مدينة الشهيد تغرق بالنفايات... "سرطان بـ 2.5 مليون €"

18/05/2019 07:21AM

من سبق له أن زار المنية شمال لبنان أيام الانتخابات النيابية، قد يمرّ اليوم في شوارعها من دون أن يستطيع التعرّف عليها، فيظن لوهلة أنه قد دخل تائهاً إلى مدينة تشبه معالمها من بعيد المدينة التي لُقّبت يوماً بمدينة الشهيد الرئيس، لكنه يتأكد من هويتها عندما يقع نظره صدفةً، بعد الخروج مسرعاً من هول المشهد، على لافتة وُضِعت على المدخل الغربي الشرقي للمدينة تفيد وبالخط الأحمر العريض أن "المنية مدينة الشهيد رفيق الحريري"...!


مدينة الوفاء التي قدمت الأصوات الصافية كفريضةِ ولاءٍ لتيار ابن الشهيد، تحولت صناديق اقتراعها اليوم إلى حاوياتٍ جرداء تغص بنفاياتها، وتلفظ ما فاض عن قدرتها الاستيعابية على أطراف طرقاتٍ يضربها منذ أكثر من شهر استحقاقٌ من نوعٍ آخر... استحقاقٌ له أن يكون بمثابة فحصٍ لهرمونات الوفاء على الضفة المقابلة، والتي يبدو أنها تعاني من النقص الحاد لدى التيار الوصي على معاناة أهالي الشمال.


السبب يعود لإغلاق مكب العدوة من قبل وزير البيئة الجديد فادي جريصاتي، بعد حملات شعبية مناهضة لـ"مكب الموت" الذي كان يستقبل نفايات 50 بلدية بطريقة عشوائية على مدى 15 سنة. لكن الباحث في ملف نفايات المنية، لا يتوقف هنا، عند مكب العدوة، وانتشار النفايات بما فيها الطبية بين الناس، بل يكتشف ما هو أفظع، أبشع، أكثر ضرراً وأشد فساداً.


المنية هي ضحية كارثة بيئية من نتاج الهرم المتنامي من الفساد في البلاد


يصف الصحافي البريطاني مارتن جاي في تحقيقه الذي نشره قبل أيام  في "INTERNATIONAL POLICY DIGEST" والذي خصصه للبحث في "العلاقة المتنامية بين زيادة السرطان في لبنان وفساد الاتحاد الأوروبي" مدينة المنية بقوله: "المنية هي ضحية كارثة بيئية من نتاج الهرم المتنامي من الفساد في البلاد ، وهي الكارثة البيئية التي تلوح في أفقها علاقات غامضة مع الجهات المانحة الدولية".


ويشبّه كارثة المنية بـكارثة " Armageddon" الفيلم الأميركي الذي يعود للعام 1998  ويتحدث عن مجموعة من عمال الحفر يُرسلون إلى الفضاء من قبل ناسا لمنع كويكب عملاق من الاصطدام بالأرض وتدميرها.


فـيتعرض السكان المحليون، بحسب تحقيق جاي الذي استغرق العمل عليه 18 شهراً، واستهدف مصنع السماد وإعادة التدوير في المنية كمثال حيّ على موضوعه، "للتسمم بمياه الآبار المصابة، عقب المشروع الذي يموله الاتحاد الأوروبي، إذ تعتقد مجموعة من خبراء البيئة والأكاديميين أن المشروع في الواقع يلوث المياه في المنطقة بأكملها ويهدد حياة مئات الآلاف من المواطنين. ومن اللافت للنظر ، أن البعض يذهبون إلى حد ربطه بالأعداد المتزايدة من الوفيات الناجمة عن السرطان شمال لبنان".


ليت أحمد الحريري الذي كان يزور المنطقة 10 مرات أيام الانتخابات يزور المنية اليوم لمرّة واحدة


وهو المعمل الذي تم افتتاحه في العام 2005، وبتمويل كامل من الاتحاد الأوروبي على مرحلتين (البناء والتشغيل). ويقول جاي في تقريره: "كان البناء صارخًا وفاضحًا، وبالنظر إلى المناقصة المقدمة من OMSAR  - وزارة التنمية الإدارية، والتي كان دورها الوحيد إنتاج آلات سماد ضخمة و زائفة، تجد في الواقع أنها كانت مجرد براميل فارغة بنيت فقط بهدف تحصيل الأموال من الاتحاد الأوروبي".

 

ليكون المشروع بعد حملة التمويل الثانية التي تم التمهيد لها بحفل ضخم في العام 2016 "مجرد مصنع للفرز في أحسن الأحوال بعد أن ابتلع ما مجموعه 2.5 مليون يورو من المساعدات الأوروبية الإجمالية". 


ويؤكد رئيس اتحاد بلديات المنية عماد مطر خلال مقابلة له مع الصحافي البريطاني أنه مقتنع كما عدد كبير من الخبراء "بأن السماد العضوي الذي أنتجه المعمل، كان يحتوي على البكتيريا القاتلة وربما المعادن الخطيرة. علما أن أي من معامل الاتحاد الأوروبي في لبنان لا تنتج درجة من السماد الذي يُعد جيدًا بدرجة كافية ليتم بيعه للمزارعين، ولكن سماد معمل المنية كان ملوثاً لدرجة أنه سمم منسوب المياه في المنطقة بأسرها بعد إلقائه في المكب".

يتساءل شمالي عتيق بعد دردشة صغيرة له مع موقع "السياسة" حول ما حصل ويحصل في المنية: "لا أدري ما العلاقة الغامضة بين كل هذا وبين اتحاد المنية الحالية والسابقة المحسوبة سياسياً على تيار المستقبل، وبين الحفل الترويجي لافتتاح جولة جديدة من التمويل للمشروع المسرطِن في العام 2016، خلال ولاية وزير ينتمي للتيار السياسي نفسه، وبين صناديق الاقتراع التي تؤكد المؤكَد في كل استحقاق انتخابي، وتقول للأهالي... كما تكونوا يولّى عليهم".


ويدعو في ختام دردشته معنا: "ليت أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري الذي كان يزور المنطقة بالحد الأدنى 10 مرات أيام الانتخابات يزور المنية اليوم لمرّة واحدة، يرى حالها... نفاياتها المنتشرة... يتصفّح التقارير التي تؤكد تلوث مياهها... ويلقي بطرف عينه نظرةً على من أصيب من أهلها بالسرطان وعلى آخرين مهدَدين به".




المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa