حبس أنفاس يرافق الجولة الثانية من تحقيقات البيطار: هل من مفاجآت؟

كتبت سمر يموت في السياسة: 

ينهي المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، غداً الجمعة الجولة الأولى من تحقيقاته التي شملت 10 مدعى عليهم جدداً من موظفين في المرفأ، وضباط في الجمارك والأمن العام والجيش اللبناني، ويتحضّر لإطلاق المرحلة الثانية التي تشمل القادة الأمنيين المدعى عليهم سابقاً، والذين رفضوا سابقاً المثول أمامه قبل تعليق التحقيق الذي دام أكثر من عامين.

وتكتسب المرحلة الثانية من التحقيق أهمية كبرى، بالنظر للتحوّل المهمّ الذي طرأ على هذه القضية، وتمثّل بقرار النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، الذي ألغى فيه قرار سلفه القاضي غسان عويدات، بإيقاف التعاون مع البيطار، وأعاد الأمور إلى ما كانت عليه قبل 25 كانون الثاني 2023، عندما أمر عويدات، وبخلاف القانون، بإطلاق سراح جميع الموقوفين بملفّ المرفأ دفعة واحدة، واستتبع ذلك بوقف كافة أشكال التعاون مع البيطار وادعائه على الأخير بانتحال صفة محقق عدلي واغتصاب سلطة وأصدر مذكرة إحضار بحقه، لو نفّذت لكانت أوقعت جريمة كبرى داخل قصر العدل بين عناصر أمن الدولة المكلّفين تنفيذها وعناصر الجيش المولجين بحماية البيطار.

لا شكّ أن قرار الحجار خالف كلّ التوقعات، وأحدث صدمة لدى أهالي الضحايا ووكلائهم، لكن الصدمة الكبرى نزلت على رؤوس المدعى عليهم خصوصاً القادة الأمنيين والسياسيين وحتى القضاة، الذين يتوجّسون من أن تفتح خطوة الحجار، الباب واسعاً أمام البيطار لإعطاء زخم جديد للتحقيق، مع إمكانية العودة إلى إصدار مذكرات توقيف وجاهية بحقّ من يحضر أمامه للاستجواب وغيابية لكلّ من يمتنع عن المثول، ولذلك تدافع عشرات المحامين إلى قصر العدل للتأكد من صحّة القرار ويتيقّنوا من أنّ الحجار تخلّى عن تحفظاته والتحق بركب الداعين إلى إنهاء التحقيق ومعرفة الحقيقة.

سيكون الترقّب سيّد الموقف من الآن حتى يوم غدٍ الجمعة، حيث يعقد المحقق العدلي جلسة لاستجواب ضابط في الأمن العام برتبة عميد، ففي نهايتها يكون الحدث المنتظر، أي تحديد أسماء القادة الأمنيين الذين سيتم استدعاءهم ومواعيد استجوابهم، ورجّحت مصادر مطلعة في قصر العدل، أن يستدعي البيطار المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، وربما يكون الأخير قد ترك منصبه بعد تعيين مدير عام جديد على رأس الجهاز، ثمّ المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. وتاتي أهمية استدعاء كلّ من صليبا وإبراهيم أنهما باتا من دون حصانة وظيفية، باعتبار أن العهد السابق رفض إعطاء الاذن لملاحقتهما، ومن المقرّر أن ينتقل بعدها البيطار الى استدعاء السياسيين وفي مقدمهم رئيس الحكومة السابق حسان دياب ثم الوزراء السابقين ومن ثمّ القضاة وعلى رأسهم غسان عويدات، قبل أن يختم التحقيق ويحيله على النيابة العامة لإبداء مطالعتها بالأساس تمهيداً لإصدار قراره الظني في القضية.

صحيح أن قرار النائب العام التمييزي الحالي، الذي ثبّت شرعية عودة البيطار الى استئناف التحقيق، ترك ارتياحاً واسعاً لدى أهالي الضحايا وأغلب اللبنانيين، لكنّه جاء كوقع الصاعقة على رؤوس السياسيين والأمنيين وحتى القضاة المدعى عليهم، الذين رفضوا سابقاً الامتثال لقرارات البيطار باستدعائهم للاستجواب، ما اضطره الى إصدار مذكرات توقيف غيابية للبعض منهم، ويبدو أنّ هؤلاء بدأوا يفكرون فعلاً بالرضوخ للقانون وحضور جلسات الاستجواب، وبدأ وكلاؤهم يعدّون ملفات الدفاع عنهم لإثبات براءة موكليهم وابعاد أصفاد التوقيف عن أيديهم، وهم يعرفون تماماً أن الظروف الأمنية والسياسية التي حمتهم في السابق لم تعد قائمة الآن.

بلا شكّ أن قرار الحجار أراح البيطار إلى أبعد الحدود، لكنه ليس وحده من أطلق يد الأخير لاستئناف التحقيق، فالمحقق العدلي الذي بقي مكبّلاً لأكثر من عامين بفعل دعاوى الردّ والمخاصمة التي فاق عددها الـ 40 دعوى، أعدّ في شهر كانون الثاني 2022 دراسة قانونية استند فيها الى اجتهاد لرئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق القاضي فيليب خير الله الذي رفض دعوى رّد عدد من أعضاء المجلس العدلي، لأن قضاة المجلس لا يمكن ردّهم. واعتبر البيطار أن المحقق العدلي هو جزء من هيكلية المجلس العدلي، ولا يمكن ردّه، وبالتالي كلّ دعاوى الرد والمخاصمة القائمة ضدّه باطلة لا قيمة لها.

ومع عودة الملف الى مساره الصحيح، وفي ظلّ الارتياح الذي يسود الرأي العام اللبناني بعودة البيطار القويّة الى "العدلية"، تؤكد مصادر قضائية مواكبة لهذا الملفّ أنّ "البيطار لن يتصرّف بكيدية كما تصرّف معه هؤلاء، فهو لا يضع إلا القانون نصب عينيه ولن يصدر قراره الظني إلا وفقاً لأدلة دامغة ومعطيات ثابتة". ورجحت المصادر أن يتم إصدار القرار الظني قبل الذكرى السنوية الخامسة لانفجار الرابع من آب".