بعد حلقة "ميني مافيا": الأطفال بين الإعلام والأيديولوجيات

06/01/2025 07:20AM

كتب شفيق حبيب في السياسة:

ما إن عُرضت حلقة "ميني مافيا" أمس على شاشة الجديد حتى اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي مُستنكرة الأمر، وملقية باللوم، في غالبيته العظمى، على الأهل الذين، وفقاً للناشطين على تلك الصفحات، ينقلون مشاعر الحقد والكراهية إلى أطفالهم، مما يؤثّر سلباً على مستقبلهم ومستقبل جيل بأكمله.

رغم تعدّد الأطفال المشاركين في الحلقة، برز الطفلان "مجتبى" و"شربل" في المشهد، نظراً لتمثيلهما تجسيداً واضحاً للانقسام العمودي في البلد المستمر منذ أكثر من عشرين عاماً. فقد عبّر شربل عن موقف حزب القوات اللبنانية، في حين جسّد مجتبى الموقف المعارض تماماً، المعروف بموقف محور المقاومة والممانعة. هذا التناقض أضفى على الحوار بينهما بُعداً عدائياً يعكس بوضوح الواقع المرير الذي يطبع العلاقة بين الطرفين المتنافرين في الساحة السياسية اللبنانية الحالية.

بادئ ذي بدء، دعونا نفصل بين الواقع الخفي للحلقة وبين ما شاهدناه على الشاشة الصغيرة. فالقاصي والداني يعلمان أن الهدف الحقيقي لهذا النوع من البرامج هو اللهاث خلف المشاهدات والمتابعين وما يُسمّى بالرايتينغ اللعين. وكلنا يعرف كيف يتم الإيقاع غالبًا بضيوف حلقات الحوارات السياسية، رغم أنهم بالغون وراشدون، لتحقيق الهدف نفسه. فكم بالحري عندما يكون الضيف طفلاً يحمل أفكارًا لا تزال هشّة وقيد التشكيل؟ وعليه، فإن الوسيلة الإعلامية وفريق العمل اللذان أعدّا، وأنتجا، وعرضا الحلقة، يتحملون القسم الأكبر من المسؤولية بسبب التضخيم والتشويه المتعمّد.

أما بالنسبة لدور الأهل فيما حدث، وما يدل عليه من الناحيتين السوسيولوجية والتربوية، دعونا نسأل أنفسنا بموضوعية مطلقة: هل يمتلك الأهل، أي أهل، في أيامنا هذه وفي عصر التكنولوجيا والإنترنت، المفتاح والأدوات اللازمة لعزل أولادهم كليًا عما يجري حولهم من قضايا سياسية، أمنية، واقتصادية؟ وهل يجب وضع جميع الأطفال الضيوف في خانة واحدة؟ أم ينبغي التمييز بين مجتبى وشربل تمامًا كما تم التمييز بينهما من جهة، وبين باقي الضيوف من جهة أخرى؟ قد يساعدنا قياس ما حدث وما صدر عن هذين الطفلين، بالاعتماد على الفطرة والقواعد الطبيعية، في وضع التقييم المناسب لكليهما.

ينتمي والدَي الطفل شربل إلى حزب القوات اللبنانية، ولا مانع من أن يكون على علم بذلك. كما أنّه من المستحيل أيضًا عزل شربل عن المواقف التي تصدر بدورها عن الفريق الذي يمثل أهل مجتبى، والتي تُعارض حزب القوات اللبنانية وتشمل التخوين والاتهام بالعمالة، وقد تصل في بعض الأحيان إلى حد الدعوة إلى هدر الدم. كما يجد الذكر أن الطفل شربل كان قد تعرض في الأشهر القليلة الماضية لأصوات واهتزازات مخيفة ناتجة عن قصف القرى المجاورة لقريته، وهو يعرف جيدًا أن تلك القرى مأهولة بمن يمثلون أهل مجتبى من وجهة نظره. ولذلك، فإن ردّة فعل شربل، التي تُستنكر طبعًا من منظور الإنسانية وحقوق الطفل، لا تخرج عن الفطرة والمشاعر الطبيعية لمن يجد نفسه مهددًا بالعداء.

من الناحية المقابلة، نجد أن الطفل مجتبى يمثل أفكارًا غريبة عن الفطرة والقوانين الطبيعية للحياة. وقد رأيناه يفتخر بالموت ويسعد به، بل يعتبره هدفًا كان والده الشهيد قد حقق انتصارًا من خلال بلوغه. وهذا ما يميز الطفل مجتبى ويضعه في خانة الريبة والخوف على أفكاره، وعلى ما يحمله من أيديولوجية راسخة من المستهجن أن يحملها طفل في سنّه. وهنا لا بد من السؤال عن دور المؤسسات المدعومة من إيران مثل مدارس وكشافة المهدي، على سبيل المثال لا الحصر، والتي تُتهم بأدلجة الأطفال وتحضيرهم في الصغر للانتماء إلى خيارات قد لا يتقبلها الإنسان العادي إلا في حال خضع لعملية غسل الأدمغة.

في الختام، رغم أن المسؤولية عن تأثير الأفكار والمواقف على الأطفال تقع جزئيًا على الأهل، إلا أن العبء الأكبر يقع على عاتق الوسائل الإعلامية والسياسيين والمنظمات الخارجية، الذين يتحملون دورًا رئيسيًا في تشكيل وعي الأجيال القادمة من خلال سياساتهم وأيديولوجياتهم وتوجهاتهم الإعلامية.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa