سنتان من الصبر أمام البقاعيين على "مجرى الموت"

النهر الذي أقام العدو الإسرائيلي صولات وجولات من الحروب بهدف السيطرة عليه وعلى البيئة المحيطة به، تحوّل اليوم بجهود "الدولة العظيمة" واستهتار أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة الى "مجرى الموت".

فمشكلة تلوث نهر الليطاني ليست بالحديثة، بل هي تراكمات سنين طوال من الإهمال بحقوق المواطنين، الا انها عادت الى الواجهة، بعد الصرخات الموجعة التي خرج بها تحديدا أهالي البقاع الذين باتوا يخسرون في كل يوم أحد أحبائهم بعد صراع مع مرض السرطان.

سنوات من الانتظار ومشاريع إنشاء محطات لتكرير مياه الصرف الصحي نائمة في أدراج مؤسسات الدولة، الى أن بدأ اليوم المشروع المودع لدى الدولة منذ عام 2004 بالسير في طريقه الى التنفيذ.

وفي هذه السياق، كشف رئيس اتحاد بلديات غربي بعلبك الدكتور إبراهيم نصّار في حديث لموقع "السياسة"، أنه تم تأمين المبلغ المالي اللازم لإتمام المرحلة الاولى من المشروع المسماة " مشروع تمنين التحتا 1"، والبالغ 40 مليون دولار أميركي، شارحا مراحل تقسيم المشروع وامتداده.

وبحسب الدكتور نصّار، فإن المشروع هدفه تمديد شبكات الخطوط واستكمال النواقص فيها، وإنشاء محطة تكرير مياه الصرف الصحي، بدءا من أعالي منطقة "العلّيق" وصولا الى بلدة "تمنين – التحتا" حيث سيكون مركز المحطة.

ولفت الدكتور نصّار الى أن المشروع مقسّم الى قسمين، تتوزع عبرهما مناطق غربي وشرقي الليطاني، حيث سيشمل مشروع تمنين 1 قرى ( تمنين التحتا، بدنايل، شمسطار، النبي شيت)، فيما يستكمل مشروع تمنين 2 باقي قرى غربي وشرقي الليطاني، والذي ستبلغ تكلفته 65 مليون دولار أميركي.

وحول الجهة الممولة للمشروع والشركات التي تم تلزيمها، أشار نصّار الى أن ممول المشروع هو الصندوق العربي للتنمية تحت إشراف ومتابعة مجلس الانماء والاعمار، وتم تلزيم شركة "غرين لاين" لإتمام كل ما يتعلق بالشبكات، فيما لُزّمت شركة "سوبال ليمناكو" مهمة انشاء المحطة، وذلك للمشروع الاول. أما المشروع الثاني، فينتظر المناقصات للتلزيم "وقد يكون للشركات نفسها".

وعن حالة الغضب والاستنفار لدى أهالي البلدات المجاورة للنهر ونفاذ صبرهم، أكد نصّار وقوف البلديات لجانب المواطنين، لافتاً الى وجود محاولات لخلق ازمة بين الأهالي والبلديات وتحميل الأخيرة ذنب هذه الجريمة النكراء بحق البيئة. 

مؤكداً أن "البلديات ليست الجهة المسؤولة عن كل هذا التأخير والمماطلة في ايجاد الحلول، فهي ليست صاحبة الصلاحية مطلقا بإنشاء محطات تكرير ولا بإعادة إمداد وصيانة الشبكات الرئيسية".

وأردف بالقول إن "كل ما ذكرت يندرج في إطار صلاحيات وزارة الطاقة حصراً، باستثناء بعض الحالات الخاصة والطارئة، فالنهر تحت وصاية الوزارة وليس البلديات، كما أن الاخيرة لا تملك الامكانيات الفعّالة للمراقبة المنتجة".

وكشف نصّار  أن "الدولة بدل أن تنكّب على إيجاد حلّ جذري، لهذه المشكلة الخطيرة، جاءنا الطرح من داخل مجلس الوزراء بإقامة حفر للناس يتم تسليط الصرف الصحي اليها"، متسائلا "أيعقل أن تطرح دولة هكذا حلّ من شأنه أن يفاقم الأزمة ويجعلها أكثر خطورة بعد سنتين".

كما أكد أن نواب بعلبك - الهرمل، أصحاب طرح مشروع تمنين، يتابعون بقوة عملية انجازه عبر الاجتماعات الدورية مع مجلس الانماء والاعمار، لافتا الى أنه تم الانتهاء حاليا من إمداد الشبكات في أكثر من بلدة والعمل مستمر لانجاز الباقي.

وبما أن المحطة تحتاج من الوقت سنتين لتصبح قيد التشغيل، قال نصّار، "علينا بالصبر قليلا ونشر الوعي لعدم استعمال مياه الليطاني لري المزروعات ولا لأي استخدام آخر، ريثما يتم الانتهاء من المشروع".

أما فيما يخصّ البلبلة التي أثارتها إشكالية إقفال المصانع والمؤسسات التي تلوّث مياه النهر وما اذا كان هذه الاجراء سينفّذ أم لا، أكد نصّار أن " دلا حجج أمام أصحاب هذه المصالح، وليس من صلاحية الدولة أن تبني لهم محطات تكرير لمصلحتهم الخاصة، هم مخالفون ومرتكبون لجريمة لا تغتفر، وبالتالي فان معالجة الامر تتم عبر وزارة الصناعة التي تتابع هذا الملف عن كسب". وقال " هذه الموضوع حسّاس لوجود آلاف العائلات التي تعتاش من هذه المصالح، اضافة الى الحسابات السياسية التي يسند أصحاب المصانع ظهورهم اليها، للأسف".

هذه هي حال "نهر الليطاني" اليوم، بعدما ما كان المكان الذي يجتمع فيه الناس على المحبة والسعادة، باتوا اليوم يبتعدون عنه حتى لا يتفرّقوا بالموت الذي يخيّم على قراهم. فأهالي البقاع يرون في هذا المشروع خلاصهم، وليس أمامهم من اليوم وحتى مرور السنتين سوى الصبر والدعاء.