لبنان في مهبّ الدولار «المتوحّش»... والدولة تدّعي على حاكم «المركزي»

16/03/2023 06:43AM

كتب وسام أبوحرفوش وليندا عازار في "الراي الكويتية":


- نقيب الأطباء يقرع ناقوس الخطر: توفي طفل بعد ولادته لعدم توافر طبيب متخصص بجراحة القلب لمعالجته

- دولار ما فوق 100 ألف يلهب الأسعار وطوفانٌ تضخمي على الأبواب

- حِمم الأسعار تندفع والهِمم السياسية على برودتها حيال الأزمات المتشابكة

تعبّر أوساطٌ واسعة الاطلاع في بيروت عن دهْشتها حيال «الأثَر العابِر» الذي تَرَكه إقلاع «رحلة المئة ألف» الأولى للدولار الأميركي على سلوك الأطراف السياسيين المعنيين بالمأزق المستحكم في انتخابات رئاسة الجمهورية التي تحوّلت القاطرةَ لأي مسار إنقاذٍ، كما على سيكولوجية الشعب اللبناني الذي أنهكتْه العاصفة المالية التي لم تهدأ منذ أكثر من 3 أعوام وبات مجرّد متلقٍّ لصدماتٍ متتالية و«قارئ عدّادٍ» للعملة الخضراء في صعودها الهستيري، يتجرّع كل مرّة «سمّ الانهيار» الذي يُدسّ في مختلف أوجه حياته التي حُكم عليه فيها بـ... الموت البطيء.

فعلى متن دولار الـ 102000 ليرة، أكملتْ «اللعبةُ اللبنانيةُ» وكأن شيئاً لم يكن... وحدها الأسعار تحرّكت ليزداد لهيبها عشية رمضان المبارك منذراً بمزيد من «حِمم» التضخم الطوفاني، فيما الهِمم السياسية على برودتها حيال الأزماتِ المستعصية التي صارت أشبه بـ«ماترويشكا» يقف بإزائها المعنيون بين حدّين:

- إما بعضهم «رافعين العشرة» أمام الأفق المسدودِ بتوازنٍ سلبي داخلي يراهنون على خرْقه بـ «كاسحة ألغام» إقليمية، غير متيقّنين من الأبعاد العميقة التي شكّلها في الأساس سقوط معادلة «لبنان يهتزّ ولا يقع»، أقله لجهة أن «بلاد الأرز» مدعوّةٌ للخروج من وضعية «الدولة القاصرة» تجاه الخارج الذي أفرطت في الارتكاز عليه لـ «إنقاذها من ورطة تلو الأخرى» من صنع أيدي أبنائها، ولكنها في الوقت نفسه مقصّرة في واجباتها بإزائه وفق منطوق الشرعيتين العربية والدولية.

- وإما بعضهم الآخَر ينتظرون «على تلة» أن يتداعى ما بقي من بنيان الدولة لـ «يستثمروا» في الارتطام المريع، سواء لفرْض رئيس على وهج الاصطدام المدمّر أو لإكمال مسارٍ من الانقضاض الممنهج على ركائز النظام السياسي وتوازناته وهوية الوطن الصغير المالية والاقتصادية على حساب... لبنان الذي كان.

وفيما لم يخرق الجمود السياسي في بيروت سوى رصْد الزيارة التي قام بها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي للفاتيكان حيث التقى البابا فرنسيس وكبار المسؤولين قبل أن يجري محادثات رسمية مع رئيسة وزراء ايطاليا جورجيا ميلوني، فإن المشهدَ المالي – المعيشي انشغل بتوثيق أول تداعياتِ حلول زمن دولار الخمسة أصفار وتحديداً على سلع مرجعية حلّقت أسعارها، كما على سائر المنتجات التي بات ثمنها «خيالياً» ويعكس الخسائر التراكمية لقيمة العملة الوطنية التي كانت أكبر ورقة فيها (100 ألف ليرة) تساوي حتى خريف 2019 نحو 67 دولاراً، فإذ بها اليوم أقل من دولار واحد، ومعها بات رقم «المليار السحري» بالكاد يوازي 10 آلافٍ بالعملة الخضراء.

وجاء كلامٌ صاعِق لنقيب الأطباء يوسف بخاش عن واقع هذا القطاع - الذي صار في ما يشبه «العناية الفائقة» - بمثابة «جرس إنذار» جديد هو الذي كشف أنّ «نحو 3500 طبيب غادروا لبنان أي ما نسبته 25 إلى 30 في المئة من الجسم الطبي اللبناني»، كاشفاً عيّنة مما أصاب ما كان حتى الأمس القريب يُعرف بـ «مستشفى الشرق» وما يشهده من «كوارث صحية» حيث «توفي طفل أخيراً عند ولادته لعدم توافر طبيب متخصص بجراحة القلب لمعالجته».

ولن يجد «ناقوس الخطر» هذا بالتأكيد مَن يتلقّفه، في ظلّ إمعان اللاعبين الوازنين في الداخل في «التقاتل فوق التايتنيك» من دون أن يكترثوا لمخاوف من «مفاجآت حربية» قد تنزلق إليها المنطقة على الجبهة الاسرائيلية - الإيرانية وسط «عمى كامل» أصاب السلطة حيال «قضية أمنية غير مألوفة» حصلت في شمال إسرائيل، ولا إلى «جزرة ولا عصا» شكّلها تجديدُ باريس التلويح بفرض عقوبات أوروبية على معرقلي الاستحقاقات والحلول في لبنان، وفق ما عبّرت عنه الناطقة باسم الخارجيّة الفرنسيّة آن كلير لوجاندر التي دعت «السلطات والقادة اللبنانيين للخروج من هذا المأزق الدستوريّ، وقد أكدنا أن أولئك الذين يعرقلون، قد يتعرضون لعواقب، وهناك مشاورات مع الشركاء، ونعكف حالياً على فحص الوضع لنرى ما يمكننا عمله في شأن هذه العواقب».

وحتى ملفّ التحقيق الأوروبي مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في شبهات تتعلق باختلاس وتبييض أموال بنحو 330 مليون دولار بمساعدة شقيقه رجا وتحويلها إلى مصارف في عدد من دول الاتحاد، لم «يَنجُ» من مناخاتٍ تُبْدي خشيةً من محاولاتٍ لـ «تنفيسه» عبر مسارٍ موازٍ من التحقيقات اللبنانية التي جرى تفعيلها وصولاً للادعاء عليه في بيروت قبل نحو 3 أسابيع - وبالتوازي مع بدء وفد قضائي أوروبي مهمّة على دفعاتٍ على الأراضي اللبنانية في الملف نفسه - وذلك بجرائم الرشوة والتزوير واستعمال المزوَّر وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي.

ورغم أن القضاءَ اللبناني تَجَنَّبَ أمس «عرقلة العدالة» الأوروبية ومهمة وفد المحققين الذي كان يفترض أن يستمع لسلامة (ولكنه لم يحضر) وذلك عبر رفْض الأخذ بمضمون مذكّرة تقدّم بها محامي «الحاكم» واعتبرت أنّ «استدعاءه لجلسة تحقيق أوروبي انتهاك للسيادة اللبنانية وأنّه يمكن للسلطات المحلية إرجاء التعاون مع التحقيقات الأوروبية، بسبب تعارضها مع تحقيقاتها»، قبل أن يحدد موعداً لجلسة جديدة اليوم يُرجّح أن يحضرها حاكم «المركزي»، فإن بعض الدوائر لم تُخْفِ قلقها من أن يكون في لبنان مَن يحاول تفادي إغضابَ الجانب الأوروبي وفي الوقت نفسه تفعيل خطّ موازٍ من الملاحقة في بيروت تكون فيه الكلمة الأخيرة للقضاء اللبناني وفق مبدأ «السيادة الوطنية» ويُخشى أن يتحوّل معها سلامة إلى كارلوس غصن آخَر.

وكان يفترض أن تبدأ جلسة سماع سلامة عند العاشرة والنصف ‏صباح أمس بالتوقيت المحلي في قصر العدل في بيروت، بحضور ‏القاضية الفرنسية أود بوريزي، ممثلةً المحققين الأوروبيين، ‏على أن يتولى قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو ‏سمرا طرح الأسئلة على سلامة.‏

ولكن الأخير تغيَّب وتقدّم محامي الدفاع عنه بطلب عدم سماعه لتعارُض قانوني باعتبار أن «الحاكم» لم يُستجوب من القضاء اللبناني، مستنداً إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ليعلل عدم جواز حضور قضاة أجانب إلى لبنان للتحقيق معه، وموضحاً أنّه «يمكن للسلطات اللبنانية إرجاء التعاون مع التحقيقات الأوروبية، بسبب تعارضها مع تحقيقاتها».

وبعدما أحال قاضي التحقيق الأول الطلب إلى النيابة العامة التمييزية لإبداء الرأي، أنجز المحامي العام التمييزي غسان خوري مطالعته التي ترك بنتيجتها الأمر لأبو سمرا لبتّها طبقاً للمادة 25 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وذلك لجهة وقف التحقيق مع سلامة أو تنفيذ الاستنابة الفرنسية.

وسرعان ما أعلن قاضي التحقيق الأول في بيروت تحديد موعد جلسة استجواب «الحاكم» اليوم عند الساعة العاشرة والنصف مؤكداً ان تنفيذ الاستنابة لا يتعارض مع القانون اللبناني والسيادة الوطنية «وفي حال عدم حضور سلامة الى الجلسة فإنني أنفذ استنابة قضائية وبالتالي يعود للقضاء اتخاذ القرار المناسب ولكن من خارج الأراضي اللبنانية».

وفيما أكد وكيل حاكم مصرف لبنان بعد موقف ابو سمرا أنّ سلامة سيحضر جلسة الخميس، جاء بارزاً تقدُّم الدولة اللبنانية، ممثلةً برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر، بإدعاء شخصي في حق كل من سلامة وشقيقه رجا وماريان الحويك وكل مَن يظهره التحقيق «وذلك تبعاً لإدعاء النيابة العامة الإستئنافية في بيروت بموجب ورقة الطلب المقدّمة الى قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا بجرائم الرشوة والتزوير واستعمال المزوّر وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي».

وطلب الإدعاء في الخاتمة:

«أولاً: توقيفهم وحجز أملاكهم العقارية وتجميد حساباتهم المصرفية وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين لمنعهم من التصرّف بها حفاظاً على حقوق الدولة اللبنانية، وإصدار القرار الظني في حقهم تمهيداً لمحاكمتهم أمام محكمة الجنايات في بيروت لإنزال أشد العقوبات في حقهم لخطورة الجرائم المدّعى بها في حقهم، محتفظةً بحقق تحديد التعويضات الشخصية أمام محكمة الأساس.

- ثانياً: إحالة نسخة من الدعوى على هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان بواسطة النيابة العامة التمييزية لتجميد حسابات المدعى عليهم وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين لدى المصارف اللبنانية والأجنبية.

- ثالثاً: إصدار القرار بوضع إشارة هذه الدعوى على عقارات المدّعى عليهم لمنعهم من التصرّف بها».

وفي حين نفى وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري علمه بقرار رئيسة هيئة القضايا موضحاً أنها «تتخذ قراراتها باسم الدولة اللبنانية وليست بحاجة لموافقتي»، اعتبرت أوساط متابعة أن هذا التطور يمهّد لطلب حجز أموال وممتلكات حاكم مصرف لبنان والمتورّطين معه في أوروبا، وذلك لحفظ حقّ الدولة بالأموال المختلسة بدل مصادرتها لاحقاً من الدول الأوروبيّة التي تجري تحقيقاتها مع سلامة.

رياض سلامة... حجر الدومينو

«إذا سقط، يسقط كل شيء»

استوقف دوائر متابعة في بيروت تقريرٌ لوكالة «رويترز» عشية استئناف وفد المحققين الأوروبيين مهمته في لبنان، هو الذي كان استمع في يناير الماضي إلى شهود، بينهم مديرو مصارف ‏وموظفون حاليون وسابقون في البنك المركزي في ملف الاختلاس والتبييض الذي تحقق فيه خمس دول أوروبية على الأقل ويركّز على العلاقة بين مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة ‏وشركة «فوري اسوشييتس»، المسجلة في الجزر العذراء ولها ‏مكتب في بيروت والمستفيد الاقتصادي منها رجا سلامة، ويُعتقد أنها لعبت دور الوسيط ‏لشراء سندات خزينة ويوروبوند من «المركزي» عبر ‏تلقي عمولات اكتتاب جرى تحويلها إلى حسابات شقيق «الحاكم» ‏في الخارج.

ونَقل التقرير عن مصادر سياسية، «أن الدعم السياسي رفيع المستوى لحاكم مصرف لبنان بدأ يخبو»، وطرح أسئلة «حول تأثير التحقيقات على الطبقة السياسية الأوسع نظراً لوجهة النظر السائدة بأن أفراد النخبة الحاكمة يخشون أن يكون لسقوط سلامة تداعيات عليهم».

وإذ أشارت المصادر إلى أن «بعض حلفاء سلامة القدامى ينأون الآن بأنفسهم عنه ويرونه عبئاً»، لفت التقرير إلى أنه «بعدما كان يوماً من رواد القمم المصرفية والمطاعم الأنيقة في أوروبا، صار سلامة الآن يقيّد تحركاته ونادراً ما يَظهر في الأماكن العامة باستثناء مقابلات تلفزيونية شبه منتظمة يدافع من خلالها عن تاريخه».

ونقل عن مصدر مطلع «أن سيارة مصفّحة أرسلت إلى المبنى من أجل حضور سلامة لاجتماع في مقر الحكومة ودخلت المقر عبر باب سري وغادرت سريعاً قبل انتشار نبأ حضوره»، وأن الحاكم صار «متوتراً جداً في الآونة الأخيرة»، وأن صديقاً مقرباً منه قال إنه يفكر بجدية في مغادرة لبنان بمجرد انتهاء فترته الحالية في المنصب.

وأضاف «سيذهب إما إلى الخليج أو أوروبا وهو واثق من أن المحققين الأوروبيين سيتخذون قراراً في النهاية بتبرئة ساحته من ارتكاب أي مخالفات».

ووفق التقرير، فإن ثمة شكوكاً لدى منتقدين «في ما إذا كان الساسة من النخبة الحاكمة الذين يمارسون نفوذاً كبيراً على القضاء سيسمحون بمقاضاة سلامة في لبنان بعدما كان العمود الفقري للنظام المالي الذي استفادوا منه لعقود».

وقال المصدر المطلع على اتصالات سلامة مع الساسة «إنه حجر الدومينو. إذا سقط، سيسقط كل شيء».

وفيما أورد التقرير عن مصدر سياسي أن الرئيس نجيب ميقاتي لن يدعم سلامة بعد الآن «انتهى الأمر بالنسبة لرياض سلامة»، توقف عندما تضمنه قرار وزارة الخزانة الأميركية في يناير الماضي بفرض عقوبات على صاحب شركة صرافة لبنانية بسبب صلات مزعومة بـ «حزب الله»، إذ أوردت في القرار علاقته بحاكم مصرف لبنان.

ونقل التقرير عن مصرفييْن أن الإشارة إلى منصب سلامة اعتُبرت رسالة من واشنطن مفادها بأنه «ليس غير قابل للمساس».

كما نقل عن ديبلوماسي غربي أن استمرار «الحاكم» في منصبه بعد انتهاء فترته الحالية (اواخر مايو) «لن يكون تصرّفاً حكيماً».


المصدر : الراي الكويتية

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa