"تجار البنادق الجدد" يتصدرون المشهد شمال سوريا

13/04/2021 08:51AM

ما بين تأكيد ونفي ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا، خلال الأيام الماضية، بـ"قضية جدلية" فتح بابها تسجيل مصور نشره عشرة مقاتلين، اتهموا فيه القيادي في "الجيش الوطني السوري"، محمد الجاسم الملقب بـ"أبو عمشة" بالاستحواذ على مستحقاتهم المالية، والتي كان من المفترض أن تسلّم لهم بعد عودتهم من القتال على جبهات إقليم ناغورنو قره باغ.

ما لبث أن انتشر التسجيل على موقع التواصل "تويتر" وبعض غرف "الواتساب" حتى سارع "أبو عمشة" بنفيه عبر بيان رسمي، ليخرج بعد ذلك تسجيل آخر للمقاتلين ذاتهم في إحدى الأراضي الزراعية بشمال البلاد. نفوا خلاله ما قالوه في التسجيل الأول، ووجهوا اتهامات لـ"المرصد السوري لحقوق الإنسان" والعميد المنشق عن نظام الأسد، أحمد رحال بدفع مبالغ مالية لهم، لتوجيه الاتهامات لـ"أبو عمشة". 

وبعيدا عن صحة التسجيل المصور من عدمه، هناك حالة بدت تظهر ملامحها جليا في مناطق شمال سوريا، وخاصة في ريف حلب، وتعززت منذ أكثر من عام، في أثناء توارد التقارير التي وثقت خروج مقاتلين سوريين للقتال في ليبيا وأذربيجان، وجبهات أخرى خارج الحدود. 

هذه الحالة التي وصفت بـ"الارتزاق" ارتبطت بفئة كبيرة لدى المقاتلين السوريين وآخرين من القيادات المسؤولة عنهم، وعلى الرغم من أنها وسمت بهم لقتالهم في الخارج، إلا أنها باتت أيضا تطلق عليهم داخليا، استنادا لـ"ممارساتهم المحلية" في المناطق التي يسيطرون عليها من عفرين إلى رأس العين. 

"بوصلة ضائعة"

ما سبق يأتي بعد عشر سنوات من الثورة في سوريا ضد نظام الأسد، والتي خرج فيها الملايين من السوريين رفضا لسلطة نظام الأسد الأمنية وممارساته من قتل وقصف وتهجير، وما تبع ذلك من حراك مسلح أشعله شبان وضباط وعناصر منشقون. شكلوا فيما بينهم بداية "الجيش السوري الحر". 

سيطر "الجيش الحر" على مناطق واسعة من الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، وبالتزامن معه لم ينقطع الحراك السلمي، والذي ماتزال أصواته تتردد حتى الآن، انطلاقا من "مبادئ الثورة السورية"، لـ"الحصول على الحرية والكرامة، ورفض سلطة القمع والاستبداد التي تمارسها عائلة الأسد، منذ عقود".

وعلى اعتبار أن سرد التطورات والتفاصيل التي عاشتها سوريا في السنوات العشر الماضية قد يطول، لكن في المقابل هناك بعض المحطات التي كان لها وقعها قاسيا وقد يمتد لسنوات، ويراها البعض من السوريين أنها ستترك آثارا سلبية على "قضية الثورة وصورتها"، من بينها محطة "الارتزاق"، والتي ما تزال ارتداداتها مستمرة حتى الآن، بشكل ملموس أو عبر الإعلام.

تحدث موقع "الحرة" مع أحد الضباط المنشقين عن جيش نظام الأسد، وكان قد ابتعد عن أية أعمال عسكرية من قرابة ثلاثة أعوام.

يقول الضابط الذي فضّل عدم ذكر اسمه: "هناك شريحة كبيرة من المقاتلين السوريين تاهت بوصلتها منذ سنوات ولم تعد تقاتل من أجل قضية الثورة السورية. يرتبط ذلك بعدة محددات داخلية وخارجية". 

ومن بين هذه المحددات، سير هؤلاء المقاتلين خلف "قيادات تولت زمام أمورهم في ليلة وضحاها"، ويضيف الضابط: "هذه القيادات يمكن تصنيفها في خانة القيادات الجدد، بعيدا عن القيادات السابقة للجيش السوري الحر، والتي قتل معظمها، وما تبقى على قيد الحياة يعيش في المهجر، سواء في تركيا أو دول أوروبا". 

محددات أخرى ربطها الضابط بسوء الوضع الاقتصادي للمقاتلين في الشمال السوري، الأمر الذي دفعهم منذ عامين للبحث عن طريقة إلى كسب المال، بعد أن اصطدموا بانسداد الأفق السياسي وتوقف الجبهات بفعل الدول الإقليمية اللاعبة في الملف السوري. 

وزاد الضابط: "لذلك اتخذوا قرار القتال في الخارج لكسب المال، وهو الأمر الذي يسرته القيادات، لغايات تضمن بقائها في سلطة العسكر". 

"الارتزاق ضرب صميم الثورة"

عند الحديث عن القادة في الشمال السوري، وبالأخص ريف حلب فجميعهم كانوا قد ظهروا إلى الوجهة العسكرية بصورة ملحوظة بعد عملية "درع الفرات"، والتي أطلقها الجيش التركي ضد تنظيم "داعش" في عام 2016. 

انضوى القادة فيما بعد ضمن تشكيل "الجيش الوطني السوري"، والذي يتألف حاليا من ثلاثة فيالق تعمل في ريف حلب الشمالي، وأربعة أخرى في محافظة إدلب، ضمن تحالف "الجبهة الوطنية للتحرير". 

وفي أثناء الإعلان عن "الجيش الوطني" تحددت أهدافه بمقاتلة النظام السوري حتى إسقاطه و"قوات سوريا الديمقراطية"، وهو الأمر الذي حصل مؤخرا، في أثناء السيطرة على منطقة عفرين ومدينتي رأس العين وتل أبيض في شمال وشرق سوريا، في أواخر عام 2019. 

لكن هناك من يرى من المعارضين السوريين أن "الجيش الوطني" "غير ملتزم بمبادئ الثورة السورية"، على خلفية تجميد جبهاته مع نظام الأسد من جهة، وتحوّل مقاتليه مؤخرا لعابرين للحدود من جهة أخرى.

وبالإضافة إلى ذلك كانت عدة تقارير محلية وحقوقية قد وجهت في السنوات الماضية اتهامات لبعض القيادات من "الجيش الوطني" بكسب الأموال غير المشروعة، من خلال التوجه لاستثمارات في الداخل والخارج، وأيضا التحكم بالموارد المالية التي يتم الحصول عليها من المعابر الرسمية ومعابر التهريب، والتي يقدر مردودها اليومي بعشرات آلاف الدولارات.

وأبرز هؤلاء القادة "محمد الجاسم" الملقب بـ"أبو عمشة"، والذي ذاع صيته منذ السيطرة على منطقة عفرين، ومؤخرا خرجت تسجيلات مصورة لاستثمارات أنشأها في ناحية الشيخ حديد، بينها مقهى و متجر لبيع المواد الغذائية. 

عدا عن ذلك هناك مظاهر ترف سبق وأن وثقها "أبو عمشة" بنفسه، ليظهر بسيارة مصفحة تقدر قيمتها بآلاف الدولارات، ومنزل تمتد مساحته لأكثر من 1000 متر مربع، وبتصاميم فارهة.

"القادة مسؤولون"

ماجد عبد النور صحفي سوري، يقيم في ريف حلب، يرى أن المقاتلين السوريين الذين خرجوا للقتال إلى ليبيا وأذربيجان هم "ليسوا مقاتلي جيش حر قديم أو من الناس التي بقيت على قيد الحياة من قبل". وهو ما أكده الضابط المنشق سابقا.

ويقول عبد النور في تصريحات لموقع "الحرة": "المقاتلون في الخارج محسوبون على فصائل تشكلت حديثا بعد عمليات درع الفرات وغصن الزيتون. الفصائل القديمة المحسوبة على الثورة السورية رفضت الذهاب للقتال في الخارج. فصيل الجبهة الشامية مثلا".

هناك أسباب عديدة تقف وراء "الارتزاق الخارجي" وأيضا التوجه لكسب المال داخليا، وحددها الصحفي السوري بـ"الفقر الشديد، والمدخول المادي الضعيف جدا للمقاتلين. العنصر يرى أن 1500 دولار من الممكن أن تبني له بيتا في حال عودته على قيد الحياة".

وبوجهة نظر عبد النور، فإن المسؤولية وراء عمليات "الارتزاق" تقع على قادة الفصائل في المقام الأول، ويتابع: "هم ثلاث قادة فقط يتولون عمليات التجنيد. ليس لهم أي حس وطني، ويحولون أبناء بلدهم إلى محرقة في أماكن لا ناقة لهم ولا جمل".

"ضرب صميم الثورة"

إلى ذلك أبدى الصحفي ماجد عبد النور تخوفه من انعكاس الآثار السلبية لحالة "الارتزاق" على الصورة العامة للثورة السورية، وقضية ملايين السوريين المهجرين والنازحين.

يوضح عبد النور الذي شارك في بداية المظاهرات ضد نظام الأسد في حلب وريفها أن "أكبر شيء ضرب صميم الثورة هو تحويل المقاتلين إلى مرتزقة".

ويضيف: "في السابق كان هناك قضية عدل وحق ومبدأها الأساسي الدفاع عن الوطن، لكن وللأسف تحولت إلى مرتزقة وإلى أناس يقاتلون بالأجرة بعيدا عن أي قضية. تحولت شريحة من المقاتلين وقادتها إلى تجار بندقية يقاتلون في معارك وعلى أرض ليست أرضهم".

ويتابع الصحفي السوري: "كل مناطقتنا محتلة وتذهب العناصر للقتال في الخارج!. القضية العادلة تحولت إلى قضية ارتزاق. لن يأت أكبر وأقسى من هذه القضية التي وسمت باسم السوريين". 

من جانبه يشير العقيد، أحمد السعود الذي اضطر للخروج من محافظة إدلب منذ سنوات، بسبب مناهضته لـ"جبهة النصرة" إلى أن مجتمع المقاتلين السوريين في الشمال ينقسم إلى عدة فئات، البعض منها تراجع والآخر ترك، بينما بقي قسم آخر. 

ورفض السعود خلال تصريحات لموقع "الحرة" تعميم "الحالة السيئة" على مقاتلي فصائل المعارضة، ويضيف: "النسبة السيئة في الساحة تغطي على الشريحة الأكبر من النسبة الجيدة".

وتابع الضابط الذي ابتعد عن العسكرة منذ أربعة سنوات، ويستعد حاليا للعودة إلى ريف حلب: "هناك إشكالية في ترتيبة العمل العسكري في الشمال. الآن عائدون لتغيير الوجوه وبث الروح في الشباب من جديد".

"غياب العقيدة الوطنية"

في سياق ما سبق لا ينحصر "موضوع الارتزاق" أو "المجموعات العسكرية غير الرسمية" بالملف السوري، بل هو معروف في كل صراعات العالم.

وبات حاليا جزءا رئيسيا من استراتيجية الكثير من الدول التي لها نشاطات ذات طابع عسكري غير رسمي خارج حدودها، لأنها تستخدم مجموعات ذات خبرة عسكرية، بدون أي كلفة سياسية، وتستطيع التنصل من مسؤوليتها في أي وقت. 

فيما يخص السوريين يقول الباحث السوري، أحمد الحسن أن هذا الموضوع "لا يخص طرف واحد، حيث توجد آلية ارتزاق لدى كل الأطراف السورية حاليا، نتيجة غياب الهوية الوطنية وغياب العقيدة الوطنية التي تمنع ذلك".

ويتابع: "لهذا نرى أن نفس العناصر التي قاتلت لصالح الثورة تقاتل بنفس المستوى لصالح النظام في مناطق التسويات كما يحصل حاليا في الجنوب السوري، وقد تقاتل بنفس المستوى مع مجموعات متطرفة كما يحصل ضمن هيئة تحرير الشام".

وزاد الحسن في تصريحات لموقع "الحرة": "نجد حاليا ضمن تشكيلات النظام وقسد عناصر وقادة سابقين في داعش لنفس السبب، وهو القتال لصالح المكاسب فقط والوقوف مع الطرف الرابح".

"في الشق السياسي أيضا"

لا تقتصر "حالة الارتزاق" على الجانب العسكري في سوريا بل تشمل السياسي والإعلامي، وحتى "النشاط الثوري"، حسب الباحث السوري.

ويوضح الحسن: "حيث تحول الكثير إلى أدوات في مشاريع دولية ولا علاقة لها بالملف السوري، بسبب اعتماد هذه النشاطات كوسيلة عمل وتحسين الظروف المادية، وليس بناء على أهداف التغيير الاجتماعي والسياسي العام".

ومن أبرز الأسباب التي دفعت إلى ما سبق هو طول الأزمة السورية أولا، وتدويل الملف السوري وغياب الهوية الوطنية الجامعة.

ويتابع الباحث السوري: "أيضا بسبب بروز هويات ما قبل الدولة مثل العشيرة والمنطقة والقومية والطائفة وغيرها، مما ساهم في استثمار الدول هذه الحالة البدائية في مصالحها".

وخلال حديثه أشار إلى جملة من الحلول لمشكلة "الارتزاق"، في مقدمتها "التعامل معها باعتبارها مشكلة لها أسبابها وليست موقف سياسي أو عقائدي، بل على العكس. هؤلاء يمكنهم تغيير قناعتهم بسرعة، في حال الاهتمام الجدي بالأسباب التي دفعتهم لهذا المسار". 


المصدر : الحرة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa