قضية الصحفية "كاباش".. ومطالبات بإلغاء مادة "إهانة رئيس تركيا"

28/01/2022 07:25PM

ما تزال قضية الصحفية صدف كاباش تتفاعل داخل الأوساط التركية، وفي الوقت الذي تواصل السلطات وضعها خلف القضبان بتهمة "إهانة الرئيس إردوغان"، أطلق ناشطون وصحفيون حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإطلاق سراحها، مطالبين بإلغاء "المادة 299" من قانون العقوبات الجزائية. 

وتنص هذه المادة أنه من غير القانوني "إهانة رئيس تركيا"، ويمكن أن يُحكم على الشخص المخالف لها بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وأربع سنوات، وإذا كانت المخالفة علنية يمكن رفع الحكم الخاص بها بمقدار السدس. 

وكانت كاباش قد اعتقلت في 22 من يناير الحالي، بعدما فُسرت كلماتها في مقابلة تلفزيونية على قناة "تيلي 1" على أنها "إهانة للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان"، حيث قالت: "هناك مثل شهير جدا يقول إن الرأس المتوج يصبح أكثر حكمة. لكننا نرى أن ذلك ليس صحيحا. الثور لا يصبح ملكا بدخول القصر، بل إن القصر يصبح حظيرة".

وتعتبر هذه الصحفية من أبرز الوجوه الإعلامية في تركيا، وتعرف منذ سنوات بحدة انتقادها للحكومة التركية والحزب الحاكم في البلاد (العدالة والتنمية). 

وعلى الرغم من الضجة الإعلامية التي أحدثها قرار اعتقالها، إلا أن الحكومة التركية تواصل التصعيد ضدها، وقبل يومين كان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان قد توعد بأنها "لن تفلت من العقاب". 

وقال في مقابلة تلفزيونية: "من واجبنا حماية واحترام وظيفتي والرئاسة"، معتبرا أن توقيف كاباش "لا علاقة له بحرية التعبير"، كما انتقد أحزاب المعارضة التي طالبت بالإفراج عنها، في مقدمتها "حزب الشعب الجمهوري". 

ودخل "حزب الشعب الجمهوري" على خط القضية في الساعات الأولى لها، معلنا عن إعداده مشروع قانون سيُعرض على البرلمان، يقضي بمنع معاقبة المواطنين الذين يوجهون إهانات لرئيس الجمهورية، بحجة أن المادة يساء استخدامها من قبل الحكومة.

وتتضمن المسودة مسوغات فحواها أن "المادة 299 من قانون العقوبات الجزائية تم تشريعها لرئيس محايد لا ينتمي لأي حزب سياسي، وأنه خلال فترة حكم إردوغان رئيسا للجمهورية، تم فتح تحقيق بحق 160 ألفا و169 شخصا، وصدر الحكم بحق 12 ألفا و881 شخصا، وهذا يدل على استخدام المادة القانونية بشكل سلبي من الحكومة".

ورد إردوغان على ذلك بالقول: "ماذا ستفعل إذا تم تسمية حزب الشعب الجمهوري بالحظيرة؟ سنفعل كل ما يتطلبه القانون. الإهانة التي وجهتها كاباش ليست عني، بل للمكتب الذي أمثله".

من جانبه عقد المتحدث باسم حزب "العدالة والتنمية"، عمر جيليك مؤتمرا صحفيا الخميس قال فيه: "لن نسمح أبدا بسياسة السب والكراهية"، في إشارة منه إلى التهمة المتعلقة بالصحفية التركية.

من هي كاباش؟ 

وتعتبر كاباش أولى الصحفيات التركيات اللواتي عملهن في قناة "cnn"، وكانت قد أعدت برامج تلفزيونية عدة خلال السنوات الماضية لكل من القنوات: "ntv"، "atv"، "tv8"، "sky turk". 

وهي من مواليد العاصمة البريطانية لندن عام 1970. تخرجت من قسم العلاقات الدولية في جامعة "بوغازيجي" عام 1992، وأكملت الماجستير في الصحافة التلفزيونية في جامعة بوسطن، بعدما حازت على منحة "فولبرايت". 

وتحمل أيضا، بحسب المعلومات التي أوردها موقع "خبر تورك" درجة الدكتوراه في الاتصال من جامعة مرمرة، وحاصلة أيضا على جائزة "cnn world best economy news"، لعام 1998 عن قصتها الإخبارية "Turkish Doner in Germany".

في عام 2007، أسست كاباش شركة تحمل اسمها للتدريب وتقديم الاستشارات الإعلامية، وسبق وأن قدمت برنامج بعنوان Medya Medya على قناة TRT 2.

ومؤخرا وقبل حادثة اعتقالها كانت تقدم برامج تلفزيونية على قناة Halk TV وقناة tele1، والتي تعرضت لعقوبات أيضا بعد قضية "تهمة إهانة الرئيس". 

 والجمعة أعلن المحامي الذي وكلته أوغور بويراز أن محكمة الجنايات الابتدائية رفضت اعتراضه على قضية الاعتقال، مضيفا في تغريدة عبر "تويتر": "اليوم، نيابة عن موكلي قدمت شكوى جنائية ضد وزير العدل، عبد الحميد جول لدى مكتب المدعي العام في إسطنبول. دعونا نرى ماذا سيفعل الادعاء؟".

من جهتها أوضحت الصحفية التركية في بيان نشرته صحيفة "جمهورييت" الأربعاء: "ما أعنيه هو أن يكون هناك أسلوب يحتضن المجتمع ويوحده. كنت أرغب في التأكيد على هذا. أنا لا أقبل الاتهام. أنا أطالب بالإفراج عني".

"القضية تفتح أدراج تهم الإهانة" 

في غضون ذلك وعلى الرغم من الكم الكبير من التفاعل الذي أحدثه قرار اعتقال الصحفية التركية، إلا أن ما حصل لها ليس الأول من نوعه. 

ومنذ أسبوع فتحت هذه القضية أدراج التهم والتحقيقات المتعلقة بحرم "إهانة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان". 

وهذه التهمة المنصوص عليها بالمادة 299 يطالب معارضون بإلغائها، وكذلك الأمر بالنسبة للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي سبق وأن دعت تركيا إلى "تغيير تشريع إهانة الرئيس". 

وقالت المحكمة في حكم صدر في أكتوبر 2021: "مثل هذه العقوبة، بحكم طبيعتها، كان لها حتما تأثير مخيف على رغبة الشخص المعني في التعبير عن آرائه حول مسائل المصلحة العامة".

وبحسب الإحصائيات التي يتيحها موقع وزارة العدل التركية فقد أدين آلاف الأشخاص، منذ وصول إردوغان إلى كرسي الحكم، بتهمة "إهانة الرئيس". 

وتشير الإحصائيات إلى أنه تم فتح 160169 تحقيقا بشأن "إهانة الرئيس"، حيث تم رفع 35507 قضايا خلال السنوات الثماني الماضية.

ولا يقتصر هذا الأمر على الصحفيين دون غيرهم، بل انسحب إلى قادة أحزاب المعارضة والأعضاء، بالإضافة إلى المواطنين العاديين، الذين يتفاعلون كثيرا حول القضايا التي تهم البلاد، سواء الاقتصادية منها أو السياسية. 

عدا عن ذلك كثرت القرارات المتعلقة بفرض غرامات على وسائل الإعلام التلفزيونية، خلال السنوات الثماني الماضية. وهذا الأمر ارتبط أيضا بقضية تهم "إهانة الرئيس التركي". 

في ديسمبر عام 2018 فرضت السلطات التركية غرامة على قناتين تلفزيونيتين تنتقدان الحكومة بسبب تصريحات على الهواء، اعتُبرت مهينة لإردوغان.

وقال مسؤول في المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون في تركيا، حينها لوسائل إعلام إن "المجلس سيوقف مؤقتا برنامجا حواريا على قناة خلق، بسبب تصريحات أدلى بها الممثلان الشهيران مجدت جيزين، ومتين أكبينار، إذ تعتبر إهانة الرئيس جريمة في تركيا".

 

كما تم تعليق بث ثلاث حلقات من برنامج الأخبار الرئيسي على قناة فوكس التركية، في تلك الفترة أيضا، بعد تعليقات لمذيع فسرت على أنها دعوة للاحتجاج على ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي.

ماذا يحصل؟ 

وتدين المنظمات غير الحكومية بانتظام ما تتعرض له حرية الصحافة في تركيا، وخصوصا منذ محاولة الانقلاب عام 2016 التي أعقبها توقيف عشرات الصحفيين وإغلاق العديد من وسائل الإعلام التي تصنف "معادية".

وحلت تركيا في المركز 153 بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة للعام 2021 الذي تعده منظمة "مراسلون بلا حدود".

ميرال سيفجن إحدى المشاركات في الحملة التي أطلقت للإفراج عن كاباش تحدثت عن "آلاف التحقيقات والمحاكمات، التي صدرت ضد أشخاص مثل كاباش. كل ذلك بسبب المادة 299 من قانون العقوبات التركي". 

واعتبرت سيفجن في حديث لموقع "الحرة" أن منشورات الصحفية التركية على وسائل التواصل الاجتماعي "لا تحول أي دعوات للعنف وخطاب الكراهية"، مشيرة إلى أنها "تقع في نطاق ضمان الحق في حرية التعبير". 

ومن المقرر أن يتم تقديم العريضة المتعلقة بإطلاق سراح كاباش إلى البرلمان في الأيام المقبلة، بحسب ذات المتحدثة، التي تتابع: "يجب إلغاء المادة 299 من قانون العقوبات التركي من أجل حماية حرية التعبير، ويجب تبرئة كل من يُقاضى بهذه التهمة". 

من جانبه يرى الصحفي التركي، إسلام أوزكان أن التصريحات التي أدلت بها كاباش حول إردوغان ورغم أنها "غير مناسبة وربما تتجاوز التقاليد الإنسانية من الناحية الأخلاقية، إلا أن الأمر قانونيا يجب ألا يكون كذلك". 

ويضيف أوزكان لموقع "الحرة": "قانونيا اعتبر أن اعتقالها ليس على الصواب". 

ووفق الصحفي التركي فإن "كاباش هي كاتبة وباحثة ومعلقة، وتخرج في غالبية الأحيان كمحللة سياسية في القنوات التركية"، مشيرا: إلى أن "تعامل المحكمة والادعاء العام مع قضيتها كان غير طبيعيا. هم تعاملوا معها على أنها قضية استثنائية".

ويضيف الباحث المختص بالشأن التركي، هشام جوناي أن "اعتبار كاباش أنها قصدت الرئيس وإلقاء القبض عليها بهذه السرعة محطة يجب الوقوف عندها في موضوع حرية التعبير".

ويشير في حديث لموقع "الحرة": "الخطر الملح أن عدد هذا النوع من القضايا يمكن أن يتزايد في الأشهر والسنوات المقبلة، بسبب غياب حدود لهذه المسألة".

وذلك ما يؤكده الصحفي إسلام أوزكان، موضحا: "أنا لا يمكن بالنسبة لي أن أتسامح مع إهانة أي شخص، خاصة رئيس الجمهورية. لكن المشكلة أن الأعراف والتقاليد الدولية وحقوق الإنسان تحد دون اعتقال الصحفية كاباش. هذه مشكلة كبيرة جدا". 

والأربعاء صرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، بأن الحكومة الأميركية تشعر بخيبة أمل تجاه تركيا فيما يخص اعتقال الصحفية التركية كاباش، مضيفا: "نؤمن بأن حرية التعبير تعزز الديمقراطية".

وأجاب نيد برايس، في مؤتمر صحفي، على أسئلة الصحفيين، داعيا: "يجب حماية التعبير حتى عندما يجد البعض الكلام مثيرا للجدل أو قد يكون غير مريح".


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa