مكتبه قبل الحادية عشر والنصف. الموقوفون ينتطرون وقوفا في الممر أمام مكتبه، يقفون ساعات بانتظار دورهم فلا غرفة مخصصة لهم، وحتى ذويهم يقفون منهكين، فلا مقاعد يجلس عليها كبار السن باستثناء مقعدين "منيح اللي عم بغيروا العفش وطلّعوا هالكنباية حتى قعدتي يا حجة"، يقول أحد العسكريين لوالدة موقوف كبيرة في السن.



الإنتظار بهذه الطريقة خلال الجلسات فيه إذلال ما بعده إذلال للمواطنين وحتى للموقوفين الذين لم تصدر بحقهم أحكام، فقد تنتظر بالساعات وعندما يأتي الفرج يكون صندوق دفع الكفالات قد أُقفل، فضطر للإنتظار حتى اليوم الثاني لإخراج من تم إخلاء سبيله وبالتالي يبقى الموقوف في السجن لأيام رغم تركه أو إخلاء سبيله. حتى تأتيك الحجج " هذه إجراءات ما فينا نعمل شي". إلا أننا نستطيع فعل الكثير، فلو أن القضاة يأتون الى جلساتهم باكرا ولو ان التحقيقات منظمة ولو ان المواطن يُحترم، لما أحس كل من دخل قصر العدل بالذل.




الإنتظار بهذه الطريقة خلال الجلسات فيه إذلال ما بعده إذلال للمواطنين








أما المصيبة الكبرى فهي لدى من لا "واسطة" له، فمن صدر بحقه قرار ترك وأخذ الموافقة من النيابة العامة، قد ينتظر دوره نهارا بكامله ليحصل على إمضاء أحد القضاة المناوبين الذين قد يرفضون التوقيع لمجرد ان القاضي الناظر في الملف لم يأت الى دوام عمله. فيضطر المواطن عندها أن يستعمل الأسلوب المعهود عند اللبناني ويتوسط لدى رئيس القلم مثلا أو حتى مرافق القاضي حتى يساعدونه لإدخال الورقة الى القاضي وتوقيعها لضمان عدم إبقاء الموقوف يوما إضافيا في التوقيف وهو المخلى سبيله منذ أيام. أما من قرر السكوت فقد يضطر الى الإنتظار أيام وأيام. فهل تدري فعلا المراجع المختصة ببعض مما يعانيه المواطنون خلال مراجعاتهم أو خلال المحاكمات أو جلسات التحقيق، هل من مراقب ليوميات قصور العدل وما يجري فيها؟ هل يصل لهيئة التفتيش القضائي تقارير بما يدور في ممرات "العدلية"؟



من يدخل قصور العدل يدري جيدا ما كتب هنا. وبما أن القضاء مرآة الدولة، فالجسم القضائي في لبنان يحتاج الى "نفضة" لا تكن ركائزها فقط موظف مرتشٍ هنا وقاضٍ أخلى سبيل موقوف هناك أو تلقى هدية، هذا الجسم بات منظومة مريضة بسوء التدبير والإهمال، وغياب الرقابة التي يجب أن تبقى كالسيف لمنع أي تجاوز بالدرجة الاولى وحماية كرامة المواطن وحقوقه تباعاً، وأن تتخلى السلطات الموكلة المحاسبة عن حلم "قطف" الإنجازات، وتعمل بالتظافر بدل "حرب الأجهزة الدائرة" التي لن يكون ضحيّتها سوى صغار القوم.


المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa