هدر يفوق الـ ٥ ملايين دولار والدولة تحكمها جهات حزبية... الصادق ينده و "ما في حدا"

كتبت إيفانا الخوري في "السياسة":

من صورة الإدارات المقطوعة من الحبر والورق والأقلام إلى تلك التي تغرق مع كلّ شتاء مرورًا بأرشيفات تتكدس فيها المعاملات بأوراق صفراء قد تنجو من القوارض وقد لا تنجو تترنح الدولة اللّبنانية وتسقط في هاوية الفشل الإداري. ويُثبت الواقع أنّ لا شيء في الدوائر الرسمية يسير على نحو طبيعي يوحي بأننا في دولة. 

وحين نقول إنّ لا شيء طبيعي فلا مبالغة. فيكفي أنّ الدولة مستمرة في طباعة الطوابع فيما هذه "التحف التاريخية" ما زالت مقطوعة وتُباع في السوق السوداء بأسعار تفوق قيمتها الحقيقية وتؤمّن الأرباح لجهات تصرّ السلطة غضّ النظر عنها. فيما تبقى خزينة الدولة خاوية والخسائر مستمرة في الارتفاع. 

ومن هذا المنطلق، كان حديث النائب وضاح الصادق عن الـ E- Government، كحلّ يسهّل إنجاز المواطنين لمعاملاتهم ويخفف من حدّة الرشاوى التي ذاع صيت لبنان عبرها. 

"لا تنده ما في حدا"، قد تكون هذه العبارة هي الأقرب لتلخيص الردّ على جهود الصادق تجاه المكننة والنقلة الإلكترونية التي باتت شعارًا ضروريًا يواجه عراقيل سياسية صعبة من داخل مجلس النواب. 

ويقول وضاح الصادق إنّ الدول المحيطة في لبنان قد أتمّت التحول الرقمي منذ أكثر من ٦ سنوات فيما لبنان لم يخطُ إلى الأمام أي خطوة. 

ويتحدث عن التحول الرقمي الذي ينبغي أن ينخرط فيه لبنان، مشيرًا إلى أنّ تسديد الرسوم والضرائب يكون متاحًا للمواطنين عبر استخدام هواتفهم الخلوية على أن تأخذ العملية دقائق فقط، كما يواجه من لا يدفع إجراءات أخرى تمنع باختصار التهرب الضريبي. ويشرح إيجابيات الموضوع مؤكدًا أنّ هذه الاستراتيجية ستوفر على المواطن الوقت والجهد وعناء الانتقال من منطقة إلى أخرى أو من مدينة أخرى لإتمام المعاملات كما تجنّبه اضطرار دفع الرشاوى لإنجاز معاملاته. 

لماذا المعارضة السياسية والإصرار على الاستمرار في التخبط الحالي؟ في البحث عن هذا الجواب يكشف النائب وضاح الصادق تفاصيل مهمة. 

ويقول لـ "السياسة" إنّ القرار السياسي بمنع التحول الرقمي أتى بعدما وضعت المؤسسات الدولية كالـ UNDP منذ سنوات طويلة ميزانيات وفرق عمل للوصول إلى هذا الهدف. لكن المحصلة النهائية كانت صرف الأموال وعمل الفرق من دون التوصل إلى أي نتيجة بعدما عرقل العمل بشكل مباشر وبالتالي ما زالت الأوراق في الدوائر الرسمية مكدسة في حقائب سفر وأخرى صارت أوراقًا صفراء فيما تضيع معاملات وحتى قضايا قضائية قديمة. 

ورغم المعارضة السياسية لهذا المشروع، إلّا أنّ النائب وضاح الصادق يؤكد أنّ الميزانيات للتحول الرقمي على صعيد كلّ مؤسسات الدولة متوفرة وهي لا تتطلب الكثير من الوقت سيما بعد كلّ هذا التطور، لافتًا إلى أنّ من ساهموا في التحول الرقمي في الدول العربية هم من اللّبنانيين وهو ما يعني أنّ بإمكانهم المساعدة. ويضيف: نسبة استخدام الهواتف الذكية في لبنان مرتفعة للغاية ما يسهّل العملية لكننا نحتاج إلى اتخاذ القرار للانتقال إلى التطبيق.

وبالعودة إلى قضية الطوابع المفقودة في كلّ مكان إلّا في السوق السوداء، يؤكد وضاح الصادق أنّ استخدام الطوابع يسمح بهدر المال العام كون الدولة تتكلف في عملية الطباعة. ويكشف أنّ الأرقام تشير إلى حاجة البلد لـ عشرين مليون طابع وتكلفة الطابع الواحد هو 0.27 سنتًا ما يعني تكلفة بحوالي ٥ إلى ٦ مليون دولار فيما يمكن إنشاء تطبيق إلكتروني لا للطوابع فقط بل لكل المعاملات في وزارة المالية بكلفة ١٥٠ ألف دولار بالحدّ الأقصى مع نظام الحماية اللّازم لها وبالتالي يوفر المبالغ الكبيرة التي تُهدر على طباعة الطوابع.

وفي موازاة ذلك، يؤكد الصادق أنّ الجهات الحزبية هي التي تُمسك بالسوق السوداء الخاصة بالطوابع ومن هذا المنطلق يأتي الرفض السياسي للنقلة الإلكترونية، بالإضافة إلى الرشاوى التي تعطى باليدّ في ظلّ وجود مافيات داخل مؤسسات الدولة تتقاضى آلاف الدولارات لتسيير المعاملات وكان آخرها الفضيحة الكبيرة التي صوّرت في وزارة الاقتصاد لموظف يتقاضى رشوة، مشيرًا إلى أنه سُجن لأنّ المخالفة صُوّرت. 

ويختصر الحديث بالقول إنّ التمويل والفرق القادرة على نقلنا إلكترونية موجودة، لكنّ القرار السياسي غير موجود. 

لا بد من الإشارة إلى أنّ الرشوة في لبنان باتت مفهوًما متعارفًا عليه بين قسم كبير من موظفي الدولة والمواطنين الراغبين بإتمام معاملاتهم بعدما ذاقوا عذاب الانتظار والمماطلة والإذلال. وهو ما يفسّر حلول لبنان في المرتبة الـ٥ إقليميًّا والـ١٣٠ عالميًّا، على صعيد الرشاوى، في نتيجة معيبة لم تُحرك السلطة أبدًا في اتجاه إصلاحي بل على العكس ما زالت العراقيل السياسية تحول دون التحول الرقمي بعدما صار العالم كلّه موجودًا في هاتف بالـ "جيبة".