مَقابر... بِنوافذ تٌسيّجها القضبان

01/09/2024 08:33PM


كتب قزحيا ساسين في "السياسة": 

يَدخل الإنسان عندنا السّجن، لِخَطإ أو لخطيئة ارتكبهما، بالمعنى القانونيّ، غير أنّ الدّولة اللبنانيّة ترتكب بحقّه، وهو سجين، جرائم تصل إلى حدّ القتل، من خلال التّخلّي عن واجباتها نحوه، وتقصيرها في معاملته كإنسان، حارمةً إيّاه حقوقا مقدّسة يمنحها القانون، وتنصّ عليها الشرعة العالميّة لحقوق الإنسان.

ليس خبرًا يمرّ مرور الكرام أن يموت سجين، في سجن "روميه"، بسبب التأخّر في نقله إلى المستشفى، وهو في حال صحّيّة خَطرة. عمليّا، إنّ ما حصل هو جريمة قتل، ليست الأولى، وللأسف لن تكون الأخيرة.

لم تكن السجون يوما للانتقام من الناس، ولا للثأر، ولا لجعل نزلائها ينتظرون موتًا مُذِلّا. إنّما هي عندنا شِبه مقابر، وبات واقعها يستدعي حالة طوارئ، وتحرّكا واسعا، يشارك فيه القضاة، والمحامون، والمؤسّسات المعنيّة بحقوق الإنسان، والمرجعيّات الدينيّة... 

وكوارث السّجون واضحة، ومُزمِنة، منها:

١- عدم اتّساع أبنية السجون لمن فيها، فيُوضع السّجناء فوق بعضهم البعض، بكثافة تسمح بالأذيّة الصحّيّة، جسديّا ونفسيّا، إضافة إلى قلّة الحمّامات، وعدم توفّر شروط النّظافة بحدّ أدنى.

٢- التقصير في تأمين الغذاء اللازم، الكافي للمحافظة على صحّة السجين، من حيث تنوّعه، واستيفاؤه الشروط، استنادا إلى إشراف أطبّاء التغذية.

٣- غياب العناية الطبّيّة، التي من المفترَض أن تكون حاضرة عند أيّ طارئ، لأنّ مَن يخسر حياته بسبب الإهمال الطبّيّ في السّجن، هو ضحيّة سَجّانِه، ويجب أن تُنصفه العدالة باعتباره مُعتدًى عليه، في مكان لا يجوز أن يكون غير آمِن.

٤- إيجاد حلّ سريع لجميع الموقوفين، بِلا مُحاكَمة، ومنهم مَن أمضوا في السجن عقدَين من الزّمن، كأنّهم أسرى حرب مع جيشٍ عدوّ، بينما هم في حَرَم العدالة التي تَحكُم  ولا تأسر...

بات من الملحّ بناء سجون كبيرة وحديثة، لا سيّما أنّ كثيرين من أهل السلطة قد يكونون غدًا من سجنائها، إذا صار عندنا قضاء حرّ، يهوي بمطرقة العدل على منبره بلا أن يرفّ له جفن.

ويجب معالجة الوضع الإنسانيّ، أوّلا، في سجوننا التي انتحر فيها أكثر من سجين، ولم يُقِم فيها، أو يغادرها، أحدٌ شاكِرًا. أمّا تحويل السّجناء أسرى حرب فمشكلة تستدعي توافقا سياسيّا يقضي بإطلاق يد القضاء لينجز واجباته بالعدل والشفافية.

إنّ السلطة الفاشلة، القائمة على الظلم، لن تقوم بأيّ خطوة لجعل سجنائنا يشعرون بأنّهم لا يزالو بشرا، ويتمتّعون بالكرامة الإنسانيّة كاملة، فلا بدّ من اقتحام الإعلام للسجون، ونَقل واقعها المذِلّ والقاتل كما هو، بهدف الضغط المتواصل على السلطة، ليكون عندنا سجون لا مقابر، بنوافذ تسيّجها قضبان الحديد.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa