هل الذهب ملجأ آمن؟

02/06/2023 06:51AM

كتب الدكتور لويس حبيقة في "اللواء": 

هنالك طلب قوي على المعدن الأصفر يرتفع في زمن الأزمات اذ ينظر الى الذهب كملجأ آمن يحمي من التضخم كما من الأزمات. يسهل نقله اذا اضطر المواطن الى ترك المنزل هربا من مشكلة أو حادث ما. للأسف لا ينفع المعدن عند الهرب من الزلازل كما حصل مع الكارثة التي وقعت مؤخرا في تركيا وسوريا وامتدت آثارها الى لبنان. ينظر المواطن الى الذهب أصلا برغبة واعجاب وله قيمة معنوية عنده تفوق أحيانا سعر السوق. لون الذهب جاذب وبريقه لافت وبالتالي يسوق نفسه. قيمته كبيرة وصعبة التحديد، وهذا ليس حال كل المعادن والمواد الأولية بل مجموعة صغيرة جدا منها. مؤخرا لم ينجح الذهب في تغطية آثار التضخم أو السقوط النقدي، وبالتالي خف الطلب عليه. حتى في الأشهر الأخيرة ومع التضخم القوي، لم يتحرك سعر الذهب للمواجهة بل بقي متفرجا وهذا ما أزعج المستثمرين بل المواطنين الراغبين في الحماية المالية.

لكن بسبب غياب البدائل المناسبة، ارتفع الطلب على الذهب مؤخرا أي 18% في سنة 2022 أو 4741 طنا من المعدن تبعا للمجلس العالمي للذهب. هذا هو المجموع الأعلى منذ 11 سنة ويعود الى طلب المستهلكين العاديين كما الى المصارف المركزية (1136 طن) التي عززت مخزونها الأصفر. الخوف من الأوضاع العالمية السياسية المتقلبة كما الحماية من التضخم سببا هذه الزيادة الكبيرة في الطلب. هنالك من اشترى الذهب للاستثمار آملا في الربح مع البيع، وهذا ليس بالتفكير الخاطئ في هذه الظروف. كلما خفت الفوائد النقدية كلما تعزز سعر الذهب وهذا ما يحصل اليوم مع تعهد المصرف المركزي الأميركي بتخفيف زيادات الفوائد لمحاربة التضخم.

الطلب العالمي على الذهب والمجوهرات يأتي من مصادر معروفة أي الصين والهند ودول مجلس التعاون الخليجي. تخلت الصين عن المركز الأول عالميا بسبب سياستها تجاه الكورونا والتي أثرت سلبا على السلة الاستهلاكية الداخلية. تركت المركز الأول للهند حيث الرغبة في المعدن الأصفر تتخطى الظروف والأوضاع الاقتصاية وتقع في قلب الأفضليات السكانية منذ قرون. أما الطلب على المجوهرات الذهبية في المنطقة العربية، فارتفع 15% السنة الماضية معتمدا خاصة على دولتي السعودية والامارات. أما العرض العام للذهب فلم يرتفع الا 2% السنة الماضية مما يشير الى امكانية ارتفاع السعر قريبا. عرض الذهب محدود طبيعيا ولا يمكن التحكم به بحرية كحال النقد مثلا.

هل يمكن للذهب أن يلعب دورا دوليا يتخطى المعدن والمجوهرات ليعود كنقد، كما كان حاله بعد الحرب العالمية الثانية حيث ربطت العملات وخاصة الدولار به؟ هنالك من يرغب بهذه العودة بسبب سوء الاستقرار النقدي العالمي، لكن هنالك صعوبات عملية في وجه هذا الاقتراح. أهم العوائق أن الذهب لا يمكن أن يكون سائلا كالنقد وبالتالي التبادل به أصعب كثيرا. كما أن العرض محدود هذا اذا اضطر العالم الى زيادة الكميات المتوافرة في الأسواق لمواجهة الطلب. الذهب ليس وسيلة مرنة سريعة تسمح باراحة أصحاب الطلب والعرض في الأسواق. من الممكن أن يؤمن بعض الاستقرار لكنه يضيق الفرص ويمنع عمليا النمو أي لا يلبي حاجات الاقتصاد الدولي خاصة تجارة السلع والخدمات التي تنمو في زمن الازدهار والانتشار.

بسبب محدودية العرض واحتمال تقلب الطلب بسرعة لأسباب سياسية أو اقتصادية، من الممكن أن يتقلب سعر الذهب كثيرا وبالتالي يسيء الى السبب الذي وضع كنقد من أجله. يمكن التفكير بالذهب كملجأ أي مكان للاختباء وليس كركيزة لنظام نقدي عالمي جديد. عموما يرتفع سعر الذهب في حالتين:

أولا: عندما يبدأ التضخم في الظهور يصبح الذهب فجأة سلاحاً مرغوباً به. في تلك الحالات، من الممكن أن يتوجه المواطنون نحو الذهب أو نحو أصول أخرى وقد رأينا مؤخرا أسعار الفنون من رسوم ولوحات ونحت وغيرها تزدهر بشكل ملفت. أما المصارف المركزية، فعززت احتياطها من الذهب بسبب التقلبات الدولية الكبرى بدءًا من 2008. السعودية ولبنان يملكان احتياطاً ذهبياً كبيراً، وهنالك مصارف مركزية قامت بالشراء مؤخرا كمصر وقطر. في الفصل الثالث من 2022، زاد احتياطي المصارف المركزية من الذهب بقيمة 20 مليار دولار وهي الأعلى لفترات مماثلة منذ أكثر من 55 سنة.

ثانيا: عندما تحدث أزمة اقتصادية كبيرة ويخاف بسببها المواطنون والشركات على ودائعهم، يلجأون الى الذهب للحماية. حصل ذلك مرارا مثلا في النصف الأول من سنة 2008 عندما بدأت الأزمة التضخمية في الدول الناشئة وكذلك عندما سقط مصرف «ليمان» في نفس السنة فخاف الجميع ليس فقط على الودائع وانما على الأصول كما على مجمل الأسواق أيضا.

هنالك وقائع تصب في صالح الذهب، أي العادات والتقاليد، التي تربط الذهب بالمناسبات الاجتماعية والعائلية وبالتالي يحافظ المعدن على مركزه المرتفع في العقليات والمجتمعات والتقاليد. هنالك بورصات عالمية لتبادل الذهب، وهذا يقربه من الأصول السائلة وحتى النقد. السوقان المعروفان الكبيران هما في لندن ونيويورك، وهنالك أدوات مختلفة لكافة الحاجات والمخاطر والآجال. للذهب أيضا فوائد كبرى في زمن العقوبات حيث يسهل التبادل به والتهرب منها. هنالك دول عدة تشتري الذهب قبل تطبيق عقوبات عليها كي تستطيع القيام بواجباتها خارج النظام النقدي العالمي.

لقراءة المقال كاملًا اضغط هتا

المصدر : اللواء

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa