بين لبنان ومصر... "العبرة لمن اعتبر"

09/10/2018 08:38AM

بديع يونس


وأذكر جيداً هذه الجلسة مع صديقي القديم في شتاء عام 2013. هو ديبلوماسي أميركي وصديق صريحٌ وصدوق. لم أنشر يوماً معلومات عنه أو منه, من دون إذنٍ أو اتفاق مسبق.


ربما هذه الصدقية في التعاطي المهني بيننا جعلت من صحافي وديبلوماسي أصدقاء, بنيا ثقة متبادلة. لا هو أراد يوماً توريطي لأسباب سياسية أو "بروباغندا" ولا أنا استغليت ثقته لسبقٍ صحافي.


اليوم وقد صارت السنوات وراءنا وحكم جماعة الإخوان في مصر انكشف "نفاقه", عسانا نعيد استخدام تلك المعلومات واستذكار تلك الأحداث علّنا نأخذها في الحسبان والاعتبار. 


في ذاك اللقاء, كانت الصورة ضبابيّةً حول التطورات المصرية تماماً كشتاء لبنان الذي يجالسنا من خارج نافذة فندقٍ مطلّ على البحر في العاصمة اللبنانية. كنتُ يومها في بيروت في إجازة عيد الميلاد. صادفَ وجودي بعد أشهرٍ من انتخاب  محمد مرسي رئيساً خامساً للجمهورية العربية المصرية.  وكان الرئيس الأوّل بعد ما عُرف بـ"ثورة 25 يناير" التي أنهت حكم حسني مبارك حليف الولايات المتحدة والغرب. مرسي كان أول رئيس مدني منتخب للبلاد. أُعلن فوزه في 24 يونيو - حزيران 2012 بنسبة 51.73 % من أصوات الناخبين المشاركين. بدأت فترته الرئاسية مع إعلان فوزه في الانتخابات وتولى مهام منصبه في 30 يونيو - حزيران 2012 بعد أدائه اليمين الدستورية.


هذه الأحداث غير المسبوقة في تاريخ مصر الحديث, حملتها معي إلى جلستي مع صديقي الديبلوماسي. سألته عن موقف الولايات المتحدة المثير للجدل, بوقوفها في موقع "المتفرج" عند انطلاق شرارة الثورات في العالم العربي, والتسليم بـ"روح رياضية" لخسارة حلفاء الأمس الذين من خلالهم كانت تتحكم بمنطقة الشرق الأوسط، وبعض دول المغرب العربي على مر العقود الأخيرة؟!


جوابه كان واضحاً: " ... ومن قال إن عدم تحرك القويّ وذي السلطة والقدرات ليس موقفا بحد عينه؟" ابتسم صديقي القديم عندها وأضاف: "حوربنا بسلاحنا, بسلاح الديمقراطية وكنا على دراية بأن مرحلة ما بعد الثورات سوف تأتي بالإخوان المسلمين إلى السلطة... لكن الحكم - في عالم السياسة وعلمها - مسألة براغماتية, تحوّل الرجل الوطني بالكلام إلى خائن في الأفعال, وتضع المنتقِد في موقع المُنتقَد, وهذا ما حصل مع الإخوان المسلمين، ليترحّموا اليوم في مجالسهم الخاصة على أيامهم في المعارضة, عندما كانوا مرجعية وظهراً يتكئ الشعب إليهما لإيصال صرخته من خلالهم".


فحين كانت الجماعة في موقع المعارضة, كانت تنتقِد وتتّهِم فيما أصبحت اليوم ُنتقَد وتُتَهمُ... كانت تُخوِّن وصارت تُخوَّن. كانت قوية في موقعها كضحية الديكتاتورية, فتحولت إلى ضعيفة في سدة السلطة متَّهَمَّة بالاستبداد وبديكتاتورية السلوك.

"المجلود قبل "الربيع العربي" خرج منه جلادا". 








هذا ما قاله الدبلوماسي الأمريكي قبل أن يختتم حديثه، مشيرا إلى أن بلاده قررت أن تقضي على الإخوان سياسياً, عبر إيصالهم إلى الحكم "ديمقراطيا". وهكذا سقط القناع... وانتهت عقود الجماعة.


وفعلاً, بعد 3 أشهرٍ تقريباً, في نهاية أبريل - نيسان 2013 انطلقت "حركة تمرد" التي دعت إلى سحب الثقة من مرسي. طالبت بانتخابات رئاسية مبكرة. نجحت في حشد تظاهرات في 30 يونيو - حزيران 2013 طالبت برحيل مرسي. استمرت فترة رئاسته حتى عزلته القوات المسلحة في 3 يوليو - تموز 2013.


ومع انتهاء "حكم الإخوان" وسقوط مرسي لا بدّ من استذكار وصول الجماعة إلى الحكم وسقوطها. فهذا التنظيم تحوّل إلى "بطل" على مر العقود حين كان الكلام مجانياً. حين لم يكن هناك محاسبة للوعود التي كان إطلاقها سهلا خصوصا لعدم وجود فرصة إثباتها أو الإخلال فيها. شاءت الظروف ـ أو رُسمت الخطة ـ  (إذا عُدنا إلى كلام صديقي الأميركي) للقضاء على الإخوان خلال "الربيع العربي"، من خلال إثبات نظرية أن الجماعة فشلت حين كانت في المعارضة تماما كفشلها الذي أثبتته خلال فترة وجودها في الحكم. لكن يبقى الفارق بين الفشلين أن الأول يتيح لها أن "تجرّب مرة أخرى"، أما الثاني فقضى عليها بـ"الضربة القاضية" من منطلق القول الشعبي القائل إنه "عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان".

فالإخوان "نُحروا" و"انتحروا" في آن. تربّعوا على عرش القصور الرئاسية, والحكم لا يرحم. والإصلاح لا ينتظر. والسلطة أفعالٌ وممارسات براغماتية.


لا كتاب القذافي الأخضر نفعه, ولا كتبٌ ملوّنة أخرى تنقذُ أيّ حاكم أو تبرّئه.


من أتى في صندوق الاقتراع لن يسقط إلا في الصندوق الذي أتى من خلاله.


وفي لبنان... العبرة لمن اعتبر.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa