31/05/2021 01:56PM
كتبت صفاء درويش في "السياسة":
في شباط ال2005 وبعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم يكن الشاب سعد مستعدًا لخوض غمار العمل السياسي. شخصت الأنظار في حينه نحو شقيقه بهاء. نُقل على الهواء مباشرة تجمّعًا للآلاف مقابل قصر قريطم في بيروت يهتفون فيه بحياة بهاء، وذُيّلت الشاشات بعاجلٍ يقول: "مناصرو الشهيد رفيق الحريري يبايعون نجله بهاء." آلاف المناصرين، وكل القوى السياسية اللبنانية، وسعد الحريري نفسه، لم يكن يعلم أنّه سيصبح هو "زعيم السنّة" في لبنان. كانوا يعتقدون جميعًا أن بهاء هو الخلف. أتت كلمة السرّ من السعودية تحديدًا: نريد سعد. في صباح اليوم التالي، تحوّل الهتافات من بالروح بالدم نفديك يا بهاء إلى بالروح بالدم نفديك يا سعد.
خمسة عشر عامًا ونيّف، فترة كانت كفيلة ليخسر سعد الحريري الكثير، وتقريبًا كل شيء. خسر إرث والده من مؤسسات ومال وعلاقات. خسر إجماع اللبنانيين عليه، بما فيها القوى السياسية في خندقي 8 و14 آذار. خسر رضا من أزاح شقيقه لينصّبه نائبًا ورئيسًا للحكومة فيما بعد، وما زال لديه بعض أولئك الذين هتفوا بحياته في قريطم، ولكن أصواتهم باتت خافتة وقبضاتهم متعبة وروحهم مهزومة.
أهم ما خسره سعد الحريري في سنوات عمله في السياسة هو نظرة الثقة التي كان ينظر فيها لبنان والعالم إلى والده. فرغم أن كثر عارضوا نهج رفيق الحريري إلّا أنهم كانوا يعلمون أنّ بسوعه القيام بشيء، على عكس نجله.
هنا، بدأ الحريري مسيرة الخذلان. ففي ليلة من ليالي العام 2009 استفاقت الطريق الجديدة وعكار على نبأ استضافة القيادة السورية للحريري في العاصمة دمشق. صُدموا هؤلاء. طريق الجديدة التي شهدت على إشكالات عديدة وتورّط بعض شبابها في اشكالات مسلّحة وحرق لعدد من المكاتب شعرت بين ليلة وضحاها أنّ طعنة وجّهت إليها. ابن رفيق الحريري في ضيافة من يتهمهم هو بقتل والده. في عكّار كانت الصدمة أكبر، فأهالي المناطق الحدودية الذين تضررت أرزاقهم كثيرًا بفعل توتّر العلاقات اللبنانية السورية شعروا بالطعن هم أيضًا. هناك من منعهم من التبادل التجاري والمجتمعي الحياتي الطبيعي مع جيرانهم في الطرف الآخر من الحدود بينما ركب هو الطيارة ووصل إلى عاصمة الدولة التي تبعد عنهم عدة أمتار.
مرّت الحادثة، وساهمت طيبة الناس بتخطّي تيارالمستقبل للإحراج الذي أوقعهم الحريري نفسه فيه.
ولأن سرد السقطات لا ينتهي، كانت هذه الزيارة ومفاعيلها مثالًا حيًّا عن معركة الخذلان. بعدها بسنوات، بدأت تخرج إلى العلن أزمة الحريري المالية. لم يستطع الحفاظ على حصّته من إرث والده أكثر من عشر سنوات بالتمام والكمال. هنا، علت الأصوات من الرياض إلى بيروت، ومن سعودي أوجيه إلى تلفزيون المستقبل والجريدة. فشل الحريري في إدارة شركاته التي قاربت الإفلاس. فشل أيضًا إخراج الأزمة، فمن كان يتخيّل أن يتظاهر موظّفون أرسلهم رفيق الحريري إلى السعودية أمام منزل نجله مطالبين بأبسط حقوق الناس وهي أجرهم كفاف يومهم.
في السياسة سقط أيضًا كما سقطت حكوماته الواحدة تلو الأخرى. خسر حلفاءه على الساحة المحلية وانخفض تمثيله النيابي بفعل القانون النسبي، وباتت العيون شاخصة نحو سفراته الطويلة، التي يغيب فيها عن البلاد أكثر ما يغيب المغتربون عن لبنان. باتت زيارته محط انتظار، وتتصدّر عناوين الأخبار، وهنا سقط في نظر من اعتبر أن أولوية الحريري هي لبنان لا الخارج، كما سقط شعاره لبنان أوّلًا في عدة مناسبات.
الفرصة الوحيدة التي كان يمكن له البناء عليها هي عملية احتجازه في السعودية. تعاطف كبير ووحدة وطنية حقيقية تجسّدت في السعي نحو استرجاعه. بعد سنة على عودته عاد وغدر بمن تغاضوا عن كل الخلافات من أجل استعادته سالمًا من البلد الذي يحمل هو جنسيته.
مسيرة الخذلان استمرت إلى اليوم، إلى لحظة ينتظر اللبنانيين بالطوابير تشكّل الحكومة فيما يراوغ هو لمحاولة الهرب أو التأخير. لم يعد سرًّا أنّه كان يراهن على تبدّل الرفض الخارجي له، فيشكّل ليعود بطلًا كما صُوّر والده عام 90. تمسّك بالتكليف ففشل بالرهان، وبات الوقف سيفٌ ذو حدّين: إن شكل دون دعم سينهار مع الإنهيار الإقتصادي، وإن اعتذر سيسعى غيره نحو البطولة وبدعم من الدولة التي رفضته في البدء، وان استمر بالمماطلة سيخسر من ما زالوا حتى الساعة متمسّكين به، رغم فقدانه لثقتهم.
مسيرة من الخذلان تختصر رحلة سعد الحريري في السياسة.. نصحه أحدهم قبل أشهر: "لا تقبل بالتكليف، عد إلى حياتك الطبيعية وابتعد لفترة، فهناك من يريد كسرك." سعد "العنيد" والذي، بحسب مستشاريه، لا يسمع لأحد، لم يأخذ بنصيحة من نصحه وقرّر المتابعة، واليوم يبحث عن مخرج، فهل سيضع الرئيس المكلّف حدًّا للتكليف فيرمي عن كاحله أثقال الحياة السياسية أمّ أنه سيتمسّك بكرة النار أكثر المتوجّهة بخطى ثابتة نحو الحضيض.
في الحقيقة لم يكن سعد الحريري في أي يوم من الأيّام سيّد نفسه كما اليوم بفعل تخلّي الخارج عنه، ولكنّ في الحقيقة أيضًا، يبدو أن القرار الأصعب في حياته هو القرار الوحيد الذي بات ملزمًا أن يتّخذه لوحده، دون راعٍ ولا حتى حليف.
شارك هذا الخبر
الهلال يقترب من ضم النصيري بعد تعثّر صفقة أوسيمين!
بوشكيان أمام القضاء للتحقيق بشبهات فساد وترخيص مزور
إيران: يمكن نقل اليورانيوم المخصب الى دولة أخرى
الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر: السودان على حافة كارثة إنسانية
قطرة دم تكشف عمرك الحقيقي...وكم تبقّى لك!
هبة من "الشانفيل" لذوي الاحتياجات الخاصة في نادي ضباط جونيه
كلوب عن مونديال الأندية: أسوأ فكرة في تاريخ كرة القدم!
"الوطني الحر" يرد على "الأخبار": آلية الترشيح داخلية وشفافة وما نُشر غير دقيق
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa