طرابلُس... منزوعة السّلام والرّغيف والحرّيّة

09/06/2024 11:22AM


كتب قزحيا ساسين في "السياسة":

طالما سَمّى أهل الشّمال مدينة طرابلُس أمّ الفقير. وصحيح أنّ أمّ الفقير شكت ولا تزال حرمانا مزمنا، غير أنّها لم تكن جائعة، لا إلى كَسرة خبز ولا إلى كَسرة حرّيّة.

مع بداية الحرب اللبنانيّة بدأت "الفَيحاءُ" تخسر حضورها وصورتها النّموذجيّة، فقد هجرَها العدد الأكبر، رُبّما، من مُواطنيها المسيحيّين، وقسمٌ من مواطنيها المسلمين. وعلِقَت بين وقت وآخر في شِباك قوى أمر واقع أصوليّة، مثل جماعة "التوحيد"... ومصّ دمَها الاحتلالُ السّوريّ، وتَجاهلَها سياسيّوها الذين هم في أكثريّتهم أثرياء، على مستوى محلّيّ وعالميّ.

وها نحن نَشهد الأمس منْعَ مهرجان كابريوله السينمائيّ، للأفلام القصيرة، بعدما تحوّلَت منابرُ بعض الجوامع منابر تحريض على مُواجهة أيّ حدَث فنّيّ أو ثقافيّ لا ينجح في المرور على "المُعايَنة" الدينيّة، في"نافِعة" بعض الأئمّة وأتباعهم.

في الواقع، إنّ طربلس، اليوم، مدينة متروكة، تزورها الدولة من حين إلى حين لِقَدّ المَراجل. فهي تشكو تفلُّتا أمنيّا واضحا، وفَقرا يصل إلى حدود العَوز والحاجة الدائمة، وتحديدا في أماكن مثل "باب الرّمل"، و"باب التّبّانِه"...

فهل تشجَّع بعض الأئمّة وغيرهم من أصحاب النفوذ في طرابلس على مُواجهة عَمالة الأطفال، والفقر المقيم في "النايلون" الذي يحلّ محلّ الزجاج في شبابيك البيوت الطرابلسيّة الجائعة؟

هل مِن أحد يجرؤ على تحريض الناس، في طرابلس، على عدم انتخاب أيّ ثريّ من أثريائها، الذين لا يريدون إنماء عادلا، ليَبقوا يشترون الصوت في الانتخابات بمنقوشة زعتر وقنّينة بِيبسي؟

لا شكّ في أنّ طَفرة أصوليّة تؤذي بَشَرة المدينة التي تعرف نفسها تماما أنّها اليوم ممنوعة من العودة إلى ذاتها الأصيلة والأصليّة.

ليس من حلّ سوى بتحرّك فاعل وواسع لتحجيم كلّ مَن يعمَل جاهدا على كَسر صورة طرابلس، وتصحيرها على مستوى الحرّيّة والكرامة وحقوق الإنسان.

فليتفضَّل أيٌّ من الداعين إلى تصحير المدينة، وليُعلِنْ من أيّ بيئة طرابلسيّة يذهب الشباب الطرابلسيّون للموت في خنادق "داعش" وغيرها... أليس هؤلاء كلُّهم من فقراء المدينة، الذين مرّت طفولتهم بلا مدرسة، وفتوّتهم بلا جامعة، ولم يتمكّنوا من بناء بيت يتّسع لعائلة تعيش بسلام؟

لم تكن طرابلس أقلّ من بيروت على مستوى مدارسها ونموّها الاقتصاديّ والحضاريّ، وهي اليوم مدينة منزوعة السّلام، لا السلاح، ومنزوعة الرغيف والكلمة والحلم بِغدٍ أفضل.

وما من شكّ في أنّ تَجاوُب طرابلس مع ثورة تشرين كان صادقا، لأنّ شريحة كبيرة من الذين رفعوا الصرخة في ساحاتها كانت تريد التغيير، وهي تعرف كلّ المعرفة أنّ الذين تولّوا شؤون المدينة سواء بقوّة المال السياسيّ، أو بقوّة الخطاب والسلاح الطائفيَّين يجب أن يُرمَوْا في بحر النسيان، للذهاب نحو طرابلس الحقيقيّة.

فمَن يوقِف موجةَ التصحُّر التي تضرب طرابلس؟


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa