القنصل الفخري ابراهيم حنا من أبرز الأسماء بعالم الاغتراب اللبناني

خسرنا هذا العام القنصل اللبناني الفخري لولاية بوسطن الأمريكية ابراهيم حنا، هذه الخسارة أقل ما يقال عنها أنها لا تُعوض، فقد كان مثالاً حيًا للمغترب اللبناني الذي حمل معه لبنان أينما ذهب، والذي لم يتوانى عن خدمة اللبنانيين ورفع اسم وعلم لبنان عالياً. 

الراحل ابراهيم حنا، ابن كرخا الجنوبية في قضاء جزين، من أبرز الأسماء بعالم الاغتراب اللبناني، وقد استحق بجدارة أن يكون حديث الاعلام، فقد تناولت برامج عدة قصته، من مثل "سفراء الأرز" مع الاعلامية اللبنانية هيفا شربل و"صارو مية" اللذين يعرضان على محطة الـ MTV، بهدف تسليط الضوء على مسيرته الحافلة ليكون شعاع أمل في بلد يشهد الأمرّين سياسياً واقتصادياً.

ارتبط اسم الراحل ابراهيم حنا باستحقاقين اثنين أدخلاه التاريخ، فهو أول من تمكن من إدخال ثقافة جديدة إلى المجتمع الأمريكي، الذي لطالما نشر ثقافته في العالم ونادرا ما كان يحصل العكس. نعم، خرق القنصل ابراهيم حنا المجتمع الأمريكي بأشهر طبقين لبنانيين... الحمص والتبولة، وفي إطار ثوري أيضاً... بالعلبة! كما أنه عمل جاهداً على تسجيل اللبنانيين بدائرة النفوس اللبنانية بالرغم من الاغتراب. حمل حنا مسؤولية تجاهلتها الدولة اللبنانية للأسف، بهدف تمتين الروابط بين المغتربين وأرضهم الأم.

مشروع الراحل ابراهيم حنا في أمريكا يخفي قصة طريفة لا يعرفها الكثيرون، تنُم عن إصراره الكبير على نجاحه مهما كلّف الأمر. عندما بدأ حنا بالتعامل مع محالات البقالة في أمريكا لبيع علب الحمص كان يرسل أصدقائه ومعارفه لشرائها لكي تتشجع المحالات وتتعاقد معه من جديد.

البدايات الخالدة

قرر الراحل ابراهيم حنا التوجه الى الولايات المتحدة عندما ساءت الأحوال الأمنية في لبنان واختار الإقامة في مدينة سالم ليكرّس نفسه خادماً أميناً لمواطنيه الذين سبقوه والى معارفه الكُثر في تلك الحقبة. 

حبّه الكبير للخدمة وللاستماع إلى مشاكل وحاجات الناس ورثه عن والده المرحوم بشارة حنا، فكان هذا الشبل حقا من هذا الأسد. بدأ الأمر منذ أن كان في لبنان حيث اختاره أهل بلدته كرخا رئيساً لبلديتها، ما زاده حباً للمسؤولية وللعطاء من دون مقابل، وقد حمل معه هذا الأمر إلى بلاد الاغتراب.

دخل الراحل ابراهيم حنا عالم الأعمال في أمريكا من باب المأكولات، بحيث أطلق وزوجته ليلى علامة "سيدرز فود" لإدخال الأطباق الشرق أوسطية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فكانا يحضّران طبق الحمص بنفسيهما داخل مطبخ منزلهما ويرسلونه إلى محلات البقالة المجاورة.

توسعت عمليات الانتاح بسرعة لتشمل طبق التبولة أيضاً، لينتقل المشروع العائلي من المطبخ إلى معمل كبير يؤمن البضاعة لسلسلة متاجر متعددة عبر الولايات الأمريكية المختلفة. وفي أوائل التسعينيات من القرن المنصرم أصبحت علامة "سيدرز فود" العلامة الأولى في صناعة الحمص في نيوإنغلاند وباتت علامتها الفارقة خلوها من المواد الحافظة.

السرّ الثاني لنجاح علامة "سيدز فود" هو التزامها بالوصفة وبالطريقة التقليدية لصناعة الحمص، التي أحضرها معه الراحل ابراهيم حنا من لبنان واتبعها في أمريكا، بمعنى آخر طريقة أجدادنا، حيث يتم نقع حبات الحمص في الماء لحوالى 14 ساعة ومن ثم يطحن وتضاف الطحينة إليه باستخدام أحدث التقنيات والآلات. مع الوقت باتت شركة "سيدرز فود" تنتج أكثر من مليوني رطل من الحمص وتوزعها عبر القارة الأمريكية. 

شاع نشاط المغترب الراحل ابراهيم حنا في لبنان، ما دفع كبار المسؤولين اللبنانين إلى تسميته قنصلاً فخرياً لنيوإنغلاند في مدينة بوسطن العريقة، حيث قام بتأمين مقرّ واسع للقنصلية الفخرية في قلب المدينة وغطّى العلم اللبناني طوابق البناء حتى أضحى البيت اللبناني في الاغتراب.

الشعلة حيّة 

حب الخدمة يسري في عروق آل حنا، فمن الجد إلى الأب إلى الابن انتقلت شعلة خدمة اللبنانيين والوقوف عند حاجاتهم. واليوم حمل شارل حنا، نجل الراحل ابراهيم حنا، على عاتقه إكمال مسيرة والده الانسانية، بحيث نجده عند كل مفترق طرق واستحقاق مصيري يقف إلى جانب لبنان وأهله، تماما كما فعل عند تفشي جائحة كورونا، إذ تبرع بخمسين ألف لقاح مضاد للفيروس للجيش اللبناني دعماً لجهوده في محاولة التخفيف من وطأة الجائحة على الأهالي.

يعجز المرء عن تعداد انجازات وخدمات الراحل ابراهيم حنا، سواء للبنانيين في لبنان أو في بلاد الاغتراب، إلا أن ما يمكننا قوله وبالفم الملآن هو أن ذكره سيبقى مؤبداً.