قضية تحرّش في بلدية بيروت: تحقيقات، رسائل تهديد.. والمرتكب يتهرّب!

هي ليست الأولى ويبدو أنها لن تكون الأخيرة.. قضية التحرّش في بلدية بيروت، وتحديدا في دائرة النظافة.

منذ أيلول الفائت، وبالتزامن مع قيام عدد من الناجيات بتقديم دعوى تحرّش وممارسة أفعال منافية للحشمة ومخالفة لكل أصول الأخلاق الوظيفية والإدارية، بحق المدعو م.ك (المتحرّش)، خرجت قضيتهن الى الرأي العام، بعد أن ضقن ذرعا في التواصل مع دائرة التفتيش في البلدية، دون أي تحرك.

التحقيقات اليوم مستمرة، وبحسب معلومات "السياسة" فقد تم الإستماع الى شاهدة الشهود في مخفر حبيش، بعد أن أدلت المدّعيات الثلاثة (لن نذكر أسمائهن حفاظا على خصوصية التحقيق وحساسية القضية وبناء على طلبهن)، بإفاداتهن المرفقة بالمسندات والإثباتات والتي هي عبارة عن "تسجيلات صوتية، ورسائل نصية"، لإتمام الملف قبل إستدعائه من قبل المخفر الى التحقيق.

م.ك. الذي كان يتعرّض لزميلاته في العمل بالتحرش ومحاولة الإستفراد بهن، وتارة بإثارة النعرات الطائفية والتهديد بالقتل والتلفظ بكلمات نابية لا أخلاقية أمامهن والتضييق عليهن في العمل، فضلا عن محاولة رشوتهن للقيام بأعمال جنسية أو تغيير وقائع مرتبطة بالعمل والطلب من المحجبات منهن إرسال صور بلا حجاب، تبين خلال التحقيقات والشهادات، وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "السياسة" الكثير من المخالفات المتعلقة بالفساد والرشوة والإختلاس، وقد حوّلت كلها في ملف واحد الى أمن الدولة حيث تجري التحقيقات فيها.  

وفي هذا السياق، يؤكد أحد وكلاء المدعيات المحامي في الإستئناف عبد الوهاب حمدان في حديث للسياسة أنه " بمجرد الإنتهاء من التحقيقات من المفترض أن يتم استدعاء المدعى عليه الى مخفر حبيش بعد أخذ الإذن بملاحقته من محافظة بيروت"، مبديا استغرابه من أن المدعى عليه م.ك لا يزال يمارس مهامه الإدارية على الرغم من أن الدعوى مرفوعة، وبالتالي وجب على الهيئة العليا للتأديب التحرّك لتوقيفه عن العمل بعد مصادقة المحافظة ريثما تنتهي التحقيقات، ليبنى على الشيء مقتضاه". 

وكشف الأستاذ حمدان أن "الفتيات اليوم يتعرضن لشتى أنواع التهديدات بعد رفعهن الدعوى، إضافة الى التشهير بسمعتهن في مركز عملهن وبين الموظفين، فالمدعى عليه يهدّدهن بضرورة التنازل عن الدعوى لأن " ما حدا بيعمل معو شي وما حدا بطالو"، على حد التعبير الذي نقله المحامي، مؤكدا أن "المرتكب يعمد ايضا الى تهديد الشهود بهدف الضغط عليهم تغيير شهاداتهم".

من جهته، يلفت شقيق إحدى الناجيات من المتحرش، في حديثه للسياسة، الى أنهم لجأوا الى القضاء لأن هذه هي الطريقة الانسب والأصح لأخذ الحقوق، لكن اليوم وبعد مضي أكثر من شهر على رفع الدعوى ما زلنا نراه يتابع عمله في الدائرة وكأن لا شيء يحدث، لذلك فإننا اليوم قد نلجأ أيضا الى الضغط السياسي، كما يفعل هو لأنه مدعوم من إحدى الجهات الحزبية، فيسرح ويمرح متسلّحا بهذا الدعم من دون أي رادع".

وتمنّى شقيق الناجية أن تسير عجلة الدعوى بوتيرة أسرع، ويتم توقيف المدعى عليه أولا عن العمل، وثانيا يأخذ قصاصه، كي لا يضطرون الى أخذ حقهم بيدهم.

الملفت أيضا في هذه القضية، أن لرئيس دائرة النظافة في بلدية بيروت حاليا المدعو  م.ك. سجّل حافل بالمخالفات الإدارية والقرارات التأديبية الصادرة بحقه، على مدار الأعوام منذ 2013 وحتى اليوم، وقد اتُّخذت بحقه الكثير من قرارات التوقيف لمدة عن العمل تأديبيا، ولنفس الأسباب التي ادُّعي عليه اليوم بها. 

كما أنه وبحسب المعلومات جرى تشكليه تأديبيا من "دائرة المسالخ" الى "دائرة النظافة"، قبل فترة. كما استدعاه التفتيش مرتين منذ تاريخ رفع الدعوى لكنه لم يحضر.

لكل هذا وُجب السؤال التالي: كيف يمكن لموظف متعاقد وغير أصيل في ملاك الدولة، عليه ما عليه من ارتكابات إدارية ولا أخلاقية وقرارات تأديبية، أن يبقى في العمل وتكون أقصى عقوبته نقله من دائرة الى أخرى؟

محافظ بيروت القاضي مروان عبود صرّح في أكثر من مرة أنه ينتظر نتائج التحقيقات ليتحرّك إداريا، والذي بالمناسبة حاولنا الإتصال به أكثر من مرة لإستيضاح رأيه وتقديم الأجوبة على كل هذه التساؤلات. علما أن سعادة المحافظ محق لجهة انتظار موقف التفتيش قبل إصدار أي قرار بحق المخالف. لكن المرتكب يتخلّف عن التحقيق في كل مرة يُستدعى فيها، فكيف للتفتيش أن يصدر قراره من دون أن يُحقق؟ وكيف يتم السكوت عن تخلّفه عن الحضور وجاهيا الى التحقيق من دون اتخاذ إجراء فوري بحقه سواء من الهيئة أو من المحافظ نفسه؟ 

التراخي في اتخاذ الإجراءات القانونية والخضوع للمحسوبيات، سيجعل من حالة المتحرش م.ك وغيره، أمرا طبيعيا وسهلا، طالما أن المحاسبة غائبة، وستبقى حقوق الناس وأعراض الفتيات تحديدا ضائعة وعرضة للإنتهاك، وطالما أن قانون  تجريم التحرش الجنسي لم يخرج من قمقم المجلس النيابي.

( المقال مرفق بصور عن بعض المستندات )