بند الرسم الجمركي يهدّد مشروع الموازنة بـ "النسف"

16/07/2019 07:27AM

يعود مجلس النواب اليوم الى عمله التشريعي من بوابة الموازنة المنتظرة. أيام متتالية سيقضيها نواب الأمة في ساحة النجمة لمناقشة ما توصلت اليه لجنة المال والموزانة في مشروع موازنة 2019 وبالتالي إقرارها.

إلا أن هذه الموازنة مهدّدة بـ "النسف" على نية بند الرسم الجمركي على السلع المستوردة، الذي جمّدته لجنة المال من دون عرضه على التصويت حتى لا تسقط إيراداته، إذ إنه بات ضرورياً أن تبقى الإيرادات المقدرة منه في الموازنة حتى لا يزداد العجز، وفي المقابل طُلب من الحكومة إعداد مشروع متوافق عليه. 

الموازنة مهدّدة بـ "النسف" على نية بند الرسم الجمركي على السلع المستوردة


يحتوي مشروع قانون الموازنة للعام 2019 على بند يقضي بفرض رسم جمركي "على البضائع المستوردة مع إستثناءات نصت عليها المادة «ه» في المشروع (الصفحة 71): يُفرض لغاية 31/12/2022 رسم مقداره 2% من قيمة البضائع المستوردة يتم استيفاؤه من قبل مديرية الجمارك العامة. تُستثنى من الخضوع لهذا الرسم الأدوية والسيارات الكهربائية والهجينة، والمواد الأوّلية وجميع الآلات والمعدات التي تُستخدم في الإنتاج المحلي والمحددة وفقاً للرموز 311 (زراعة) و321 (صناعة) من تعرفة الرسم الجمركي".

أكثر من إشكالية جعلت من هذا البند محط خلاف بين الجهات السياسية والحزبية، ازدادت اليوم مع تعطّل عمل الحكومة التي لم تنعقد منذ احداث قبرشمون.

ومنذ أن طرح هذا البند، أثار جدالا واسعا لاسيما على صعيد الهيئات الاقتصادية وجمعية التجار التي رفضته بداية قبل أن تعدل عن موقفها الذي خلصت من خلاله الى إمكانية زيادة الرسم الجمركي بمعدل 2% لمدة ثلاث سنوات يشمل كل الواردات باستثناء المواد الأولية للصناعة، والآليات الصناعية، والمشتقات النفطية التي تستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية. إضافة الى رفضها القاطع لأي اقتراح آخر يرمي إلى زيادة رسوم جمركية مرتفعة على باقة محدّدة من السلع، على اعتبار ان ذلك سيؤدي إلى زعزعة القطاع التجاري وفتح أبواب التهريب وزيادة في حجم التضخم.

أما على طاولة مجلس الوزراء ومن ثم لجنة المال والموازنة، واثناء دراسة مشروع الموازنة فقد جوبه هذا البند بمعارضة شرسة من "حزب الله" تحديدا، الذي رفض الزيادة الشاملة على كل الواردات تجنّباً لإدخال لبنان في دوامة ارتفاع الأسعار في الظروف الحالية، وكون هذا الرسم يصيب الشرائح الاجتماعية المتوسطة وما دون. وعلل الحزب موقفه حينها بأنه يجب تحويل هذا الرسم إلى أداة اقتصادية مجدية للتفريق بين السلع التي لها بدائل محلية وبين السلع غير الضرورية بهدف حماية الإنتاج المحلي. وبالتالي، فإذا كان الهدف هو الإيرادات فقط، ستصبح زيادة الرسم الجمركي على كل الواردات مماثلة لزيادة الضريبة على القيمة المضافة الامر المرفوض قطعا لدى قيادة حزب الله. ثم اقترح الحزب أن يكون هناك معايير مختلفة لزيادة الرسم الجمركي، كزيادة الرسم على البضائع التي ينتج بديل مماثل لها في لبنان، أو تلك التي تعدّ من الكماليات، مع ضرورة استثناء السلع الأساسية من أي ضريبة. 

وبحسب خبراء إقتصاديين، فإن الواقع الذي سينتج عن اقرار هذا البند سيخلق حالة من شبه الفوضى في الأسعار خلال المرحلة الأولى والتي تبدأ مع بدء تطبيق قانون الموازنة، الأمر الذي يفرض على مديرية حماية المُستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة التشدّد في مراقبة الأسعار وقمع المخالفات.

الواقع الذي سينتج عن اقرار هذا البند سيخلق حالة من شبه الفوضى


كما يقول الخبراء أنه كان "الأجدى بالحكومة فرض رسم يوازي الـ 8% (المُعدّل العالمي) على البضائع والسلع التي لها مثيل في لبنان والإبقاء على 2% على كل ما يُستورد ولا يُنتج في لبنان". بذلك تكون الحكومة قد وضعت حجّة مقنعة للمُستهلك اللبناني وفي الوقت نفسه تفادت رفع أسعار على كل باقي السلع. 

الا ان هذا المقترح المتلازم مع اقتراح حزب الله تحديدا، لاقى رفضا شديدا استنادا إلى توقيع لبنان اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها التي تفرض على البلد العضو أن يرفع القيود عن وارداتها. الأ أن هذه الحجة واهية، فالمادة 34 من الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، تعطي لبنان "الحق في فرض رسوم حمائية أو ردعيّة لمدة معينة إذا تبيّن له أنه يواجه مخاطر جديّة تستوجب تعزيز عجز الحساب الجاري، أي أن الاتفاقية أعطت لبنان مساحة واسعة من الحرية لتعزيز صادراته وحماية صناعته". وبالتالي يجب استغلال هذه المادة وعدم التذرّع بالاتفاقية لمنع هذا الاقتراح.

تعقيدات هذا البند والتي تضع حبل الموت حول عنق الموازنة، ازدادت مع تصريح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خلال المقابلة التي أجراها مساء الجمعة الفائت، حيث كان واضحا وصارما لجهة عدم القبول نهائيا ببند الرسم الجمركي كما أدرج في الموازنة، محذرا برسالة مبطنة من إمكانية اللجوء الى الشارع إذا مر البند خلال جلسات المناقشة في مجلس النواب.

وما يزيد الطين بلة أيضا، توقف الحكومة عن العمل، في وقت طالبتها لجنة المال والموازنة بوضع اقتراح قانون بديل لهذا البند ومتوافق عليه ، لا سيما وأنه بموجب القانون رقم 93 الصادر في 10 تشرين الأول 2018، فإن مجلس النواب منح الحكومة سلطة التشريع في الحقل الجمركي لمدّة خمس سنوات، نظراً لطابع السرعة الذي تتسم به التشريعات الجمركية ولطابع السرية خلال فترة دراستها وإعدادها حتى إصدارها. فالحكومة لديها الحق في تعديل الرسوم الجمركية بمرسوم، لسبب بديهي مرتبط بإمكانية تخزين التجّار للبضائع في حال علمهم بأنّ هناك زيادة على الرسم الجمركي ستشمل سلعاً معينة.

خفض خدمة الدين العام وزيادة الرسم الجمركي، ليست تفصيلاً صغيراً في بنية الموازنة، إذ إن أيّ خلل بهذا الحجم سيكون له مضاعفات على الأهداف التي حدّدتها الحكومة. ذلك لأن فرض الرسم الجمركي سيكون له تبعات شعبية لن تحمد عقباها، اما نسفه بالمطلق فسيزيد العجز من جديد عن تلك النسبة التي أعلنتها مؤخرا لجنة المال.

فالاقتراح بصيغته هذه لا يشكّل سياسة حمائية للإنتاج المحلي، بل هو ضريبة جديدة تطاول المستهلكين بشكل مباشر. هو زيادة مقنّعة لضريبة القيمة المضافة. كلفتها على عاتق المستهلكين.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa