"قبرشمون" تثير التدخلات الخارجية... هل عاد زمن السفارات؟

08/08/2019 05:21PM

شعوب الأرض على اختلافها تتوق الى السيادة والحرية والإستقلال. وإذا ما نظرنا نظرة شاملة لما يجري في العالم، لوجدنا أنه باسم إحقاق السيادة، وخلف تحقيق الحرية ونيل الإستقلال، تخاض الحروب على أنواعها عبر إراقة الدماء وبيع الشعوب واغتصاب الأرض. هذه هي حالة لبنان منذ اعلان استقلاله عام 1943. فتارة يتمّ الإجماع على ترسيخ الوفاق الوطنيّ  والحفاظ على حرية وسيادة الوطن وطوراً يخرج سياسو البلد عن مسار الطريق تحت وطأة السيطرة الغربية اعتقاداً منهم أنها الطريقة الأصح لكسب النفوذ واقتناء الثروات. 

يتخبط لبنان منذ بداية عهده بين حرب وأخرى، وتتنوع بين حرب عسكرية ونفسية واقتصادية. ونشهد في الآونة الاخيرة سلسلة حروب نفسية أثرت بشكل مباشر على مؤسسات الدولة وكان آخرها حادثة قبرشمون التي وقعت على خلفية سياسية وعنصرية كما يصفها البعض والتي بدورها أعادت إلى الأذهان ذكريات الحرب الأهلية. تداعيات هذه القضية ادت إلى شلّ لبنان سياسيا واقتصاديا عبر ايقاف العمل في الحكومة واهمال المباشرة بالاصلاحات نتيجة التصعيد المتبادل بين حزب "التقدمي الاشتراكي" و التيار "الوطني الحر". 

وعشية ذكرى 7 آب التي من المفترض أن تتوّج ذكرى العنفوان اللبناني والثورة ضد قمع النظام السوري المحتلّ، خطفت السفارة الأميركية الأضواء عبر بيان اعتبره البعض تدخلا فاضحا في الشأن اللبناني واعتداء على السيادة. 

إذ أكدت سفارة الولايات المتحدة الأميركية دعمها المراجعة القضائية العادلة والشفافة دون أي تدخل سياسي. كما اعتبرت أن أي محاولة لاستغلال الحادث المأساوي الذي وقع في قبرشمون في 30 حزيران الماضي بهدف تعزيز أهداف سياسية، يجب أن يتم رفضها. 

واعتبرت بعض الأوساط السياسية أنه لا بد من الترقب والحذر بعد إصدار البيان الأميركي، إذ لا يمكن توقع نوعية الإجراءات التي ممكن ان تتخذها اميركا في حال لم يتجاوب المسؤولون مع هذا البيان. ولفت البعض الآخر إلى أن البيان أتى على هيئة دعم لرئيس "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط في قضية البساتين. في حين استنفرت الجهات السياسية  المعارضة لجنبلاط والمصرّة على تعطيل الحكومة واحالة القضية إلى المجلس العدلي، واعتبرت أن بيان "الأميركية" تدخل واضح في الشؤون اللبنانية الداخلية وتعدًّ على سيادة لبنان. 

من جهة أخرى، شنت مجموعة من اللبنانيين، حملة على السفارة الأميركية في بيروت، واصفة اياها بـ"سفارة الفتنة"، ردا على بيانها. وتصدر الهاشتاغ #سفارة_الفتنه "تويتر"  بعد ظهر أمس، واعتبر المغردون أن الولايات المتحدة تطالب اللبنانيين بحرب، فيما دعا مغردون السفارة الى عدم التدخل في الشؤون اللبنانية، وتوعد آخرون بـ"المقاومة".

ورداً على اتهام البعض لوليد جنبلاط بانه لجأ لطلب الدعم من السفارة الأميركية، يؤكد النائب هادي ابو الحسن أن " التقدمي الاشتراكي لم ولن يطلب أي دعم من أحد". 

وفي حديث للـ"السياسة"، يشدد على ان "الساحة أصبحت مستباحة والسؤال يجب أن يوجه لمن فتح الميدان للتدخلات الخارجية". ويلفت إلى انه " لطالما طلبنا الابتعاد عن الصراعات الدولية والاقليمية". 

"لا يمكننا أن نطلب من السفارة الاميركية وسواها من السفارات عدم التدخل في الشأن اللبناني"، يقول أبو الحسن، موضحاً أنه "عندما يُلاحظ التدخل المستمر في السيادة اللبنانية من سفارات عدّة ودوائر قرار اقليمية ودولية مجاورة لا يمكن حينها منع التدخل الاميركي في الشأن اللبناني". 

وعن الحلّ الممكن لوقف هذه التدخلات، يشدد أبو الحسن على ان "الحلول تكمن من خلال مبادرة الطرف الآخر بوضع حدّ لكلّ التدخلات الخارجية في التفاصيل اللبناني حينها يمكن التلاقي مع مطلب ومنطق تحييد لبنان والنأي بالنفس عن كلّ ما يحدث في الخارج".

أما عن الكلام الذي طال رئيس مجلس النواب نبيه بري، واتهامه بالتماهي مع بيان "الاميركية" ووضعه ضمن خانة "الخونة"، يشدد عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب قاسم هاشم على ان "موقف الرئيس بري واضح وهو اجراء مصالحة طبيعية وضرورية لانقاذ البلد من الوضع الخطر الذي يمرّ به". 

وفي حديث للـ"السياسة"، يلفت إلى انه " ليس من حقّ أحد أن يحدد رأي الآخر إذ إن الآراء ولو اختلفت لا يمكن القول بأن الجميع متماشي مع بيان السفارة الاميركية".

"التوترات السياسية التي نعيشها اليوم تنعكس دون شك على مسارات البلد الاقتصادية والاجتماعية"، يقول هاشم، ويؤكد أن " الرئيس بري مع التهدئة وتخفيف الحقد والتوتر ومع حلّ الأزمات القائمة خاصة أزمة حادثة قبرشمون التي لم ننته من ذيولها وتداعياتها عبر مصالحة سياسية دعا إليها الرئيس بري منذ اللحظة الأولى". 

ويوضح هاشم أن " للأميركيين توجهات مباشرة في المنطقة ولديهم استراتجية قائمة عبر مواقفهم والعمل على تفكيك الساحات السياسية في المنطقة. كما لا يمكن إنكار أهمية لبنان للولايات المتحدة وذلك لأسباب عدة". 

"للبنان سياسته وسيادته وقراراته التي يجب أن تتخذ ضمن مصطلاحات وطنية سيادية دون املاءات خارجية والخضوع  بأي توجه آخر، بحسب تعبير هاشم، الذي يؤكد أن " المعيار الوطني يشدد على عدم تدخل أي طرف خارجي أيّ كان هذا الطرف. إلا أن بيان السفارة الأميركية حُكماً تدخليّ ولا يمكن ردعها سوى من خلال إجماع جميع الأطراف على الحدّ من التدخلات الخارجية دون استثناء والتخلي عن الإزدواجية القائمة على التمييز بين طرف وآخر".


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa