03/05/2025 02:21PM
كتب شربل الغاوي
في زمنٍ تتكدّس فيه الخطابات الإنسانية على الورق، وتُحاصر على أبواب الحدود، يأتي فيلم “Meet the Barbarians” ليهزّ المفاهيم المعلّبة، ويزرع الشكّ في يقين المجتمعات التي تدّعي التحضّر. فيلم فرنسي ساخر، مرير، كتبته وأخرجته جولي ديلبي، التي تمثّل فيه أيضًا دور المعلمة “جويل”، وهو دور لا يخلو من التورّط الرمزي، حيث تصبح المُثقّفة هي نفسها أسيرة الخوف ومحبوسة داخل قوقعة الانتماء الضيّق.
الفيلم يبدأ من قرية صغيرة تُدعى بايمبونت، حيث يسكن الناس على إيقاع رتيب من العزلة. كانت القرية تستعدّ لاستقبال عائلة لاجئة من أوكرانيا، فإذا بها تواجه “المفاجأة غير المرغوبة”: عائلة سورية. من هنا، تنكسر الرتابة، وتبدأ رحلة زلزال داخلي، لا يصيب الغريب، بل يهزّ بنية المجتمع نفسه.
“لقاء مع البرابرة” ليس فيلمًا عن اللاجئين، بل عن المجتمعات التي تكشف عن هشاشتها الأخلاقية حين تواجه “الآخر”. هو فيلم عن العنصرية المُقنّعة، عن التقدّمية الزائفة، عن القرى التي تتزيّن بالتسامح كواجهة، فيما تنخرها الريبة من الداخل.
الفيلم الذي انطلق من مهرجان تورونتو السينمائي الدولي 2024، جال على محطات دولية عدّة، من بينها مهرجان بيروت الدولي لأفلام المرأة (Beirut International Women Film Festival)، حيث حظي باهتمام نقدي وجماهيري كبير، بفضل حساسيته الموضوعية، وتقديمه صورة معقّدة عن الهوية والانتماء والعداء المغلّف باللباقة.
وسيعرض الفيلم قريبًا في صالات السينما اللبنانية، في خطوة منتظرة بشغف، لا سيما بعد التفاعل الكبير الذي رافق عرضه في المهرجان اللبناني، وما أثاره من نقاش حيوي حول مفاهيم الانتماء، النظرة إلى “الآخر”، والتعاطف الإنساني العابر للحدود.
وليس غريبًا أن يحظى الفيلم بإشادة نقدية واسعة (90% على Rotten Tomatoes)، وبتوصيفه كعمل “يساريّ يبعث على الشعور الجيّد”. لكن الحقيقة أن الفيلم لا يوزّع الطمأنينة بقدر ما يزرع القلق، ويحرّض على مواجهة الذات لا على مواساتها.
وسط هذه المعمعة، تبرز ريتا حايك، الممثلة اللبنانية، في أحد أكثر الأدوار بلاغةً بصمتها ووقعها الرمزي. تجسّد شخصية “ألما فياض”، طبيبة سورية ضمن العائلة اللاجئة، تظهر في مشهدٍ محوري لتتدخل في ولادة امرأة فرنسية من أبناء القرية. لا تنقذ فقط جسدًا في لحظة ضعف، بل تنقذ نظرة، وتُبدّد خوفًا، وتفتح بابًا جديدًا في جدارٍ من الأحكام المسبقة.
في تلك اللحظة، لا تعود “ألما” غريبة، بل تصبح مرآة للرحمة وسط الجفاء، ويدًا ماهرة تشهد على أن الإنسانية لا تحتاج إلى إذن عبور. ريتا حايك لا تكتفي بتأدية الدور، بل تحضر بأناقة صامتة تهزّ الأعماق، وتؤكّد أن القوة قد تكون في الهدوء، وأن التحوّل يبدأ أحيانًا من غرفة ولادة.
ما تقدّمه ريتا حايك في هذا المشهد، هو التمثيل في أرقى أشكاله: نقطة تحوّل شعورية، لا سياسية فقط، تُعيد للقرية إنسانيتها، وللغريب كرامته. وتؤكد أن الشرخ بين “نحن” و”هم” قد يُرمم بلحظة صدق، لا بخطاب متعجرف.
إلى جانبها، يقدّم الفيلم أداءات قوية من ساندرين كيبرلين، لوران لافيت، زياد بكري (في دور مروان فياض)، داليا نعّوس، وفارس الحلو، ضمن حبكة تُوازن بين الكوميديا السوداء والتأملات الاجتماعية الحادّة. تسير القصة على خطّ رفيع بين السخرية والمرارة، بين النكتة والطعنة.
الفيلم ناطق بالفرنسية، مدّته 101 دقيقة، تولّت توزيعه شركة Le Pacte، وسيُعرض قريبًا في صالات السينما اللبنانية، بعد جولة عروض في مهرجانات عالمية ومحلية، مع توقّعات بعرضه لاحقًا على منصات مثل Canal+، Disney+، OSN، Netflix.
“لقاء مع البرابرة” ليس عملًا ترفيهيًا، بل نصّ مفتوح على التأويل. يطرح علينا سؤالًا فاضحًا: من هو البربري؟ هل هو من أتى حاملًا فقره وشتاته… أم من راكم الغنى والخوف معًا، ثمّ أقفل بوابه باسم “التحضّر”؟
في النهاية، يُدين الفيلم بلطفٍ قاتل المجتمع الأوروبي، لا بوقاحة، بل برقيّ جارح. يضع مراياه أمامه، ويتركه ليكتشف أن البربري قد لا يأتي من الخارج… بل يسكنه منذ زمنٍ بعيد.
شارك هذا الخبر
دراسة: الشخير المنتظم قد ينذر بارتفاع ضغط الدم ومشكلات قلبية خطيرة
للتاريخ: الأهلي السعودي يتوج بلقب دوري أبطال آسيا للمرة الأولى
بالفيديو: رسالة من سلام الى اللبنانيين عشية الإنتخابات البلدية
وعكة صحية لرئيس صربيا بعد عودته من الولايات المتحدة
قيادي في التيار: نحن مع الالتفاف حول الدولة لا المقاومة والقوات قدلا ترغب بعودة النازحين السوريين
ضبط مخالفات صيد قرش في الميناء – طرابلس
الجيش الإسرائيلي: رفح تقترب من إعلانها خالية من حماس
الصين ترفض الترهيب واشنطن وتدعو لمفاوضات ندّية بشأن التجارة
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa