"من كل الأعمار".. الأزمة الاقتصادية تدفع المزيد من التونسيين للهرب بحرا

27/08/2022 04:36PM

تواجه تونس أزمة اقتصادية خانقة سحقت الطبقة المتوسطة وجعلتها تكافح لشراء قوت يومها، حيث تدهور معظم الأعمال باستثناء عمل واحد بات ينمو سريعا مؤخرا.

وفي وقت ترتفع أسعار السلع الأساسية مدفوعة بالتضخم العالمي الناجم عن غزو روسيا لأوكرانيا، يزدهر عمل المهربين للمهاجرين غير الشرعيين من تونس نحو السواحل الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط.

وتنامت عمليات الهجرة غير الشرعية من تونس نحو أوروبا مؤخرا لأسباب مختلفة أبرزها الوضع الاقتصادي الصعب، بحسب الصحفي التونسي، أيمن الزمالي.

وقال الزمالي لموقع "الحرة" إن عمليات الهجرة المتنامية مؤخرا "لم تعد تقتصر على الشباب والمهمشين، بل أصبحت ظاهرة تمتد إلى مختلف شرائح المجتمع بما في ذلك الطبقة الميسورة".

ومنذ أسابيع، تتفاوض تونس المثقلة بالديون من صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة 4 مليارات دولار يفتح إمكانيات للحصول على قروض أخرى من السوق الدولية بنسب فائدة أدنى. 

وقال أحد المهربين لصحيفة "التايمز" اللندنية في ميناء صفاقس على بعد 200 كيلومتر جنوب شرق تونس العاصمة، إن "الأمور سيئة للغاية لدرجة أننا قد نحجز للجدات في العام المقبل"، في إشارة إلى أن الهجرة غير الشرعية باتت مغرية لكل الأعمار.

وأضاف المهرب الذي عرفته الصحيفة باسم أحمد: "الفقراء، الأغنياء، النساء الحوامل - الجميع يغادرون وعملي ارتفع بنسبة 30-50 بالمئة منذ العام الماضي". 

بدوره، أشار الزمالي إلى أن "الظاهرة الجديدة تتمثل في محاولات هجرة لأساتذة التعليم والأكاديميين والفئات الاجتماعية المتوسطة والميسورة التي باتت أيضا ترغب في خوض مغامرة محفوفة بالمخاطر.

وأرجع الصحفي التونسي أسباب الهجرة غير الشرعية المتنامية إلى "الأوضاع الاقتصادية الصعبة جدا" بصفة أساسية، إضافة إلى "ضيق الأفق الاجتماعي"، علاوة على "عدم الوصول إلى استقرار سياسي ينعكس على فئات واسعة من التونسيين".

وتتراجع تونس الآن عن الديمقراطية بعد أن علق الرئيس، قيس سعيّد، عمل البرلمان العام الماضي قبل أن يحصل على تصويت في استفتاء لتعديل الدستور بنسبة إقبال بلغت 30 بالمئة الشهر الماضي يمنحه سلطات جديدة.

وبحسب "التايمز"، فإن حوالي 13 ألف مهاجر من تونس أبحروا بشكل غير شرعي إلى إيطاليا هذا العام من بينهم 10 آلاف مواطن تونسي.

وفي هذا الإطار، قال المحلل في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، مات هربرت، لصحيفة "التايمز" إن "عدد المغادرين هذا العام قد يتجاوز عام 2021، لذلك سنواصل التغلب على المستويات التي شهدناها في الربيع العربي".

"فقط هذه الأعمال ستنمو"

وقال المهرب أحمد إنه نظم 20 رحلة بالقارب هذا الصيف إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية على بعد 144 كيلومتر فقط من سواحل تونس.

وأضاف: "ما دام الناس في تونس محبطين للغاية، فإن فقط هذه الأعمال ستنمو".

وتمر البلاد بأزمة خطرة أبرز ملامحها انخفاض النمو الاقتصادي (أقل من 3 بالمئة) وارتفاع معدلات البطالة (ما يقرب من 40 بالمئة لدى الشباب) وزيادة الفقر (نحو أربعة ملايين شخص)، وفقا لفرانس برس.

بعد عشر سنوات من العمل كمهرب للبشر في ميناء صفاقس التونسي، يقول أحمد إنه اشترى السيارات والدراجات النارية وأسس شركة لغسل أرباحه بعد أن جمع 15 ألف دولار من المدخرات.

وتابع: "كان بإمكاني أن أكسب الكثير لو كنت حشدت المزيد من الناس في القوارب دون الاهتمام حال موتهم، لكن ضميري وثقافتي لا يسمحا بذلك".

ويدعي أحمد أن أي مسافر يحجز من خلاله ويعيده خفر السواحل التونسي يحق له الحصول على رحلة أخرى مجانا شرط أن لا يقدم اسمه للشرطة.

بصفته سمسارا، استأجر مهربين لقيادة القوارب نحو إيطاليا قبل التظاهرة بأنهم من المهاجرين. وقال إنه عند الوصول "سيدخلون مركزا للمهاجرين في إيطاليا، ويقبلون العودة إلى الوطن ويمكن أن يعودوا في غضون 15 يوما".

وأشار إلى أن المنافسين يملئون القوارب بالناس بحيث يضعون 40 شخصا في قارب مخصص لتسعة أفراد فقط دون أن يكون معهم قائد للرحلة.

وأوضح أحمد، 35 عاما، أن يتلقى ما يصل إلى 6000 دينار تونسي (حوالى 1800 دولار) مقابل الرحلة التي يقودها أحد المهربين المتعاونين معه.

وأردف قائلا: "أنا وكالة سفر غير قانونية وأقوم دائما باختبار القارب. إذا كان هناك خطر بنسبة 0.1 بالمئة، فأنا ألغي الرحلة. هذا كله يتعلق بتقديم خدمة ولم أفقد أحدا الحمد لله".

وأضاف أن سمعته الطيبة تعني أن المزيد من الأمهات يعهدن بأطفالهن إليه، مستغلين قانونا إيطاليا يحظر إعادة القصر غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى شواطئها. وقال: "عرضت علي إحدى الأمهات مجوهراتها الذهبية لأخذ طفلها".

نجوم الكرة ومشاهير التواصل الاجتماعي

ووصلت موجة الهجرة إلى نجوم وسائل التواصل الاجتماعي، والواعدين من لاعبي كرة القدم الذين يملكون فرصة لتحقيق مستقبل أفضل لكنهم يفضلون المخاطرة في رحلة المتوسط نحو إيطاليا.

محمد علي شلبي، 18 عاما، حارس كرة قدم واعد بنادي الصفاقسي، استقل قاربا نحو أوروبا على الرغم من أنه ينتمي للطبقة المتوسطة.

وقال شلبي لـ "التايمز" بعد وصوله إلى إيطاليا، حيث يأمل الآن أن يلعب لفريق إيطالي، "كنت أدعو الله طوال الرحلة، لكنني لم أكن خائفا".

إلى ذلك، نجحت مؤثرتان تونسيتان في تطبيق "تيك توك" هما شيماء بن محمود، وصبا سعيدي، في الهجرة إلى إيطاليا وفرنسا على التوالي. قال المهرب أحمد: "منذ أن غادرت هاتان الفتاتان، تقوم الكثير من الفتيات الأخريات بنفس الشيء".

ويرى الزمالي أن عدم تعاون دول حوض المتوسط مع بعضها البعض يزيد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية من سواحل أفريقيا إلى أوروبا.

وقال إن "تفاقم الظاهرة يؤكد غياب التنسيق بين دول المتوسط. الدول المتقدمة لم تجد حلولا لهذه المشكلة بمساعدة بلدان جنوب المتوسط على إيجاد حلول اقتصادية واستثمارات قادرة على استيعاب الشباب".


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa