من (ع.م) في بيروت إلى (إ.ع) في القاهرة.. لماذا تخفي النساء هوياتهن في الشكوى ضد المغتصبين؟

10/12/2020 04:10PM

تكاد الشهادات تتطابق، رغم تغير الأماكن،  فخلال أسبوع واحد انتشرت شهادات صادمة تتهم ناشط حقوقي سوري بارز بالتحرش والاعتداء الجنسي على زميلاته في العمل واستغلال منصبه وشهرته في أوساط المجتمع المدني للضغط على النساء وابتزازهم جنسيا. 

وفي مصر، انتشرت شهادات تتحدث عن مخرج يشتهر بأفلامه المستقلة، يستخدم علاقاته وشهرته لاصطياد ضحاياه والتعدي عليهن واغتصابهن وهن تحت تأثير الكحول والمخدرات. 

كلاهما يختبئ وراء شعارات حقوق المرأة والنسوية كي يضغط على نساء في موقف الضعف ويوهمهن أن العيب فيهن، فالأول يتهم النساء اللائي يصدونه بالتخلف والرجعية، والثاني يهدي امرأة اعتدى عليها كتابا عن "الألوهية الجنسية" للمرأة.

الأول هو الناشط (ع.م)، سوري مقيم في لبنان، والثاني هو المخرج (أ.ع) في مصر، وكلاهما يواجه سيلا من الشهادات المفصلة لفتيات وسيدات لم يكشفن عن هوياتهن، فلماذا تخاف النساء في العالم العربي مواجهة مغتصبيهم علنا؟ 

٨ شهادات متطابقة

الشهادات ضد الناشط السوري البارز وثقتها الإعلاميتان السوريتان زينة إرحيم ونضال أيوب في تقرير استقصائي تضمن قصصا قاسية ومروعة لنساء تعرضن لتحرش لفظي وجسدي من قبل ناشط مدني من المفترض به أن يكون عونا للضعفاء من اللاجئين والأرامل والفقراء.

وبحسب بعض تلك الشهادات فإن ذلك الناشط الذي يقيم في لبنان دأب على استغلال عمله مع منظمات حقوقية دولية وإقليمية ليتحرش بالعديد من النساء سواء كن زميلاته في العمل أو مستضعفات يعشن في مخيمات النزوح والفقر. 

ويفصل التحقيق شهادات متطابقة لـ8 نساء تعرضن لسيناريو متشابه، يبدأ بمحاولة فتح كلام جنسي واتهامات بالرجعية في حالة عدم قبول الضحية، إذ يقول الناشط لأحد الفتيات: “عَ شو (لماذا) طلعتي ثورة (أصبحتي ثائرة) إذا الحكي بموضوع السكس مش عادي بالنسبة إلك؟ (إذا كان الحديث في الجنس أمرا ليس عاديا بالنسبة لك؟”.

ويتطور الأمر دائما لمحاولة استدراج الضحية في موقف تكون فيه وحيدة، ومحاولة إمدادها بالمخدرات أو الخمور إلى أن يصل إلى محاولة الاعتداء الجسدي.

ويوثق التحقيق كيف أن إحدى الجمعيات الأهلية اللبنانية اضطرت إلى إنهاء تعاقدها مع الناشط بحجة أن منصبه لم يعد متاحا، كمخرج قانوني وحيد، حيث هددها الناشط بالمقاضاة بتهمة التشهير إذا أثارت شكاوى التحرش الجنسي. 

"تهم جاهزة"

وعن رسالتها في تغطية قضايا التحرش الجنسي، أوضحت الصحيفة زينة أرحيم لموقع "الحرة" أن تغطية قضايا التحرش الجنسي في المنطقة العربية يوازي في خطورته تحدي الأنظمة الاستبدادية والفساد، وخاصة إذا كان المُتحرشين الذين يجري التحقيق عنهم نافذين وأصحاب مصالح وعلاقات. فالقوانين المحلية في أغلب الدول العربية لا تُجرّم التحرش، وبل وأن بعض تلك القوانين عاجزة عن وضع تعريف وإن عرّفته فإن السلطات المختصة تطالب بوجود أكثر من شاهد لإثبات التهمة.  

وأشارت إرحيم إلى أن اتهامات "تشويه السمعة والقدح والذم" جاهزة بحق أي صحفية تكتب عن متحرش حتى لو كان متسلسلا وقد جُمعت ضده خمس أو ثمان شهادات، فكيف يتأكد أن الثمان نساء اللواتي لا يعرفن بعضهن لم يخترعن هذا الحديث للنيل منه؟ وهو الشخص المؤثر والمهم. 

وتتابع: "عدا عن الهجمات الأخرى التي تتلقاها الصحفيات اللواتي تتجرأن لوضع أنفسن في هذا الموضع وأولها موضوع قضايا التشهير التي يمكن أن تكّلفها من الوقت والمال الكثير، إضافة إلى الجهد النفسي، أولا في التحقيق في هذه القصص وسماع النساء (وقصصهن بالتأكيد مألوفة ومُعاشة من قبل العديد من الصحفيات نفسهن)، وثانيا في حملات التشويه والهجوم التي تأتي بعد نشر التحقيق والتي تتناولهن شخصياً".

وعن التحقيق الأخير الذي أجرته مع زميلتها نضال أيوب، أكدت زينة أنهما كانتا جاهزتان ومستعدتان لكل الصعوبات والعقوبات التي قد تقفا في وجههما".

وأضافت: "تناقشنا في أسوأ الاحتمالات وماذا يمكن أن نفعل في حال جرى رفع الدعوة ضد نضال في لبنان أو ضدي في لندن، وكيف يمكن أن نحمي مصادرنا ونتعاون لندعم بعضنا بعد نشر التحقيق والهجوم المتوقع افتراضيا (على الأقل) علينا".

"أسعد لحظات حياتي"

وتعرضت زينة  بعد نشر التحقيق لانتقادات واسعة واتهامات بالفبركة ومحاولة تشويه الحركة الحقوقية، وتقول:  "في لحظة من غضبي وتعبي مما كنت أقرأ من هجوم شخصي جدا ضدي، أرسلت لي إحدى الناجيات قائلة (لم أتوقع أن يأتي هذا اليوم، هذا أسعد يوم لي في السنة)، وقد كانت هذه الكلمات كافية لجعلي أتحمل شهرين آخرين من الهجوم".

لم توجه حتى الآن أي اتهامات جنائية للناشط الشهير (ع.م)، الذي بدوره لم يعلق إطلاقا على الاتهامات، لكن زينة تقول:  "معرفتنا أن بعض المنظمات والممولين اتخذوا إجراءات لمنع من أثبتنا أنه متحرش متسلسل من الاستمرار في العمل بالمجال تعطي الكثير من الأمل والتفاؤل، والذي يبدو في وضعنا الحالي هو الوسيلة الوحيدة لتحصل الناجيات من التحرش الجنسي على نوع بسيط من العدالة في جو مازال يلوم الضحايا ويقرعهن على ما يتعرضن له، أو يعتقلهن، مثلما حدث في قضية الفيرمونت في مصر. 

دروس "الفيرمونت"

شهدت مصر  مايشبه انفراجة في مجال حقوق المرأة في التبليغ عن المتحرشين، بدأت في سبتمبر الماضي ، حين أدى سيل من الشهادات المجهلة ضد طالب سابق في الجامعة الأميركية يسمى أحمد بسام زكي من القبض عليه، وهو الآن قيد المحاكمة. 

غير أن محاولة البناء على هذا النجاح في قضية أخرى لم يتحقق، إذ حاولت إحدى المدونات نشر سلسلة شهادات مجهلة عن قضية عرفت إعلاميا باسم "جريمة الفيرمونت"، وتدور حول اتهام عدد من أبناء رجال أعمال نافذين في مصر باغتصاب فتاة قاصر تحت تأثير المخدر وتصوير الواقعة وتوزيعها على معارفهم. 

وبعد فتح التحقيق في القضية، سرعان ما واجه الشهود حملة تشويه مضادة، تضمنت تسريب فيديوهات جنسية خاصة، واتهامات بالانحلال الخلقي والانخراط في حفلات جنس جماعي، مما أجبر الناجيات مرة أخرى على اللجوء لسلاح الشهادات المجهلة والحصول على عدالة "جزئية" في محكمة الرأي العام، وليس المحكمة الجنائية. 

 متحرش "بثياب مبدع"

لذلك، عادت أسلوب الشهادات المجهلة مرة ثانية، وهذه المرة ضد مخرج سينمائي، يواجه 3 شهادات بالتحرش والاغتصاب.  

ونشرت مدونة "دفتر حكايات" التي تقدم "شهادات العنف الجنسي في مصر" شهادة لامرأتين، لم تسمهما، ضد شخص عرفته المدونة فقط بالأحرف الأولى لاسمه (إ.ع)، وقالت إنه "سينمائي مصري".

وقد نشرت السيدات تفاصيل تعرضهن لتحرش ذلك المخرج الذي يشارك أحد أفلامه بمهرجان القاهرة السينمائي، مما دفع الأخير إلى إصدار بيان يؤكد فيه "احترامه للمرأة ورفض كل أشكال العنف ضدها ومنها التحرش".

وفي الشهادة الأولى، قالت الضحية الأولى إنها التقت السينمائي لأول مرة قبل 6 سنوات، وكان لقاء وديا، قبل أن يلتقيا بعد عام تقريبا إثر خضوعها لعملية جراحية، حيث كانت تعاني من أثار نفسية وجسدية أعقبت الجراحة.

ووفق الشهادة، فإن المخرج شجعها على التمثيل، وبعد موافقتها زارها في منزلها بغية القيام بتجربة أداء، وسرعان ما تحولت الجلسة إلى تحرش وتعدى عليها جنسيا مستغلا حالتها الصحية التي منعتها من المقاومة.

وبعد ذكر تفاصيل دقيقة ومؤلمة عن التعدي عليها، قالت الضحية إنها قررت اليوم نشر شهادتها بعد أن رأت "بوستر الفيلم" الخاص بالمخرج، الأمر الذي أثار غضبها لاسيما بسبب "حالة الاحتفاء" به "كصانع أفلام نسوي".

أما في الشهادة الثانية التي نشرت، فقد ذكرت الضحية الثانية أنها تعرفت على المخرج نفسه الذي حاول مرارا استدراجها مرارا عبر طلبات تحمل إيحاءات جنسية على غرار حثها على أن يرسمها ويصورها عارية،. 

وقالت إنها قررت الإدلاء بشهادتها هو استغلال عمله في السينما لـ “استدراج البنات" صغيرات السن لممارسة الجنس معهن، وهن "تحت تأثير مخدر أو في موقف ضعف ما..".

وكشفت في سياق الشهادة التي تضمنت تفاصيل عدة، أنها تعرضت بالفعل للتحرش والاغتصاب من قبل المخرج، بعد أن استدرجها وحثها على تناول الكحول والمخدرات حتى فقدت الوعي، واضطرت للذهاب إلى المستشفى بعد إصابتها نتيجة لاعتدائه الجنسي عليها. 

وتتطابق الشهادة الثالثة مع سابقيتها، إذ تقول صاحبتها أنها ذهبت إلى مكتب المخرج الشهير كي يساعدها في التقديم لمنحة لتطوير فيلمها، ثم فوجئت به يحتضنها من الخلف، ويحاول اغتصابها. 

ولاحقا تفاعلت المخرجة الشابة سلمى الطرزي مع شهادات تلك النسوة وأكدت أنها تعرف ذلك المخرج معرفة جيدة وأن لديها معلومات كثيرة عن تاريخه في التحرش الجنسي. 


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa