برّاك يعود بخطة تفصيلية: انسحاب تدريجي مقابل سحب سلاح الحزب

06:38AM

كتب داود رمال في نداء الوطن:


يمضي العدّ العكسي لعودة الموفد الأميركي توم برّاك إلى لبنان بسرعة لافتة، حاملًا ما يوصف بـ «البلاغ النهائي» حول مسار تنفيذ ما تبقّى من اتفاق وقف الأعمال العدائية، وسط مناخ سياسي وأمني محلّي وإقليميّ يتّسم بالحذر والترقّب. الجديد في جعبة برّاك أنّه لا يعود بمجرد أفكار عامة أو وعود دبلوماسية مرنة، بل بخطة توصف بأنها تفصيلية هذه المرة، تمّ إعدادها على ضوء التفاهمات التي تبلورت بعد الحرب الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة، والتي غيّرت الكثير في موازين الردع والحسابات العسكرية.


الخطة تقوم على مبدأ «الخطوات المتقابلة»، في ترجمة ميدانية لما يُسمّى دبلوماسيًا بـ «التنفيذ المرحلي». أي أن إسرائيل لن تنسحب من التلال الخمس الحدودية دفعة واحدة، بل بالتدريج، وفي المقابل يُطلب من لبنان – وتحديدًا من «حزب اللّه» – خطوات متقابلة ومدروسة في ملفّ حصر السلاح وضبط انتشاره جنوب الليطاني وشماله وعلى كامل التراب اللبناني بيد السلطة الشرعية اللبنانية. وهنا تدخل البلاد في مرحلة مفصلية قد تحدّد ملامح الأمن على الحدود لعقود، إذ سيصبح كل شبر من الأرض مرتبطًا بكلّ شبر من التفاهم الأمني، ما يعقّد المشهد ويجعله عرضة للمساومة أو التعطيل أو التبريد المرحلي الطويل.


المعضلة الكبرى التي تلوح في الأفق ليست فقط في مضمون الخطة، بل في سؤال التوقيت والتنفيذ: من سيبدأ أوّلًا؟ هل يبدأ لبنان بخطوة تُظهِر حسن النية، ما قد يعتبره البعض تنازلًا مجانيًا؟ أم تبدأ إسرائيل بإخلاء إحدى التلال كبادرة تثبيت للنية الحسنة؟ وإذا كانت هي المبادرة، من أي تلّة ستبدأ؟ هل من «رأس الناقورة» ذات الرمزية البحرية؟ أم من «تلة الحمامص» ذات السيطرة النارية؟ هذا الصراع على نقطة الانطلاق قد يُفجّر الخطة أو يؤجلها إلى أجل غير مسمّى، خاصة في ظل انعدام الثقة العميق بين الطرفين ووجود وسطاء يمشون على حد السكين.


في الداخل اللبناني، تتزايد المؤشرات إلى أن المناخ السياسي والدولي بات يضغط باتجاه مطالبة «حزب اللّه» بتخفيض سقف شروطه ومطالبه، خصوصًا بعد نتائج الحرب الإسرائيلية الإيرانية، حيث أُرسيت معادلات ردع جديدة تُضعف موقفه التفاوضي وتحدّ من هامش مناورته. وبالتالي، تُطرح بجدية مسألة من ستكون له الغلبة داخل «الحزب»: هل هم أصحاب الخط المتشدّد الذين يرون في أي خطوة تراجعية بداية النهاية لدورهم في المعادلة؟ أم المعتدلون الذين يعتقدون أن الحفاظ على المكتسبات يتطلب الانخراط في تسويات مدروسة وتفكيك الأزمة بالتدرّج لا بالتحدي؟.


في هذا السياق، تعود الأنظار مجدّدًا إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، رجل التوازنات الدقيقة وصاحب البصمة الواضحة في فرض اتفاق وقف الأعمال العدائية، رغم اعتراضات «حزب اللّه» حينها.


اليوم، يُنظر إليه كصاحب الرهان المنطقي الأخير القادر على تمرير الخطة أو ما يشبهها، دون الوقوع في فخ «البيضة والدجاجة»، أي دون جدل عقيم حول من يبدأ أوّلًا. فبري يعرف كيف يُخفي النهايات داخل البدايات، ويُلبِس التراجعات ثوب المكاسب، وهو ما يحتاجه الوضع الآن بشدّة لتجنّب انزلاق البلد نحو صيف ملتهب أو حرب زاحفة على الأبواب.


عودة برّاك هذه المرة ليست عابرة، ولا تشبه زيارات سابقيه. هي لحظة اختبار لكلّ ما تمّ التوصل إليه في الظل، وفرصة أخيرة لترجمة النوايا إلى خرائط ميدانية، أو انهيار هذه النوايا تحت ضغط التلال والحدود والتوازنات القاتلة.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa