السوريون في تركيا.. "خطة تخفيف" حكومية ومخاوف من "نموذج ألتن داغ"

24/02/2022 04:52PM

كشفت وزارة الداخلية التركية قبل أيام عن "خطة تخفيف" تستهدف انتشار اللاجئين السوريين في عدة ولايات، الأمر الذي أثار مخاوف ناشطين حقوقيين، معتبرين أن هذه الخطوة من شأنها أن "تفرض قيودا أكثر" من جهة، وتؤثر على أعمال وحياة قسم كبير من اللاجئين من جهة أخرى. 

لكن مسؤولين أتراك على رأسهم وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو أشاروا إلى أن القرارات الجديدة التي يتم العمل عليها، في الوقت الحالي، هدفها تنظيم انتشار اللاجئين بشكل أفضل عما كان سابقا، وخاصة في الأحياء التي تشهد اكتظاظا كبيرا في الأعداد.

وبحسب التفاصيل التي أوردها تقرير لصحيفة "حرييت"، المقربة من الحكومة، فإن قرار الداخلية التركية ينص على منع الأجانب الحاملين لكل أنواع الإقامات، والسوريين المسجلين في البلاد تحت "الحماية المؤقتة"، من تقييد نفوسهم في 16 ولاية تركية، و800 حي في 52 ولاية.

وأوضحت الصحيفة أنه وفي حال تجاوز عدد السوريين 25 بالمئة من السكان في مكان ما تُغلق أماكن الإقامة لاستقبال طلبات تقييد النفوس فيها، مشيرة إلى أن الولايات الـ16 هي: أنقرة، أنطاليا، أيدن، بورصة، تشاناكالة، دوزجة، أدرنة، هاتاي، اسطنبول، إزمير، كركلاريلي، كوجالي، موغلا، سكاريا، تكيرداغ، يالوفا.

واعتبرت كاتبة التقرير هاندي فيرات أن الأحداث التي حصلت قبل أشهر في حي ألتن داغ في أنقرة، ومقتل أميرهان يالتشين على يد شابين سوريين، كانت المسبب الرئيسي لظهور مشروع "التخفيف" أو "مكافحة التركيز المكاني" في أنقرة، ومن ثم في عموم تركيا. 

وتحدثت فيرات أن "الداخلية التركية" سبق وأن عقدت اجتماعات فردية مع العائلات السورية في الحي المذكور، وتم نقل السوريين القاطنين فيه إلى مناطق أخرى.

وأوضحت: "غادر حتى الآن 4514 سوريا المنطقة، بينما تم تدمير 309 مبان مهجورة يستخدمها السوريون، وأغلق 177 مكان عمل يعود للسوريين في المنطقة نفسها".

ماذا حصل في "ألتن داغ"؟ 

وفي الثاني عشر من شهر أغسطس 2021 عاش آلاف السوريين المقيمين في منطقة "ألتن داغ" بالعاصمة التركية أنقرة ساعات طويلة من الرعب، جراء هجمات نفذها مواطنون أتراك، واستدعت تدخلا كبيرا من أفراد الشرطة وعناصر مكافحة الشغب.

واستهدفت الهجمات، في ذلك الوقت، محال السوريين التجارية ومنازلهم في المنطقة المذكورة وسياراتهم التي كان من السهل تمييزها من اللوحات الرقمية، وأسفرت عن إصابة طفل سوري.

وجاءت أعمال الشغب والاعتداءات عقب وفاة شاب تركي متأثرا بطعنات تعرض لها من شاب سوري، خلال شجار لم تعرف أسبابه وقع بينهما في إحدى الحدائق.

وبعد أسابيع من هذه الحادثة اتخذت السلطات قرارات كان بينها اعتقال عشرات من "المحرضين والمستفزين"، و"تنظيم أعمال ومعاملات السوريين الموجودين تحت الحماية المؤقتة وتصريح الإقامة".

كما نصت القرارات على إيقاف منح "بطاقات الحماية المؤقتة" في ولاية أنقرة، اعتبارا من تاريخ الثاني من سبتمبر 2021، على أن يتبع ذلك إرسال اللاجئين السوريين الموجودين في العاصمة، والمسجلين في ولايات أخرى، إلى المدن المقيدين فيها.

وتضمنت بندا يتيح "القبض على المهاجرين غير النظاميين، الذين ليس لديهم أي وضع حماية أو تصريح إقامة من قبل سلطات إنفاذ القانون، ووضعهم رهن الاحتجاز الإداري لترحيلهم".

وقضت أيضا بأنه "سيتم تحديد المباني المهجورة في أنقرة، التي تعد مصدرا لحوادث الهجرة والمخدرات والمشاكل التي تهدد الأمن العام، كما سيتم تحديد هوية الأجانب المقيمين فيها وستتم من بعدها إجراءات الهدم والإخلاء لهذه المباني وإرسال الأجانب المتواجدين فيها إلى المحافظات التي تم تسجيلهم فيها".

ووفق ما ذكرت صحيفة "جمهورييت"، في 18 من فبراير الحالي، فإن أربعة آلاف و514 لاجئا سوريا نُقلوا حتى الآن من ألتن داغ، بينما أُغلق 100 و77 محلا تجاريا، بالإضافة إلى هدم بناء مهجور كان يستخدمه بعض السوريين.

وقالت الصحيفة إن وزارة الداخلية التركية بدأت بهذه الخطوة، وإن حي "ألتن داغ" اختير كمنطقة تجريبية لتطبيق "خطة التخفيف" الحالية، الذي من الممكن أن يتم تطبيقها في جميع أنحاء البلاد.

"مخاوف من النموذج" 

الناشط الحقوقي المهتم بشؤون اللاجئين السوريين في تركيا، طه الغازي زار "ألتن داغ" في أنقرة خلال الأيام الماضية، ويقول: "أدركت تأثير القرارات التي اتحذت من عدة جوانب". 

ويوضح الغازي في حديث لموقع "الحرة" أن هناك العديد من الأسر في الحي المذكور تبلغت بقرارات إخلاء المنازل التي يقيمون فيها في المنطقة القديمة من الحي، مشيرا: "هذه الأسر تواجه صعوبات في فتح قيود جديدة في أثناء الانتقال إلى مناطق أخرى للعيش". 

"اليوم هناك أرباب أسر في ألتن داغ خسروا أعمالهم، وتأثر تعليم أطفالهم، بسبب القرارات التي أجبرتهم على إخلاء منازلهم". 

ويضيف الناشط الحقوقي: "خطة التخفيف التي طرحت تعتبر بحد ذاتها آلية دفع غير مباشرة إلى العودة القسرية".

وزاد: "أعرف أسر باتت قريبة جدا من اتخاذ قرار العودة إلى سوريا أو الهجرة إلى أوروبا، لأن الظروف الإدارية باتت صعبة جدا". 

من جانبه اعتبر مهدي داود، المنسق العام لـ"طاولة الحلول" في تركيا أن أحد البنود المتعلقة بـ"خطة التخفيف" ليس من السهل تطبيقه، في إشارة منه إلى "نقل سوريين من مكان إلى آخر".

ويقول داود لموقع "الحرة": "الهدف من الخطة هو تخفيف الضغط السياسي من جهة، ومنع حدوث مشاكل كتلك التي عاشها حي ألتن داغ في أنقرة، فضلا عن مشاكل أخرى بين اللاجئين السوريين أنفسهم". 

وأشار المنسق العام لـ"طاولة الحلول" إلى هدف ثالث يمكن في تنظيم وتنسيق عملية تقديم الخدمات التي تقدمها تركيا للاجئين السوريين، بقوله: "وصول الخدمات للسوريين عن طريق الخطة سيكون أفضل بكثير".

"بين بقاء وعودة" 

ومنذ مطلع العام الماضي يتصدر ملف اللاجئين السوريين في تركيا حديث أحزاب المعارضة، التي اتجهت للضغط من خلاله على الحكومة، مطالبة بإرجاعهم إلى البلاد، وتقييد أعمالهم التجارية التي نمت على نحو ملحوظ، بحسب ما تظهره البيانات الرسمية.

وقبل أيام قليلة كان زعيم "حزب الشعب الجمهوري"، كمال كلشدار أوغلو قد قال في مقابلة مع وكالة "رويترز" إن "السوريين بدؤوا بتشكيل أحياء غيتو والعالم السري في تركيا، ويجب حل هذه المشكلة".

وأضاف أنه "يجب ضمان أمن السوريين الذين سيعودون إلى سوريا، والتوصل إلى اتفاق مع الأسد وإعادة العلاقات الدبلوماسية". 

وعلى الطرف المقابل لطالما أكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان بأنه "لا يمكن إعادة السوريين بشكل إجباري إلى بلادهم"، وفي تصريحات سابقة له، قال: "لقد لجأوا إلينا. إنهم يتوسلون من أجل الأمان. لا يمكننا أن نطلب منهم العودة إلى حيث كانوا".

ويعيش معظم السوريين، في مدينة إسطنبول، تليها محافظات غازي عنتاب الجنوبية بـ 461 ألفا، وهاتاي بـ 433 ألفا، وشانلي أورفا بـ 428 ألفا، وأضنة بـ 255 ألفا، ومرسين بـ 240 ألفا، بحسب ما أعلن وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، قبل يومين.

ويقطن في مقاطعة إزمير وأنقرة في الغرب 149 ألفا و 100 ألف سوري على التوالي.

وقال صويلو إن دراسة استقصائية أجريت على المهاجرين السوريين أظهرت أن 3.1 بالمئة منهم لا يخططون للعودة إلى بلادهم، بينما قال 13.7 في المائة إنهم سيعودون إذا انتهت الحرب وبغض النظر عن النظام الذي يحكم البلاد.

وهناك قسم ثالث نسبته 28.2 في المائة قال أفراده إنهم سيفعلون ذلك فقط (العودة) إذا انتهت الحرب وكان النظام الذي سيدعمونه في السلطة، فيما أشار 4.1 في المائة آخرون إلى أنهم سيعودون إلى سوريا حتى لو استمرت الحرب.

"دعاية انتخابية" 

وبدوره اعتبر الناشط الحقوقي، طه الغازي أن القرارات التي تصدرها إدارة الهجرة طغير منطقية، ولا تتماشى مع المواثيق التي وقعت عليها الحكومة التركية، سواء حقوق الإنسان أو نظام الحماية المؤقتة التي أقرتها بنفسها".

ويقول الغازي: "الأمر يصب للأسف في خانة الدعاية الانتخابية. المعارضة تستخدم خطاب الكراهية، بينما تتخذ الحكومة هكذا قرارات"، معتبرا أن الأمر بمثابة "نقل المشكلة من منطقة إلى أخرى. أيضا القرارات ستعطي دافع للعنصريين".

ومع استمرار الحملات التحريضية ضد اللاجئين السوريين، التي يكون مسرحها بالغالب مواقع التواصل الاجتماعي، يحذر حقوقيون من أن ينعكس ذلك على عامل الاستقرار لديهم، خاصة أن ما سبق لم يعد مرتبطا بحملات انتخابية فقط، بل أصبح ظاهرة لا يعرف لها أي توقيت.

وفي زيارة قام بها إلى تركيا قبل أشهر، أقر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، بأن ارتفاع عدد اللاجئين قد خلق توترات اجتماعية، لا سيما بالمدن الكبرى في تركيا.

وحث غراندي "الدول المانحة والمنظمات الدولية على بذل مزيد من الجهد لمساعدة تركيا".


المصدر : الحرة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa