بهاء الحريري... بين سمَك السياسة وطاوُوقِها

05/07/2024 10:40AM

كتب قزحيا ساسين في "السياسة"

لا يزال الاستثمار في التوريث السياسيّ في أحلى حالاته، وليس مجيء السيّد بهاء رفيق الحريري إلى لبنان سوى انطلاقة استثماريّة، لها ما يبرّرها استنادا إلى مبدإ التوريث المعمول به إلى جِيل غير مسمّى.

ففي قراءة سريعة للمشهد السياسيّ عندنا نلاحظ أنّ عَصَب الوصول إلى السّلطة يمرّ عبر طريقين لا ثالث لهما: طريق الإقطاعيّة الحزبيّة، حين يسمّي الزّعيم ناسا معيّنين لِحمل النمرة الزرقاء، أو النمرة الحكوميّة... 

وطريق التّوريث للإبن أو للصهر أو للزّوجة...

وبالنسبة للتوريث، لا شكّ في أنّ دفتر "الشّيكات" يلعب الدّور الأساسيّ، فلا مكان لِوَريث مثقوب الجَيب.

في هذا السياق، يأتي بهاء رفيق الحريري إلى لبنان، محاولا الاستفادة من غياب أخيه سعد، الذي تراجَع ماليّا، وترك لبنان معلِّقا عملَه السياسيّ، لأنّه لم يعد مرغوبا فيه سعوديّا، وفي الوقت نفسه ليس له القدرة على البقاء في بيروت وهو ذو ضعف ماليّ وسياسيّ، وإن كان يزور لبنان في ذكرى استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري، ويحرص على حضور شعبيّ حوله، موحيا أنّه لا يزال سعد الحريري الذي كان.

قد ينجح بهاء الحريري في تأسيس حيثيّة سياسيّة له، استنادا إلى ما يملك من ثروة مادّيّة، أمّا استنادا إلى أنّه ابن رفيق الحريري فالمسألة تختلف، لأنّ الحريريّين يعتبرونه طاعنا أخاه في الظّهر، وهو يستغلّ غيابه عن الساحة اللبنانيّة ليبني حضوره السياسيّ على جثّة أخيه بالمعنى السياسيّ للكلمة.

دخل سعد الحريري الوسط السياسيّ وريثًا يتقدّم على إخوته، إلى حدّ غيابهم التّامّ عن السياسة، إلّا أنّه لم يستطع أن يصل إلى ما كان عليه والده الشهيد من قُدرات ونفوذ وحضور. وها هو بهاء الحريري اليوم يدخل الوسط السياسيّ وهو دون قدرات أخيه سعد السياسيّة، وإن يكن يتفوّق عليه ماليّا، ويُعتبَر غير ذي مَشاكل مع أحد محلّيّا، وإقليميّا، لا سيّما مع الرّياض التي وإن تكُن غير مُوعِزة إليه لتأسيس حالة سياسيّة بهائيّة في لبنان، إلّا أنّها لا تجد في ذلك ضررًا يطالها.

ممّا قاله بهاء الحريري عن أخيه الرّئيس سعد أن لا خلاف بينهما، وهو حبيبه، وقد يُصرَف هذا الكلام بالمعنى العائليّ العاطفيّ صِدقًا، لكن بالمعنى السياسيّ لا مجال لِصرفه، فمن الواضح أنّ بهاء يقوم بالقتل المتعمّد سياسيّا لأخيه.

ومن غير الممكن الآن الجزم في هذه المسألة، في انتظار الأيّام المقبلة التي لا بدّ أن يكون لسعد الحريري كلام فيها، يُظهر اليقين بشكل أوضح.

في أحد اللقاءات، التي حضر فيها الأكل والشّرب، أكل بهاء الحريري وخاصّتُه السّمك، بينما كان الطاووق طبق عامّة الناس، وسألته إحداهنّ علنا عن سبب ذلك، فكان الإحراج من نصيبه، وإن سارع إلى الطلب بتنزيل السمك ليَسبح في كلّ الصحون.

لا شكّ في أنّ مثل هذه المسألة تعكس ضعفا رؤيويّا بهائيّا، كما تعكس نظرته الدونيّة إلى العامّة. وهي في الوقت نفسه تَصلُح للقول: إنّ بهاء الحريري، إن استطاع إيجاد مكان لقدمَيه في أرض السياسة اللبنانيّة، فلن يكون له سوى الطاووق على مائدة السياسة، أمّا السَّمك فيبدو بعيدا من شبكته.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa