17/06/2022 06:50AM
كتبت صحيفة "الراي الكويتية":
ينافس ملف المخدرات، في أولويته واشتعاله وضراوة أخطاره، الملفات الأخرى الأكثر إثارة وضوضاء وكارثية في لبنان، خصوصاً ان تهريب المخدرات والإتجار بها وتصديرها كملف قديم - جديد تجاوزت أضرارُه النسيجَ المجتمعي كآفةٍ «جهنمية» تفتك بالأجيال لا سيما الشابة منها، لتصبح «وطنية» بامتياز.
فتهريب المخدرات و«أخواتها» تحوّل عنواناً صاخباً لأزمة في علاقات لبنان الخارجية، خصوصاً مع دول الخليج التي ضاقت ذرعاً بأمواج من الرمان والليمون والشوكولا وسواها بـ«الكبتاغون» التي تتسلل إلى مرافئ دول شقيقة وصديقة من لبنان، الذي غالباً ما كان يفاخر بأنه صدّر الحرف إلى العالم قبل ان يُلطَّخ بسمعة تهريب المخدرات على أنواعها.
لا التهريب، حكرٌ على لبنان ولا هذه الظاهرة حديثة العهد، إلا أن الأمر تطوّر على نحو مثير ومرعب ومأسوي في الأعوام الماضية مع تقهقر الدولة المركزية وتلاشي سلطتها على المرافئ والمعابر والمناطق. فـ «الدولة السائبة» أو التي سُيِّبت تُعَلِّم على كل أنواع «الحرام»، وهو تماماً ما يحدث مع تنامي عمليات تهريب المخدرات في الداخل وإلى الخارج وتَعاظُم هذه الظاهرة السوداء.
ويكاد ألا يمرّ أسبوع من دون «القبض» على عملية تهريب لـ الكبتاغون إلى الخارج بفعل تحريك «العين الساهرة» للقوى الأمنية بعدما انفجرت الأزمة مع دول الخليج، في وقت عمل الجيش اللبناني على هزّ «جمهورية الشر» في بعلبك – الهرمل عبر مطاردته أخيراً لواحدة من أكثر عصابات التهريب رواجاً وخطراً وتوسعاً، والمعروفة بـ «مجموعة أبو سلة»، حيث حصل كر وفر بين وحدات الجيش وأفراد من تلك المجموعة، استمر لأيام، قبل أن يفر أبو سلة ويتم توقيف عدد من معاونيه.
رئيس مكتب مكافحة المخدرات سابقاً العميد المتقاعد عادل مشموشي فتح جعبته لـ «الراي» مسلطاً الضوء على ما فيها من تجارب في مكافحة المخدرات، في ضوء وسائل التهريب البدائية والمبتكرة والأدوات التي تُستخدم في محاولة الإفلات من الرقابة وأجهزة الأمن. ففي تجربته على رأس الجهاز المولج بهذا الملف الخطر الكثيرُ مما أُسدل الستار عنه.
تهريب ما خفّ وزنه وغلا سعرُه على طريقة... الجنون فنون
تختلف طرق تهريب المخدرات وتتنوع... لكن وبحسب العميد مشموشي، «فإن الكميات الضخمة من المخدرات يتم تهريبها براً أو بحراً عبر وسائل شحن مهيأة لنقل أحجام كبيرة من البضائع أو من المعدات الثقيلة التي يمكن إخفاء كميات أكبر من المخدرات في داخلها.
أما الكميات الصغيرة فيتم تهريبها عادة عبر الجو أو عبر طرود أو بواسطة أشخاص يقومون بابتلاعها أو وضعها داخل أجسادهم أو بلفّها حولها. وكثيراً ما يَستغلّ المهرّبون أشخاصاً فقراء أو بسطاء لنقل كميات صغيرة».
وهنا يجب القول، وفق مشموشي، «إن المواد التي يتم ابتلاعها هي عادة مواد غالية الثمن مثل الكوكايين أو الإكستازي فيصار إلى تغليفها بغلاف مطاطي مثل القفازات الطبية أو الواقي الذكري أو غيرها ثم يتم ابتلاعها.
ويمكن بهذه الطريقة نقل ما بين 250 إلى 400 غرام داخل الجسم تبعاً لقدرة كل شخص.
(أما عبر الشرج فلا يمكن نقل إلا كميات قليلة).
وتلف أحياناً كضمادات حول الساقين أو البطن والصدر فتكون في شكل رقائق بسماكة الثياب نفسها حتى لا تظهر أو تثير الريبة ولكن الأشعة السينية يمكن أن تكشفها».
ويضيف: «كذلك يتمّ تهريب كميات صغيرة من المخدرات في الأحذية والملابس فتخفى داخل كعب الحذاء مثلاً أو في نعله الداخلي أو تخاط في حشوة الملابس.
وثمة طريقة تستخدم داخل السجون في شكل خاص وتقوم على إذابة المخدر بالماء ثم نقع الملابس بهذا المحلول وبعد تنشيفها يمكن إرتداؤها بشكل طبيعي جداً ويصار بعدها إلى استخراج المواد المخدرة منها بطريقة معينة إنما صعبة وتحتاج إلى خبرة».
و«تتعدد طرق تهريب الكميات الصغيرة ويمكن ان تكون داخل الشعر مثلاً أو في حقائب اليد أو شنط السفر أو علب الحلوى والطرود وهي طريقة معتمدة كثيراً من المهربين حيث يلجأون إلى وضع أرضية أو جدران مزدوجة تبدو بسماكة الحقيبة نفسها ويتم وضع طبقة من ورق الكاربون أحياناً حتى لا تكشفها الأشعة السينية».
علاقة «تَخادُمية» بين... الإرهاب والمخدرات
قد يكون لازدياد عمليات التهريب خلفية ثانية، وهي الاتكال عليها كمصدر لتمويل التنظيمات كونها تدرّ كميات كبيرة من الأموال التي يُمكن أن يتم تبييضها في ما بعد. كذلك يُمكن اعتبارها حرباً من نوع آخر، أي تُستخدم لقتل المجتمع الذي تُصدَّر إليه المخدرات، وبذلك يكون من يقف وراء هذه الجماعات قد ضرب عصفورين أو أكثر بحجر واحد.
ومن البدهي القول إنّ ازدياد الطلب على المخدرات ولا سيما «الكبتاغون» وزيادة استهلاكه يجعل سوقه أوسع وعمليات التهريب أكبر.
لا شك أن ازدهار عملية تصنيع «الكبتاغون» في لبنان، ساهم في زيادة إنتاجه وعمليات تهريبه. لكن يبقى السؤال كيف تدخل المواد الأولية لتصنيعه؟
يقول مشموشي إنه «يتم إدخال المواد الأولية تحت مسميات أخرى، مثل مواد للتنظيف أو للدهان، أو يَجْري تهريبها إلى لبنان من معابر غير شرعية.
كما يمكن ان تكون مواد مشروعة تدخل بطريقة نظامية لكن يتم استخدامها في ما بعد لصناعة الكبتاغون».
ويتابع «من هنا ضرورة ان تخضع الشركات المستوردة لهذه المواد لمراقبة دائمة وفحص للعينات المستوردة. والكبتاغون في الأصل عقار طبي اكتُشف في المانيا وكان يعطى للأولاد الذين يعانون من خلل في النظام العصبي وتبيّن أنه يؤثر على زيادة الانتباه، وبعدها تم إعطاؤه للجنود الأميركيين خلال حرب فيتنام ثم انتقل إلى أوروبا الشرقية وبلغاريا تحديداً وبعدها دخل إلى سورية إبان الحرب... فلبنان.
ومصانع الكبتاغون تَستخدم مواد ذات روائح كريهة. ومن هنا عادة ما تكون في أمكنة بعيدة عن السكن ولا تستطيع الدولة الوصول إليها مثل مناطق الهرمل والمناطق المحاذية للحدود السورية».
ويضيف: «جرائم المخدرات هي العامل الأساسي في كل الجرائم الأخرى، فهي تُستخدم لتمويل الجماعات الإرهابية وفي جرائم العنف على أنواعها وتتسبّب بعدد كبير من حوادث السير والعمل، وهي تسيء إلى هيبة الدولة اللبنانية وإلى علاقتها بالدول الشقيقة.
ولا شك أن لبنان ما زال مقصراً في التصدي لهذه الآفة وهو الأمر الذي يحتاج إلى قرارات صارمة وأناس مختصين حتى تتمكن الدولة من أن تفرض هيبتها وتحمي مواطنيها ومواطني الدول المتضررة من جرائم المخدرات».
المواجهة المفتوحة ثُغر و... تحديات
كشْف عمليات التهريب هذه ليس بالأمر السهل. وقد استفاد المهرّبون من عوامل عدة لتوسيع عملهم والنجاح في بعض العمليات التي يقومون بها. ومن أبرز أسباب ازدهار التهريب زيادة حركة الشحن والتجارة العالمية بحيث بات من الصعب رصْد كل ما يدخل إلى البلاد بطريقة دقيقة أو اتخاذ إجراءات أمنية وإجراءات مراقبة صارمة يمكن أن تؤثر على حركة البضائع.
وقد سمحت ضخامة الحركة التجارية بتهريب كميات أكبر.
كذلك استفاد المهرّبون من التطور التقني ووسائل الاتصالات وغيرها ومن المعلومات العلمية والكيماوية. حتى يمكن القول إن القوى الأمنية في سباق دائم مع المهرّبين الذين غالباً ما يكونون سباقين في اكتشاف أساليب تهريب جديدة.
في لبنان، كشف عمليات التهريب غالباً ما يتم بواسطة المعلومات التي تصل إلى مكتب مكافحة المخدرات والقوى الأمنية وهي أهمّ وأفعل من التفتيش الروتيني.
لكن القضاء على هذه الآفة، برأي مشموشي، «يحتاج إلى خطوات عدة، أولها تعزيز عناصر مكتب مكافحة المخدرات لأنهم المخولون قانوناً وبخبرتهم وكفاءتهم متابعة الشبكات الضالعة في هذا النوع من الإجرام.
وثانياً لا بد من ضبط التهريب عبر المنافذ غير الشرعية سواء براً أو عبر الشواطئ، وتعزيز الدوريات ومفارز الشواطئ لتتمكن من كشف المهرّبين».
«أما على المعابر الرسمية، فيجب تعزيز أساليب المراقبة وتنويعها واعتماد معدات متخصصة للتفتيش إضافة إلى ضرورة وضع مكاتب فرعية لمكتب مكافحة المخدرات المركزي وتخصيص أفراد متخصصين للتفتيش والمراقبة يملكون الخبرة في هذا المجال لا الاكتفاء بعناصر الجمارك أو القوى الأمنية.
واتخاذ خطوات إدارية ورقابية مشددة على عمليتي الاستيراد والتصدير قادرة على الحد من عمليات التهريب»، وفق رئيس مكتب مكافحة المخدرات سابقاً.
تَراجُع سلطة الدولة... تَقَدُّم مافيات التهريب
نسأل العميد مشموشي، وفق خبرته الطويلة، لماذا ازدادت حركة تهريب المخدرات من لبنان أخيراً وكادت تتسبّب له بأزمة مع الدول العربية، وهل باتت البلاد مصدراً للمخدرات؟
في رأيه، يعود الازدياد في عمليات التهريب إلى عوامل عدة «أولها أن الأوضاع في كل من لبنان وسورية لم تترك للدولة أن تفرض هيبتها الأمنية على كل أراضيها.
فالدولة اللبنانية غير قادرة على فرض سيطرتها على بعلبك - الهرمل ما يجعل هذه المنطقة مثلاً بؤرة مُناسِبة للضالعين في قضايا الإجرام على اختلافها، خصوصاً مُصَنِّعي الكبتاغون وموضّبي الحشيشة».
ويوضح «معلوم أنه كلما كانت البؤرةُ بعيدةً عن سيطرة الدولة ازدادت فيها ممارسة النشاطات غير المشروعة.
في حين أنه عندما تسيطر الدولة الشرعية على هذه المناطق وتمنع زراعة الحشيشة فإنها، من جهة تزيل من ذهن الناس هذه الآفة التي باتت راسخة كوسيلة عيش عند البعض، ومن جهة ثانية تخفف عمليات التعاطي والتهريب».
و«لا بد من القول إن منطقة تُزرع فيها المخدرات تؤثر سلباً على الوضع الأمني ككل في لبنان وتصبح بؤرة للإجرام على أنواعه، فتنتشر الجماعات الإجرامية المنظّمة وغير المنتظمة ويتم التعاون بينها في ارتباط وثيق بين الإرهاب والمخدرات ويصبح من مصلحة هؤلاء الإخلال أكثر وأكثر بالأمن ليخلو لهم الجو في ممارسة نشاطاتهم الإجرامية بلا رقيب»، بحسب مشموشي.
تهريب الكميات الضخمة... الشّرّ وابتكاراته
كشف العميد مشموشي عن طرق تهريب الكميات الضخمة من المخدرات، فقال إنه «غالباً ما يعمد المهربون إلى إخفاء الكميات الكبيرة والضخمة داخل معدات ثقيلة مصنوعة من الحديد التي تبلغ سماكته سنتمتراً واحداً، لانه لا يسمح للأشعة السينية باختراقها وكشف ما في داخلها».
ويوضح «من هذه المعدات العملاقة بَكَرَة حديد كبيرة مثلاً أو جرافة أو غيرها.
كذلك تعتبر المفروشات الخشبية وسيلة مناسبة للتهريب، حيث يتم حفر الخشب وتفريغه ومن ثم حشوه بالمخدرات وإعادة قفل الخشب ولا سيما أن كثافة الخشب شبيهة بكثافة المخدرات خصوصاً إذا كانت على شكل بودرة، أما الحبوب فيظل بينها فراغات يُمكن للأشعة السينية كشفها ويمكن للمتخصصين بمكافحة المخدرات التنبه إليها».
وبحسب مشموشي، «تُشكّل هياكل السيارات والشاحنات والآليات على اختلافها والمستوعبات وسيلة مستخدَمة في التهريب، إذ إن هذه الأجسام غالباً ما تتضمن دعامات معدنية أو جسور لتدعيمها أو قد تكون الأرضية مكوَّنة من طبقتين فيقوم المهرّبون بملء كل الفراغات بالمواد المخدِّرة ثم يعيدون تلحيم الحديد ودهنه ليبدو متجانساً مع أجزاء الهيكل الأخرى، كما يتم حشو أي فراغ في هذه الآليات مثل الخزانات أو إطارات الاحتياط وغيرها بالمخدرات».
يؤكد «هنا يُمكن للمراقب المتمرس أن ينتبه أن ثمة أمكنة في الآلية يبدو التلحيم أو طبقة الدهان فيها جديدة ما يدعوه لكشفٍ أدق».
غرايب عجايب...
يروي رئيس مكتب مكافحة المخدرات سابقاً، انه بدأت أخيراً تظهر طرق مبتكرة في تهريب المخدرات، حيث لجأ البعض إلى تهريبها داخل الرمان أو البطاطا، «وهنا يتم إحداث ثقب صغير في الثمرة وتفريغ محتواها بدقة، وبعدها يتم إدخال الحبوب المخدّرة إليها وقفلها بطريقة احترافية دقيقة. وهو ما حصل أيضاً في شحنة مخدرات داخل حبات من الليمون».
ويتابع «في الواقع كانت هناك ثمرات بلاستيكية شبيهة بالليمون دُست بين الثمرات الطبيعية وكانت ملأى بالحبوب المخدرة ويصعب كشفها بالعين المجرّدة.
ولا بد أن يكون المراقب متمرّساً جداً حتى يستطيع تفريقها عن الثمرات الأصلية لا سيما إن كانت الشحنة كبيرة. وتتم عادة وضع علامةٍ ما على الثمار التي تحمل المخدرات ليتم التعرف عليها عند إفراغ البضائع. ويمكن اعتماد الطريقة ذاتها للتهريب مع أنواع مختلفة من الخضار أو الفاكهة».
ومن الطرق الغريبة أيضاً، بحس مشموشي، «تخبئة المخدرات داخل حبات الملفوف لكن هنا يتم وضعها عند زرع الملفوفة وحين تكبر وتلتفّ على نفسها لا يعود من السهل كشف ما في داخلها لكن الأمر يحتاج إلى وقت».
عشرات الطرق يستخدمها المهربون، وفق ما يروي العميد مشموشي «ومن أبرزها وضعها ضمن المعلبات. وهنا يصبح كشفها صعباً خصوصاً أن هناك مصانع ومؤسسات تُستخدم لتبييض الأموال والقيام بعمليات غير شرعية ويتم افتتاحها فقط من أجل التهريب بحيث يجري ملء العلبة بالمواد المخدرة ثم إعادة تلحيمها بطريقة محترفة بواسطة المعدات ذاتها المستخدمة عادة في مصانع التعليب».
ومن الروايات أيضاً قيام المهرّبين أكثر من مرة بإستخدام قوارير الشامبو بحيث يضعون عبوة داخل العبوة الأساسية وتكون الأولى مخصصة للشامبو فيما الثانية وهي تحتها أو على جوانبها تحوي مخدراً سائلاً تمت إذابته وزيادة صبغة إليه ليبدو كالشامبو والتقنية ذاتها يمكن ان تُستخدم في البخاخات أو قناني السبراي... وأخيراً تم الكشف عن عملية تهريب عبر قطع الشوكولا وحبات التمر...
المصدر : الراي الكويتية
شارك هذا الخبر
نانسي عجرم تُنهي العام بإنجاز كبير!
الوضع في غزة "كارثي"... والحرب مستمرّة
خفض التصعيد في سوريا ورئيس للبنان... هذا ما تريده واشنطن
"ساعة الموت"... تطبيق هاتفي يطلعك على "وقت وفاتك"
الطيران الحربي المسير يحلق في سماء بيروت والضاحية الجنوبية على علو منخفض
غارة على أطراف بلدة أرنون
حماس تعلن عدد الرهائن الذين قُتلوا في حرب غزة... وتهديد
الطيران الحربي الإسرائيلي جدد غاراته على أطراف جباع
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa