بالعبارة الصريحة: عدم إقرار قطع الحساب يعني أنّ النواب والوزراء سارقون!

17/07/2019 07:23AM

تضج الأروقة الإعلامية بأخبار جلسات مناقشة موازنة عام 2019 في مجلس النواب. ولعلّ خصوصية مشروع الموازنة هذه المرّة ترتبط بمؤتمر سيدر الذي تتربّص العيون حوله إمّا لانتقاده أو لإعتباره القشة التي سيتمسك بها لبنان الغارق. ووسط هذه الزوبعة يطفو "قطع الحساب" على جلسات المناقشة وفي تصريحات النواب والوزراء بشكل لافت.

وسط هذه الزوبعة يطفو "قطع الحساب" على جلسات المناقشة


والحديث يتطلب بداية، الإشارة إلى أنّ قطع الحساب هو خطوة قانونية منصوص عنها في الدستور وتحديدا في المادة 86 منه. وهو يشكل الموازنة الفعلية، بحيث يظهر النفقات الحكومية مقابل الواردات ما يسهّل تحديد مكامن العجز وحجمه الفعلي. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أنه ومنذ العام 1993 لم يجر قطع الحساب لأي سنة، ما يعني تراكم الملفات والجداول لست وعشرين سنة في أروقة مؤسسات الدولة وحكوماتها من دون أن يمسها سوى الغبار.

أسئلة كثيرة تدور حول موضوع قطع الحساب، تمكن الخبير الدستوري جهاد اسماعيل توضيح بعض معالمها. وفي هذا السياق، يقول اسماعيل: أنّ الموازنة وإن أُنجزت فهي غير دستورية وذلك لسببين الأول أنها تخطت المهلة القانونية أي أنها تأخرت كثيرا. أمّا السبب الثاني فهو مرتبط بخطوة قطع الحساب الذي يطرح جدلية كبيرة، إذ إن إقراره لن يكون قانونيا كون العديد من الخطوات القانونية كان يجب أن تسبق مناقشة الموازنة وتمهد له، وإن لم يقرّ لن تكون الموازنة قانونية أيضا. طارحا السؤال التالي:  كيف من الممكن أن نصدر موازنة السنة التالية من دون قطع حساب؟

ترفع الحكومة الحالية شعار الإصلاح في محاولة منها لإرضاء المجتمع الدولي وإعادة كسب ثقته بعدما أبدى انزعاجه من الهدر والفوضى الحاكمة في البلاد. إلّا أنّ هذه الحكومة، هي نفسها التي تعتمد تكتيك تأجيل جلساتها بذريعة انتظار هدوء الساحة السياسية حرصا منها على ألا تنفجر من الداخل. 

والتأجيل هذا يتزامن مع تطمينات وهدن سياسية. ما يدفع منطقيا إلى التساؤل عن السبب الحقيقي الكامن وراء هذه التأجيلات، وبالتالي هل حادثة قبرشمون هي السبب أم أن الهدف هو الهروب من مواجهة واقع قطع الحساب؟ يقول الخبير الدستوري اسماعيل في هذا الخصوص: قبرشمون والمجلس العدلي يشكلان ذريعة الهروب من المجلس الدستوري. مستندا لما جاء في تصريح رئيس مجلس النواب نبيه بري: "وصل اقتراح حل لقطع الحساب وبالتالي لن يكون هناك جلسة لمجلس الوزراء." القرار طبعا بيد مجلس النواب، لكن على ما يبدو الآن ان كرة النار رُميت من ملعب مجلس الوزراء إلى ملعب مجلس النواب. ونجاح هذه الاستراتيجية قد يعني حماية المرمى من خطورة سقوط الحكومة. 

وعن سيدر، ينبّه اسماعيل: " إحدى مقررات مؤتمر سيدر كانت الشفافية، ونحن تجاوزنا المهل الدستورية. مضيفا: "هذا الواقع سيؤثر سلبا إذا كانت نظرة سيدر لما يحدث قانونية. أمّا إذا كانت الاعتبارات سياسية ونعني التوطين فهنا لا مشكلة في الوضع الحالي".  

قطع الحساب يعني إعادة انتظام مالية الدولة


تراوغ السلطة محاولة كسب الوقت حاليا، إذ إن قطع الحساب يعني إعادة انتظام مالية الدولة والكشف عن مكامن الهدر والفساد. قد تبدو الصورة من بعيد أنها ليست إلا حالة "هرج ومرج" لكن الواقع مغاير تماما. تعي السلطة أنّ قطع الحساب سيظهر المتورطين وسيوقف تدفق الأموال إلى جيوبهم. وإن لم تتورط الطبقة الحاكمة بأشخاصها الحاليين فلن تنفد أحزابها. لذلك تظهر هذه الازدواجية: يصرح الجميع ويطالب بقطع الحساب، صحيح. لكن من الذي يتجرأ فعلا على خوض هذه الخطوة؟ من الذي يملك شجاعة توريط نفسه أو حزبه؟

باختصار، إما أن يثبت الحكّام رغبتهم الفعلية بالإصلاح فيلجأوا إلى قطع الحساب أو يكملوا سيناريو التصريحات والتصريحات المضادة في محاولة لإيضاع البوصلة. وإن لم يقر قطع الحساب هذا، ستنسف جميع محاولات الحكومة بالانطلاق على سكة النزاهة والإصلاح: كيف سيفتح مجلس الوزراء صفحة جديدة إن لم يعرف أصلا طبيعة ما يواجه؟

 وإلى أن تتضح الصورة على الرغم من القدرة على  حسمها، يبقى أهمية التنبّه لخطورة تحول إقرار الموازنات من دون قطوعات الحسابات إلى موضة وعرف سائد يعلو فوق القانون والدستور. وأن تُضبط عاصفة تعديل القوانين في ظلّ قانون الموازنة: أكثر من خمسة عشر قانونا عُدلوا بشكل غير قانوني تحت مظلة الموازنة.


المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa