بين "الثورة" و"الحراك".. ضاع الحق ومن ورائه

14/11/2019 02:27PM

أما الآن، فقد ذهب كل نتاج الأيام الاولى للحركة الإحتجاجية هباء الريح، نتيجة عوامل عدة دخلت على خط الحراك أنهكته فأنهته.

للأسف ضاع حلم الصادقين، الذين تهافتوا الى الشوارع يصرخون جوعهم وذلهم وحرمانهم، ولو أنهم كانوا جزءا من هذا الضياع عن غير قصد، بسبب إصرارهم على عدم تنظيم صفوفهم وتوحيد الخطاب المطلبي ليقطعوا بذلك الطريق على كل المتسلقين من أحزاب كبيرة وأخرى جديدة.

بداية كان الأولى وقبل تنظيم المطالب حتى، تحديد مفهوم هذا التحرك الذي خرج خلاله الناس الى الشوارع، وتصنيفه لتبنى عليه التطورات اللاحقة.

فقد كان خطأ فادحا، أن يتم تسمية ما يجري بـ "الثورة" لاسيما بعد الأيام الثلاثة الاولى. هذه التسمية والإصرار عليها جعلها ثغرة، تمكّن من خلالها من أراد العبث بالسلم الأهلي أو القيام بتصرفات خارج الإنتظام العام، أو تحوير مفهوم الحراك وأحقيته، أن يتذرع بأن "هذه ثورة وكل شيء فيها مباح وأن الناس ألوان وأجناس ومن مختلف البيئات، لذلك لا يمكن ضبطهم أو حتى محاسبتهم على طريقة تعبيرهم".

فالاجدى، بداية، كان ضرورة اختيار التعبير الحقيقي لنزول المواطنين الى الشوارع، ومن ثم تنظيم المطالب في إطار المنطق، وليس في الهواء، لأن العشوائية لا توصل الى نتيجة طالما لا قيادة لمن يطالب.

فهل حقا ما يجري منذ 29 يوما هو ثورة بمفهومها الدقيق والإصطلاحي السياسي والقانوني؟ حكما لا، والأكيد أنه ليس بانتفاضة.

ما يجري لايعدو كونه حركة احتجاجية، تُعرّف على أنها "تحركات جماعية لفئات أو جماعات أو منظمات بهدف انتزاع حقوق أو مواجهة مخاطر ويشترط لهذه التحركات أن تكون جماعية فى الهدف والحركة".

أما الثورة، فهي في مكان آخر، حيث يقوم بها الشعب في إطار تغيير مفاجىء وكلي من خلال القوات المسلحة مثلا أو من خلال شخصيات تاريخية لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية طموحات الشعب.

فيما الانتفاضة، حركة عفوية شعبية غير منظمة يقوم بها الشعب معبرا من خلالها عن رفضه لقرار أو إجراء محدد اتخذته السلطة الحاكمة. وعليه يمكننا القول أن ما جرى في 17 تشرين الاول كان انتفاضة في ساعاته الأولى، ثم تحول الى حركة احتجاجية مع توسع مروحة المطالب.

أما الثغرة الثانية، فهي الفهم الخاطىء للكثير من المفاهيم المطلبية، على الرغم أنه ليس المطلوب أن تكون كل شرائح المجتمع اللبناني ضليعة في القضايا السياسية والقانونية والدستورية، لكن أقله أن يكون هناك استيعاب أولي لتركيبة النظام الدستورية في لبنان، وهنا نعود الى المربع الأول، ومسؤولية الأشخاص الصادقين في الحراك، بأن تكون لهم حلقة صغيرة تدير الأمور وتوجه مختلف شرائح المجتمع الغاضبة، وتشرح لهم وتنظم أفكارهم، لتتمكن من تحقيق مطالب الناس ولو بصورة متتالية. أما العشوائية التي حصلت فقد أضاعت المطالب وفتحت الطريق أمام المتسلقين لتنفيذ أجنداتهم السياسية، على حساب وجع الناس وحلمهم بالتغيير. لا سيما وأن لبنان محكوم بنظام برلماني تمثيلي لا يمكن أن يخضع لأي شكل من أشكال التغيير التي تحدث في أي بلد آخر، الا من باب نظامه، وبالتالي فإن الذهاب نحو مطالب تغييرية شاملة دون خطة محددة تبدأ بالتشريع من البرلمان صاحب السلطة في انتاج المؤسسات، لا يمكن أن يؤدي الا الى ضياع المطالب، والمراوحة في دائرة الفراغ.


المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa