02/05/2025 07:42PM
كتب رالف يونس في السياسة:
في صفحات التاريخ المسيحي الأولى، نقرأ عن لحظات من التردد والإنكار، حتى من أقرب تلاميذ السيد المسيح. لم يكن ذلك خيانة، بقدر ما كان ضعفًا بشريًا في لحظة اختلط فيها الخوف بالإيمان، والغموض باليقين. بطرس، أحد أبرز التلاميذ، أنكر معرفته بالمسيح ثلاث مرات خوفًا من الاعتقال، قبل أن يُدرك حقيقة من تبعه ويعود تائبًا، في مشهد يتكرر رمزيًا عبر محطات التاريخ الديني والسياسي.
التاريخ لا يعيد نفسه بصورته، بل بإسقاطاته. واليوم، وبينما نشهد تمددًا مذهبيًا يتجاوز حدود الطائفة، متخذًا شكل مشروع جيوسياسي واضح المعالم، تبدو الطائفة الشيعية في لبنان أمام مفترق بالغ الحساسية. فبعض أبنائها يرفعون شخصية "السيد الشهيد" إلى مصاف القداسة، معتبرين إياه رمزًا لا يجوز المساس به أو التشكيك بدوره، رغم أن معطيات الواقع السياسي تشير إلى أن هذه "الشهادة" قد وُظِّفت، أو صيغت، في إطار مشروع إيراني توسّعي، يشبه في بنيته ما سُمِّي بـ"الهلال الشيعي"، بكل ما يحمله من أبعاد عابرة للحدود والسيادات.
هذا التقديس الذي يمنع النقاش أو المراجعة، قد يضع الطائفة الشيعية، لا سيما المعتدلين والعقلاء فيها، أمام لحظة إنكار قاسية. لحظة يُصبح فيها البقاء في هذا الاصطفاف خطرًا وجوديًا، لا سياسيًا فحسب. وحينها، كما أنكر بطرس سيده خوفًا، قد يُجبر كثيرون على نكران شيعيتهم أو براءتهم من النهج الذي بات يرمز إليه "السيد"، لا كرهًا للهوية، بل اتقاءً للعزل والإقصاء وربما الاستهداف.
والتحذير هنا ليس طائفيًا، بل وطني بامتياز. فالتمسك بقداسة سياسية مموّهة بغطاء ديني، خطرٌ على الشيعة قبل غيرهم. والخيار المطروح اليوم هو بين التماهي مع مشروع خارجي لا يعترف بلبنان كأولوية، وبين الانتماء الصادق لوطنٍ متعدّد، متنوّع، قائم على العيش المشترك.
ففكرة التقسيم والتقطيع وعزل بعض المكونات ليست مقبولة من المسيحيين الحقيقيين، ولا من أي مكوّن وطني آخر، ولن نقبلها بطبيعة الحال لإخوتنا الشيعة، لا في الأمس، ولا اليوم، ولا في الغد. لم نقاوم ونضحِّ ونستشهد، كمسيحيين قدامى، ومطارنة، ورجال دين في مغاور الوادي المقدس وجبال لبنان، من أجل قيام لبنان الكبير الموحّد، كي نرضى اليوم بعزل مكوّن عن سواه، فقط لأن بعض قادته السياسيين ضيّقي الأفق، باعوا قرارهم لأجندات خارجية لا ترى في لبنان سوى ساحة لتصفية الحسابات أو خزينة لملء الجيوب.
لبنان ليس تركيبة طوائف تتناحر أو تتخاصم على الولاءات، بل هو كيان تاريخي، قام على التعددية والمشاركة، وهو بهذا المعنى لا يُختزل في قائد، أو رمز، أو شهيد، مهما علت منزلته. الشيعة في لبنان، كما الموارنة، والدروز، والسنّة، وجميع المكونات، ليسوا أدوات لتنفيذ مخططات الغير، بل هم أبناء هذه الأرض، وركن أصيل في بنيان الوطن.
الرهان اليوم هو على وعي الشيعة اللبنانيين، وخصوصًا الجيل الشاب، الذي يجب أن يُدرك أن لا مخرج من التهميش والعزلة إلا بإعلان الولاء للبنان الدولة، لا لأي محور عابر. فإما أن يكونوا رافعة لوطنهم، أو تُفرض عليهم خيارات النكران، لا لرمز أو قائد، بل لهويتهم ومكانتهم داخل الكيان اللبناني.
وإن لم يبادر العقلاء في الطائفة إلى تصويب المسار، فقد نصل سريعًا إلى اللحظة التي "ينكرون فيها الشيعية السياسية والدينية على السواء، ثلاثًا، قبل صياح الديك في فجر السلام". وعندها، لن يُجدي البكاء على الهوية، ولا الادعاء بالضحية، لأن من يصمت عن الاختطاف، يشارك فيه. ومن لا يُعلن انتماءه للبنان أولًا، سيجد نفسه في نهاية الطريق منكرًا لذاته كلها.
شارك هذا الخبر
قبل انطلاق "موازين"... ميريام فارس توجه رسالة لجمهور المغرب
الموت يفجع كارول سماحة
لائحة "نبض الناس": رؤيتنا للبلدية أنها مساحة ثقة لا ساحة صراع
رسمياً... خيسوس خارج الهلال!
غوارديولا يعلنها: سأتوقف عن التدريب بعد مغادرة مانشستر سيتي
بخطوات بسيطة.. علّمي أطفالكِ طريقة تحضير الكوكيز
حوادث السير تخطف المزيد!
توقعات الفلك: الحظ يرافق هذه الابراج
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa