احتكار الأدوية والمستلزمات الطبية: بعد جيبتي ما حدا يعيش

15/06/2021 01:54PM

كتبت جاكلين بولس أبو زيد في "السياسة": 

كثير هو الوجع، ومعه تكثر الروايات عن مرضى لم يجدوا أدويتهم في الصيدليات أو أرجئت عملياتهم الجراحية لأن المستوردين قرروا تخزينها في الظاهر بانتظار فتح الاعتمادات من جانب مصرف لبنان، وفي الواقع لتحقيق الأرباح الخيالية في ظلّ الهوة الكبيرة بين السعر الرسمي للدولار وسعر صرف السوق السوداء.

خياطة جرح بلا بنج

تقول شانتال إنها تعرّضت لسقطة في منزلها تسببت بجرح كبير في الرأس، وبعد نقلها إلى أحد المستشفيات القريبة، خضعت لغسيل رأسها تحت مياه الصنبور من دون أي مطهّر، ثم خِيْطَ جرحها بسبع غرزات حديدية من دون تخدير موضعي، وعندما بدأت بالصراخ ألمًا طالبة بعض البنج كان الجواب: "لَبَيْن ما نبنّجك، مْنِخلَص التقطيب".

الأمر لم ينتهِ هنا، بل غادرت المستشفى من دون أي دواء على الجرح وقد طلب منها الطبيب شراء مرهم واستخدامه لمدة أسبوعين.

أمال: تحوّلنا إلى شحّاذي أدوية من الخارج

ليست شانتال وحدها من عانى من نقص المستلزمات الطبية في المستشفيات فالأخبار تطول حول هذا الواقع المرّ الذي بلغه لبنان، أما عن واقع فقدان الأدوية فحدّث ولا حرج. تقول أمال التي تعاني من السرطان وتأخذ علاجًا دائمًا هو "إيبرانس" أو "نافلبين" الباهظ الثمن: أنا أحتاج لثماني عشرة حبة شهريًا يبلغ سعر الواحدة منها مئة وعشرين ألف ليرة يدفع الضمان الاجتماعي بدل ستٍ منها فقط، وأنا أتكفّل بالباقي، ولكي يحفظ الصيدلي حقه قبل أن يستعيد المضمون قسمًا من ثمن الدواء ، يجب على المريض أن يضع تأمينًا أو وديعة لدى الكاتب بالعدل، وتضيف أمال: هذا الدواء انقطع من الأسواق اللبنانية وتوقفت عن تناوله لمدة شهر تقريبًا، وعندما عثرت عليه مجددًا منعني طبيبي عنه بسبب الانقطاع السابق، ما يعني أنني أصبحت من دون علاج وقائي يحميني من السرطان في المستقبل.

قصة أمال المؤلمة مع انقطاع الأدوية تنسحب على الفحوص الضرورية فتقول: كان عليّ أن أجري فحص التصوير المقطعي أو "بيتسكان" للكشف على الخلايا السرطانية، وتخطيط لصدى القلب لأنني أعاني أيضًا من مشكلة في القلب ولا أجد الدواء لها بسبب فقدان الادوية، هذه الفحوص لم أتمكن من إجرائها حتى الساعة بسبب عدم موافقة الضمان الاجتماعي الذي يشترط ظهور السرطان مجددًا قبل أيّ موافقة، هذا بالإضافة إلى أن المستشفيات لا تستقبل مرضى السرطان إلّا إذا كانوا يحملون المال الكاش.

وتتابع أمال: أنا اليوم بحاجة لدواء" فيميرا" المقطوع فأعمد إلى طلبه من أيّ شخص خارج لبنان ليؤمنه لي، بصراحة بتنا شحّاذي دواء لنبقى على قيد الحياة.

 ما يحصل جريمة ضد الإنسانية

الواقع المر الذي يعاني منه شعب بأكمله لا بد وأن يكون له ضوابط قانونية أم فسحة محاسبة، فماذا يقول القانون وهل يمكن مقاضاة مستوردي الأدوية والمستلزمات الطبية؟

توضح المحامية ريبيكا سلامة لموقع "السياسة" أنّ التعاميم الموقعة بين الوزارات المعنية في لبنان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي كثيرة حول تأمين الدواء والمستلزمات الطبية وكلّ ما يتعلّق بالفحوص المخبرية وتوفير هذه الخدمات والمواد للمستفيدين كافة، هذا بالإضافة إلى مشروع قانون المنافسة المعدّل 2019 الذي يحدد القواعد المنظمة للمنافسة في السوق المحلية ويمنع الممارسات المخلّة بها ويقضي على الاحتكار ويضبط عمليات التركيز الاقتصادي، وتضيف سلامة أن المادة 766 في المخالفات التي تمس بالثقة العامة تشدد على أنّ من أقدم على بيع بضاعة أو طلب أجرًا بما يزيد عن الثمن المعيّن للتسعيرة المنشورة  وفقًا للقانون، يعاقب بالتوقيف التكديري وبغرامة مالية إذا لم يفرض عليه القانون عقوبة أشد.

وتشرح المحامية سلامة أن القانون اللبناني يمنع الاحتكار وهناك تعاميم وقوانين تابعة لوزارتي الصحة والاقتصاد وحماية المستهلك تنظّم عمل الشركات المستوردة للأدوية والمستلزمات الطبية وتمنعهما من التحكّم بالأمور أو الاستنسابية في التسليم أو الامتناع عنه وتمنع الاحتفاظ بهذه المواد، وعند المخالفة أو وقوع ضرر يمكن للمتضرر أن يرفع دعوى قضائية إما أمام النيابة العامة التمييزية في بيروت أو أمام وزارة الاقتصاد التي تشكل المرجع الإداري.

وتضيف المحامية سلامة أن ما يحصل تنطبق عليه صفة "الجريمة ضد الإنسانية " أو التسبب بالوفاة العمد لدى الامتناع عن تأمين أدوية السرطان وغسيل الكلى والأمراض المزمنة مشيرةً إلى أنّ رفع الشكوى ليس حكرًا على المتضررين فقط بل بإمكان أيّ مواطن رفع دعوى ضد المحتكرين لأن الأمر يطال شعبًا بكامله. 

عاصي: لم نخالف القانون والمشكلة في التسعير

بين أمال وشنتال والرأي القانوني تجزم رئيسة تجمّع الشركات المستوردة للمستلزمات الطبية سلمى عاصي أنّ هذه الشركات لم تخالف القوانين ولم تحتكر المستلزمات الطبية بل واصلت التسليم للمستشفيات بشكل طبيعي، واضعةً المشكلة الأساسية في خانة سياسة الدعم المعمول بها من جانب مصرف لبنان وقالت: لا نعرف كيف سنسعّر هذه المستلزمات أعلى سعر ألف وثمانئمة ليرة المعتمد من المركزي أو سعر السوق السوداء؟

أزمة المستلزمات الطبية التي حُلّت بشكل موقت مع وعدٍ من مصرف لبنان بفتح الاعتمادات للشركات المستوردة عن الأشهر الستة الماضية، ستعود لتفرض نفسها وبلوغ الاحتياطي الإلزامي الخطّ الأحمر والقرار النهائي بوقف سياسة الدعم التي تسببت بضياع مليارات الدولارات من حسابات المواطنين استفاد منها المقتدرون والمهرّبون إلى خارج الحدود في ظلّ غياب أي دور للسلطة السياسة أو خطة بديلة.


شارك هذا الخبر


Fatal error: Uncaught mysqli_sql_exception: Column 'ID' in order clause is ambiguous in /var/www/elsiyasa/new/newFunction.php:305 Stack trace: #0 /var/www/elsiyasa/new/newFunction.php(305): mysqli->query() #1 /var/www/elsiyasa/new/include/latestnews.php(2): getLatestArticlesNumHomeNew() #2 /var/www/elsiyasa/new/article.php(159): include('...') #3 {main} thrown in /var/www/elsiyasa/new/newFunction.php on line 305