المادة 95.. أزمة جديدة تهدد الإستقرار!!

02/08/2019 05:19PM

منذ نشأته، لم يتبع لبنان ولا مرة، ما خلا مرحلة أواخر الستينيات مع انشاء مجلس الخدمة المدنية، مبدأ الكفاءة في التعيينات، بل ان لغة التوافق بين القوى السياسية كانت الحكم. الا ان فتحت معركة الإحتكار الوظيفي التي سادت مرحلة الاستقلال وما بعده، فتم اعتماد آلية دستورية عُنونت بالمادة 95، والتي أصبحت المعيار الأساسي لتوزيع السلطة بين "زعماء الطائف"، حيث نصت على ما يلي: " بصورة مؤقتة والتماساً للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة دون أن يؤول ذلك إلى الإضرار بمصلحة الدولة".

الا ان عرابي "الطائف" وخلال نسجهم للنظام اللبناني الجديد ما بعد الحرب الأهلية، قاموا بتعديل العديد من المواد الدستورية، وأبرزها كانت المادة 95 من الدستور التي أصبح نصها الحرفي يوصي بتشكيل "هيئة لالغاء الطائفية السياسية وفي المرحلة الانتقالية، أي قبل الغاء الطائفية السياسية يتم التالي:

أ – تُمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.

ب – تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة".

ما يعني أن هذه المادة، أكدت على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين من خلال مجلس النواب وكذلك في تشكيل الوزارة وفي وظائف الفئة الأولى وما يعادلها دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة، كما ألغت قاعدة التمثيل الطائفي في سائر الفئات.

الا ان الواقع، وخلال الممارسة لسنين طوال، لم يكن مطابقا للنص الدستوري، فغالباً ما يتم خرق مبدأي الكفاءة والاختصاص، الامر الذي رسخ فكرة طائفية الوظيفة، ما جعلها تمتد لتطال موظفي الفئة الثانية والثالثة وحتى ما دونهما. 

اليوم، وبعد مرور حوالي الـ 30 عاما، عادت المادة 95 لتشكل الحدث على الساحة اللبنانية، وفي أصعب وقت يمر به لبنان على كافة الأصعدة،. حيث فجرت المادة 80 من قانون موازنة 2019 أزمة التمثيل الوظيفي، وهي التي تتضمن حفظ حق الناجحين في مجلس الخدمة المدنية، وهو الامر الخلافي الذي يتمسك التيار الوطني الحر بمعالجته كونه لا يوافق مبدأ المناصفة، بحسب رأيهم.

الا أن الرئيس عون، الحريص على انتظام المالية العامة، ورغم الجدل الذي أحاط بالمادة 80 لحظة وصول قانون الموازنة الى رئاسة الجمهورية، وقّع الرئيس على القانون، واعلن نيته التي نفذها فيما بعد وارسل رسالة الى مجلس النواب عبر رئيسه نبيه بري، يطلب من خلالها تفسير المادة 95، لا سيما بعبارتها " مقتضيات الوفاق الوطني"، كي يصار الى وقف الجدال في كل ما يتعلق بالوظيفة العامة. لكن تصرف الرئيس عون القانوني والدستوري طبعا وهو من إحدى صلاحياته، فتح باب السجال من جديد، والذي قد يتحول مع الأيام الى نقطة خلاف جذرية قد لا تُحمد عقباه ما دام الامر يمس بحصص الطوائف.

المناصرون لفكرة تفسير المادة 95 من جديد، يعتبرون أن المحافظة على المناصفة من أسس الوفاق الوطني والمطلوب المحافظة عليها ضمن مبادئ الكفاءة والاختصاص، وأنه رغم التركيز على الفئة الاولى من دون تخصيص أي وظيفة لأي طائفة، الا أن مقتضيات الوفاق الوطني تتطلب تأمين المناصفة بكل الفئات، وبالتالي لا بد من تفسير هذه المادة لتكون أكثر وضوحا ومنعا لأي التباس في المستقبل من شأنه أن يسبب ازمة سياسية. كما ربطوا بين إستحداث الهيئة الوطنية والغاء الطائفية السياسية ، على اعتبار أنه ريثما تنشأ الهيئة يلغى العمل بالتوافق الطائفي.

بالمقابل، ترفض مصادر قانونية هذا الطرح، فمن وجهة نظرها ان المادة 95 واضحة ولا تحتاج الى تفسير على اعتبار ان التقيد بالمحاصصة الطائفية هو فقط في مجلس النواب والحكومة والفئة الأولى، ولا يشمل كل الوظائف العامة، وهو من التدابير الموقّتة، إلى حين الغاء الطائفية السياسية. وبالتالي فإن المشكلة هنا ، بحسب المصادر القانونية، هي سياسية لا دستورية.

وفي هذا السياق،  استغربت مصادر سياسة فتح النقاش في الدستور وخلق خلافات وانقسامات في هذا الوقت العصيب الذي يمر به لبنان، لاسيما وان النقاش في هذه المادة تحديدا لما له ارتباط بالطوائف، ما دام مبدأ الغاء الطائفية السياسية لم يطبق بعد، لا يمكن ضبط عواقبه وسط الغليان الحاصل على الساحة اللبنانية، ما بين الخطاب السياسي التحريضي تارة، والضغط الإجتماعي والإقتصادي طورا، معتبرة أن البحث في هذه المادة حاليا قد يعكس صورة انقسامية عن الداخل اللبناني، وقد تبين ذلك في المواقف المتباينة لجهة الرسالة التي أودعها عون لدى المجلس النيابي. فهذه الصورة ليست في محلها اليوم وسط ما تمر به المنطقة من استحقاقات أبرزها "صفقة القرن" التي يشكل لبنان جزء منها، ما يؤكد ضرورة التكاتف والإلتزام بموقف سياسي موحد في هذه اللحظات المصيرية.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa