اتفاق الطائف "متل قلّته"... ودولة مدنية "على الطريقة اللبنانية" قريباً؟

03/08/2019 05:13PM

منذ اجتماعات جنيف ولوزان، وجوهر المادة 95 من الدستور مطروح للبحث. وقد أعيد النقاش بالمادة 95 بعد إقرار اتفاقية الطائف في جلسات مجلس النواب إبان إقرار التعديلات على الدستور عام 1990. 

وقد أوضح حينها النائب بطرس حرب، الذي شارك في نقاشات "الطائف"، أهداف القسم الثاني من المادة المذكورة وإضافة عبارة مقتضيات الوفاق الوطني، تحت عنوان "تفادياً للإشكالات"، إلى نص المادة من ضمن توجه عام لإلغاء الطائفية من النفوس لنتمكن من إلغائها في النصوص، وفق خطة مرحلية تضعها الهيئة الوطنية. 

هذا النقاش  يعود إلى الواجهة اليوم، ولكن من منطلق مختلف، يتعدى فكرة تكريس العيش المشترك، وذلك مع ارتفاع وتيرة مطالبة رئيس التيار الوطني الحرّ  ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، باستعادة ما يسميه حقوق المسيحيين الموارنة، المسلوبة حسب تعبيره منذ انتهاء عملية 13 تشرين الأول 1990، مع العلم بأن العماد ميشال عون شنّ حرب التحرير على الوجود العسكري السوري في لبنان، دفاعاً عن صيغة 1943 التي تعيدنا بالذاكرة إلى عهد المارونية السياسية وتهميشِ الشيعة سياسياً، وأيضاً باصطدام طموحات الشهيد كمال جنبلاط بعقبة أنّه ليس مارونياً.

من هذا المنطلق، شكلت المادة 95 صراعا بين الأحزاب السياسية وزادت "الطين بلة" خاصة وأن الشارع اللبناني لم يعد يحتمل الصراعات القائمة على العنصرية الطائفية. 

هذه التطورات التي شهدها لبنان خلال هذين اليومين أدت إلى طرح بعض التساؤلات أمام مقاربات لموضوعات تضمنتها صيغة الوفاق الوطني، وخاصة ما يتصل بإلغاء الطائفية السياسية وتشكيل مجلس الشيوخ وتحقيق العدالة الاجتماعية والإنماء الشامل وقضايا اللامركزية الإدارية وغيرها من العناصر التي تجمع ولا تفرق بين لبناني وآخر.

ثلاثون سنة على اتفاق الطائف. لربما هي فترة كافية، لاستخلاص الصيغة ومدى ملاءمتها للتوازنات الداخلية والخارجية، ولاختبار مدى منفعتها لللاعبين الداخليين والخارجيين وذلك لأسباب متعددة، منها أن ما شهدنا تنفيذه طيلة الثلاثة عقود الماضية، ليس تطبيقا أمينا للطائف، بل أنه منقوص لدرجة أنه يكاد يكون نقيضه. وعملياً، كرّس اتفاق "الطائف" صيغة المحاصصة الطائفية والمذهبية التمثيلية للجماعات والطوائف في إطار نظام يقوم على تقاسم المناصب الإدارية، لكن بفعل العوامل السياسية على مدى عقود، اُصيبَ النظام اللبناني، ومعه اتفاق الطائف بتفكّك واهتراء في نواحٍ كثيرة، وكانت البداية مع الوجود السوري وممارساته، ثم تفاقم الحال مع استمرار السلطة السياسية في تجاهل تنفيذ تطبيق بنود "الطائف" الاصلاحية بسبب مصالحها.

والجدير بالذكر ان في اتفاق الطائف الذي أصبح دستوراً هناك العديد من المواد والبنود المبهمة التي تحتاج إما إلى تعديلٍ أو تفسيرٍ وإما إلى حكم دائم كما كانت سوريا في السابق لحل الخلافات، إضافة إلى  مواد نص عليها الدستور قبل الطائف وأدخل الطائف عليها تعديلاً لم يُزل عنها الإبهام.

إذ إن ما طبق وما لم يُطبق وما تعدَّل من صلاحيات في ضوء هذه الاتفاقية  وما يمكن أن يُعدل مستقبلاً سيبقى محوراً من محاور النقاش الأساسية لا سيما في المحطات المهمة لكن الأرجح أن ما تم تدوينه في الدستور  بات من  الصعب تعديله ولربما بات مستحيلاً.

ويتساءل البعض اليوم عن ما اذا كان الطائف قد نفذ بأصله وفصله أو أننا اليوم أمام نسخة تكاد تكون نقيضة للنسخة السورية التي صنفت بعد ذلك وما تزال تصنف من البعض بـ"وصاية سورية"؟

ترجح بعض المصادر اليوم إلى انه لا بد من الوصول إلى ما يعرف بعقد مجلس تأسيسي لإعادة جوهرية بنود "الطائف" التي كانت من المرجح أن تؤول  الى وضع نظام سياسي أساسه الدولة المدنية. 

فالدولة المدنية هي فكرة متداولة منذ زمن في لبنان، غير أن الأحزاب السياسية استطاعت بعد إتفاق الطائف أن تتغلغل داخل مؤسسات الدولة وتُهيمن عليها، على قاعدة المحاصصة الطائفية، فاحتكرت تمثيل الطوائف وكرّست الطائفية أكثر في الثقافة السياسية اللبنانية.

واليوم، وفي ظلّ الصراع القائم في البلد، أعاد رئيس مجلس النواب نبيه بري طرح فكرة الدولة المدنية، معتبراُ أنها حل للأزمة اللبنانية، وذلك نتيجة الشرخ الذي أحدثه "الطائف" جراء الإنحراف الدائم عن جوهرية مضمونه. 

ويتساءل البعض عن مدى جديّة بري في هذا الطرح. إذ سبق للرئيس بري أن أعاد طرح عدة أفكار متعلّقة بإصلاح وتحديث النظام السياسي في لبنان، من القانون النسبي إلى إلغاء الطائفية السياسية، وهي أفكار ليست خاصة به بالطبع، لكنه من أبرز المسؤولين داخل منظومة الحكم الذين نادوا بها.

ولكن، طرح الأفكار شيء وتطبيقها شيء آخر، إذ أن تجربة القانون النسبي دفعت معظم القوى السياسية لإعادة النظر في حساباتهم في لبنان والتمسّك  بحكم الطائفية السياسية والديمقراطية التوافقية.

فكرة الدولة المدنية ولو تكوّنت في نفوس وعقول اللبنانيين وأصبحت ثقافة مُقنعة لهم وسلّموا بها، الا انها لن تحلّ المشكلة اللبنانية نهائياً، إذ أن من كان ضد الطائف أصبح اليوم متمسّك با أكثر من مؤسسيه مما سيؤدي إلى البدء بالدخول في الإستثناءات لفكرة "دولة مدنية عالطريقة اللبنانية" من خلال أسلوب خدّاع وترقيع للمشكلة.

خلاصة، من الواضح اليوم أن "الطائف" قد سقط على الرغم من تمسّك السلطة به وبات من المطلوب حسم الجدل القائم و اتخاذ أحد الخيارين إما ترميم الطائف و وضعه على مسالك ودروب جديدة وإما العودة إلى مجلس تأسيسي لوضع نظام دولة قائمة على الروحانية الوطنية ومكرّسة لثقافة العيش المشترك.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa