عبّاس إبراهيم... حكاية وطن في بَزّتين....

18/07/2019 03:42PM

في لبنان، التقويم السياسي كما في علم التاريخ...

 في التاريخ قبل الميلاد ليس كما بعده، وفي لبنان قبل الطائف ليس كما بعده.

 بَيد أن الطائف أولد معه لبناناً آخر، ولهذا اللبنان رجالات جديدة.

منذ الطائف، مرّ على لبنان رؤساء جمهورية ورؤساء حكومة ورئيس مجلس نيابيّ وحيد.. منذ الطائف عرف لبنان قامات كثيرة منها من أختلف اللبنانيون حولها لكنّهم احترموها، ومنها من اتّفق عليها اللبنانيون واحترموها معاً..أما من لم يُحترم ولم يتّفق عليه فلا وقت للحديث عنه الآن.

شخصيّتان فقط حظيتا بهذا الإجماع... واحدة سيذكرها التاريخ بأنها الأهم في ملعب السياسة اللبنانية والثانية ينتظرها المستقبل لتكتب تاريخاً جديداً للبنان الجديد.

الأولى هي دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري. 

بري وباعتراف الخصوم السياسيين رجل استثنائي، يُجمع عليه الشعب والقادة. له خطّه السياسي المقاوم لكنّ شعرة معاوية لم يقطعها حتى مع أشد منتقديه.

أما الثانية فهي المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.

عن هذه الشخصية يسهل الكلام وتُفتح شهية التعبير... شخصية عسكرية ناجحة، باتت الشخصية السياسية الأنجح... هي صدفة قلّ نظيرها، لأن المدرستين مختلفتين في النهج وفي تكوين شخصية الإنسان المنتمي اليهما.

فمن يأتمر ويأمر ومن ينفذّ من دون مواربة ومن يُقلل من الكلام ويُكثر من الإندفاع يطغى عليه طابع "العسكرة" في عمله السياسي، وهذا ما طبع شخصيّة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في علاقاته غير الجيّدة سابقاً مع الإعلاميين، وكذلك الرئيس الأسبق إميل لحود في علاقاته مع السياسيين المعارضين له. 

وحده إبراهيم خرج من قمم العسكرة الى مارد السياسة بلباس التخرّج وبرتبة ممتاز. وحده خلع بزّته من سلوكه وذهنه وليس من قلبه وارتدى طقمه الرسميّ بشخصية سياسية.

لن أغوص في إنجازات إبراهيم، فما من صحافيّ أو عاشق مديح الا واستسهل ذكرها لكثرتها ولأهميّتها. سأغوص فقط في شخصية إبراهيم التي تشبه لبنان الذي نريده.

شاء القدر أن يولد إبراهيم شيعيّاً في بلد تحكمه الغرائز وتدير شؤونه المذهبية المحتمية بلباس مدنيّ... وقد يكون إبراهيم اللبنانيّ الوحيد الذي تُجمع عليه الطوائف كافة. من حسن حظّ الطامحين الى رئاسة الجمهورية أن إبراهيم شيعيّاً ومن سوء حظ الطامحين الى رئاسة مجلس النواب أنه شيعيّ الإنتماء. لكن وأينما رماه القدر السياسي فإن إبراهيم صمام الأمان السياسي للبنان غير الواثق برجالاته السياسيين.

مذ دخوله على خط الوساطة بات إبراهيم الطائف بنفسه. متى استلم ملفّاً يضعه اللبنانيون في خانة الماضي.. فهو لم يفشل ولو لمرة واحدة ولم تخذله طائفة أو قائد سياسيّ أو حتى جهة عربية ودولية.

من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، من المعارضين الى الموالين الى فاقدي الهوية السياسية، لا يرفضون وساطته، ولا يردّونه خائباً لا بل يثقون به ثقة غير قابلة للشك... 

يوم كان أمنيّاً، جنّب لبنان عشرات التفجيرات الإرهابية ويوم صار سياسيّاً – أمنيّاً  جنّب لبنان عشرات التفجيرات السياسية ولا يزال يسابق الوقت وصولاً الى حلحلة لملفات شائكة قد تفجّر الأمن والأمان.

منذ دخوله خط الوساطة لم يتلفّظ إبراهيم بكلمة تُدينه... على كثرة مواقفه وتصريحاته وتسريباته الطبيعية لإعلاميين قريبين، الا أنه لم يُخطئ. عدم الخطأ عند إبراهيم ليس وليد الصدفة بل هو نهج سياسي ومسار شفّاف واضح، ينبع من الحرص على المصلحة الوطنية. فما يضمر يقول وصوت الضمير لا يعرف المواربة.

قد يكون إبراهيم صمّام الأمان للسياسة اللبنانية اليوم، وقد نكون مثل الشعب اللبناني برمّته من المعجبين به، لكنّنا اذ نطلب للرئيس برّي عمراً طويلاً، نطالب بابراهيم رئيساً للمجلس النيابي...

 لكنّنا خائفون... فلكي يضرب بمطرقة المجلس عليه أن يمرّ بانتخابات نيابية على غرار من في المجلس اليوم... وبمجرّد اعلان ترشّحه سيتعرّض لحملات دعائية مضادة ديمقراطية ،لا نطالب بإلغائها. لكنّنا لن نحتمل مشهدية الإنتقاد الشعبويّ في وجه من أنقذ لبنان مرات ومرات من براثن الفتنة.

أطال الله عمر الرئيس عون من جديد، لكنّ إبراهيم يستحق أن ينتخب رئيسا للبنان برمّته من الشعب ولمرة واحدة فقط... واذا وجدنا في صندوق الإقتراع ورقة بيضاء واحدة لا تحمل اسم عباس إبراهيم يكون بتواضعه رفض كتابة اسمه خجلاً من التاريخ.

لكن وللأمانة نريد لبنانا جديدا على صورة إبراهيم لنبقى ولنستمرّ.


المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa