‎لم نعد نفهم على سعد الحريري!

27/10/2020 10:02PM

‎على خطوط التوتّر العالي تسير علاقة بيت القلعة مع بيت الوسط. رئيس تيار المستقبل سعد الحريري لا يريد أن "يترك للصلح مطرح" بينه وبين النائب نهاد المشنوق. كلما قرّبت السياسة المسافات تأتي "الشخصنة" لترفع المتاريس، وكأن الحريري لم يعد رئيساً مكلفاً وكأنه ما زال أسير الخشية من إنزال "لقب الدولة" على وزير الداخلية الاسبق!

‎قالها المشنوق ذات مرّة بل مرّات عديدة: "فليأخذ سعد رئاسة الحكومة، لا نريدها، أنا لست مرشّحاً، وليرتاح!"، لكن الحريري ورسوله والمؤمنين به يأبون ذلك! لم يستتب أمرهم ولا هم عازمون على ترك الرجل إلى مصيره السياسي.

‎الصوت الذي أضافه نُهاد المشنوق قيمةً على الأصوات "الهزلية" التي نالها سعد الحريري في إستشارات الخميس الملزمة، تخطاه رئيس المستقبل. ليته تعامل مع المشنوق كما تعامل مع أسعد حردان مثلاً. ذهبَ واستجداه تحت جنح الليل من أجل نيل صوت أو صوتين "بالكتير" ينجيانه من حريق الرقم ٥ الذي كاد ان يصله ولو حدث ذلك لأصبح رقماً قياسياً مختوماً له لولا تحرّك "حلفاء اللحظة" لإنقاذه. المشنوق لا يدع لاتصال أن يغير في رأيه السياسي. هو من "جماعة المعطيات". بادرَ إلى مؤازرة الحريري بصوت "انصياعاً منه للإجماع السني" كما قال من على منبر بعبدا، وأمور أخرى لا مجال لشرحها الآن، لا رغبةً في إقتناص رضى أو تأمين موقع أو استجداء مصلحة أو فتح بازار "خود وهات" كما يحلو للآخرين أن ينسجوا علاقتهم بالحريري.

‎مع ذلك، كل همّ الرئيس سعد الحريري، قبل التكليف وبعد التأليف، أن يرسم حواجز ويرفع دشم وخطوط تماس بينه وبين السياسيين السنة من غير أصحاب "الدولة". منطق "الشواية" لم يغب عن بال الحريري مرّة، وكل الشخصيات السنية مرشحة ومدرجة على لائحة الانضمام. آخر عنقود الضحايا كان السفير مصطفى أديب الذي رحل غير آسفٍ، ليكتشف مؤخراً أن الحريري في صدد العودة إلى السراي على ظهر الاتفاق الذي نُسجَ في زمانه! طعن سياسي ما بعده طعن.

  

‎"السنة الأقحاح" في السياسة يستغربون هذا المنسوب الهائل من الحدّة في تعاطي بيت الوسط مع نائب منتخب في بيروت، وهي التي تدّعي "أبوّة السنة والبيارته منهم تحديداً"، فما نقل عن الحريري في إحدى الصحف من إنتقادات شخصية شديدة تطال المشنوق، لا تتماشى وسياسة "التهدئة والإصلاح والمهادنة وإعمار بيروت وبناء الدولة" التي أعلن الحريري انتهاجها واتباعها كمسار في نسخته السياسية المنقحة للعام ٢٠٢٠، لا سيما وأن المشنوق بدأ انفتاحاً سياسياً على الحريري لم يكن يحتاج إلى تصريف كل هذه السلبية ونثرها عبر الإعلام.

‎المفارقة أن المشنوق يتحدث في السياسة، أما الحريري فينقل عنه كلام يمسّ المشنوق بالشخصي. صحيح إن نائب بيروت الذي نجا من "تسونامي أزرق" عام ٢٠١٨ لم يكن ليتوقع إعترافاً من الحريري، لا بوزنه السياسي ولا بالقيمة المضافة التي قدمها له مجاناً خلال الاستشارات، لكن ايضاً وعلى الاعم الاغلب لم يكن يتوقع أن يرمي أحدهم حجراً في بئر بعد ما شرب منه!

‎عملياً، قام الانتقاد السياسي الدائم للمشنوق على سياسات الحريري لا سيما فيما يتصل بالتسوية الرئاسية وعلاقته "غير المتوازنة" مع رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل. كان المشنوق يطالب "العزيز سعد" دائماً برسم خط بياني يفصل بين حدود العلاقة، ومن أبرز النصائح التي كان يسديها إليه إعلامياً، إبقاء "جبران" خارج أسوار السراي كي ينجح". ما فعله الحريري ويفعله الآن أن عادَ إلى نصائح المشنوق تماماً، فهل إنزعاجه مبني على تقدير المشنوق السياسي الصحيح منذ البداية أن لا "حياة سياسية للحريري في ظل الجبران"...؟

‎مشكلة سعد الحريري أننا لم نعد نفهم عليه وهو لم يعد يفهم على نفسه، بل أنه ما خاصمَ أحدهم في السياسية إلا تبعاً لموقف بالشخصي. يقيم للمسائل الشخصية كل الاعتبار ويبني عليها. هذا جبران باسيل مثال يحتذى. حين اختلفا في الشخصي دمرا علاقة سياسية رسما فوقها خطوط الطول والعرض، في السياسة والمقاولات، والآن يعودان لترميم الشخصي رغبةً منهما في إصلاح السياسي وربما أبعد من ذلك. 

‎خطأ سعد الحريري القاتل الذي ما برح  يقع فيه أن لا جواب سياسي يستخدمه في نزاع سياسي بل مجموعة من الاحقاد الشخصية التي تحركها نزعات وظنون وغيرة مصدرها أولاد البلاط.


المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa