03/08/2025 12:51PM
كتب رالف يونس:
في لحظةٍ مسرحيّة، أطلّ أحمد الشرع، الرجل الذي لطالما اقترن اسمه بالإرهاب والدم، بربطة عنقٍ أنيقة، بدلًا من اللباس الداعشيّ الميداني. تحوّلٌ مفاجئ من "قاطع أعناق" إلى "رئيس جمهورية" تصافحه الوفود، وتُعلَّق صوره في الإدارات العامة. فهل تغيّر الرجل؟ أم أن مصالح مُشغّليه هي التي تغيّرت؟ ولماذا تتكرّر هذه الثنائيات؟ "مجرم حرب" يصبح "صانع سلام"، "إرهابي" يتحوّل إلى "شريك"، و"عدوّ" يُعاد تدويره ليُصبح ورقة تفاوض؟
الغرب لا يُغيّر الأشخاص بقدر ما يُغيّر تعريفاتهم. تُعاد صياغة الشخصيات في المختبرات السياسية، حيث يُزال الدم من السيرة الذاتية، وتُصبغ بلون الواقعية السياسية. في نظر المصالح، لا شيء ثابت سوى الحاجة. فإن كانت الحاجة إلى سيف، دُعِم حامل السيف، وإن كانت الحاجة إلى ابتسامة دبلوماسية، أُلبس السيف بذلة رسميّة.
تُدار السياسة الخارجية للدول الكبرى بعقلية المخرج السينمائي لا القاضي. لا يعنيها كثيرًا سجلّ الشخص، بل قدرته على أداء الدور المطلوب في الوقت المناسب. هذا المنطق يتغذّى على ثلاث قناعات أساسية: الأولى، أنّ الإنسان ليس كيانًا أخلاقيًا، بل أداة وظيفية. فإذا خدم الإرهابي السابق هدفًا جديدًا، فهو رجل المرحلة، ويُعاد تقديمه للجمهور بابتسامة ناعمة. الثانية، أنّ العدو لا يُقتَل، بل يُعاد تأهيله؛ فالإلغاء الكامل مكلف، أما إعادة التدوير، فهي أرخص وأسهل وأكثر فاعلية. والثالثة، أنّ الذاكرة السياسية قصيرة، والمشهد سريع التبدّل، والإعلام قادر على صقل الواجهة الجديدة خلال أسابيع، وربما أيام.
ما يسمّيه البعض نفاقًا دوليًا، تسميه مراكز القرار "براغماتية استراتيجية". لا وجود لبندقية جيّدة أو شريرة، بل لبندقية مفيدة وأخرى غير مفيدة. حين كان أحمد الشرع مفيدًا كرمز للتطرّف يبرّر الضربات الجوية، ضُخّ في الإعلام كوحش. لكن حين صار من الضروري أن يتسلّم الحكم ضمن تسوية تُرضي الجميع، تمّ استحضار صورته بنسخة دبلوماسية، وطُويت صفحة الدم.
لبنان أيضًا ليس بمنأى عن هذه المعادلة. كم من سياسيّ شُتم من الغرب، ثم عاد واستُقبِل؟ وكم من "رجل محور" أصبح فجأة "ضمانة استقرار"؟ وكم من شخصية قُطع تمويلها باسم مكافحة الفساد، ثم جُمّدت الاتهامات بحجّة "الاستقرار المالي"؟ كل بندقية في لبنان تنتظر دورها: إمّا أن تُشيطَن، أو تُلمَّع.
وهنا، يبرز سؤال لا بدّ منه: ألا يمكن لحزب الله أن يُتقن لعبة تبديل الأدوار قبل فوات الأوان؟ ليس لأنّ الحزب إرهابي، فهو حركة مقاومة نشأت في سياق الاحتلال، واستمدّ شرعيته من مواجهة العدو الإسرائيلي، ولكن لأن الزمن تغيّر، والفكرة التي قام عليها باتت اليوم مهدَّدة بتبدّل التحالفات والمصالح الإقليمية والدولية. وحين ينقلب الجميع على سبب وجودك، لا يبقى أمامك إلا مراجعة أدواتك.
المنطقة تتغيّر، والغرب يُعيد خلط الأوراق. فلماذا لا يجرّب الحزب ربطة العنق؟ ليس كتنازل، بل كاستراتيجية بقاء، لأن بيئته الحاضنة ولبنان ككلّ لم يعودا يحتملان العودة إلى الحروب المفتوحة. ربّما لا يملك حزب الله رفاهية البقاء في الخندق ذاته إلى الأبد، وخصوصًا إن فتحت التفاهمات الكبرى أبوابًا لتحالفات غير متوقعة. من يدري؟ قد يُوكل إليه يومًا دور جديد، ضمن مشهد إقليميّ أكبر، إذا أتقن ارتداء ربطة العنق في اللحظة المناسبة.
التحوّل من "قاطع عنق" إلى "رجل دولة" ليس حالة شاذّة، بل قاعدة في المسرح السياسي العالمي. ربطة العنق ليست بالضرورة دليل حضارة، كما أن البندقية ليست بالضرورة برهان تطرّف. المعيار الحقيقي هو: هل ما زلتَ نافعًا؟ ففي النهاية، في عالم السياسة، الأيدي الملطخة لا تُغسَل... بل تُصافَح إن تطلّبت المصلحة.
شارك هذا الخبر
تحليق مسيّرة معادية في أجواء منطقة مرجعيون
إطلاق "شارع ضحايا 4 آب" في بيروت برعاية رئيس الحكومة: سلام يتعهّد بالعدالة ومواكبة قضائية كاملة
وفد من النادي اللبناني للدراجات النارية زار قيادة الجيش مهنئًا
أنطوان حبيب في ذكرى 4 آب: لا قيامة لوطن يُدفن فيه الحق
بلدية صيدا توضح بعد حوادث غرق: البحر غير صالح للسباحة والمنقذون تدخّلوا فورًا
البعريني يستقبل وفدًا من أصحاب الشاحنات المصادرة: "الجيش حريص على حقوق الجميع"
المرصد السوري: أربعة قتلى على الأقل إثر تجدد العنف في السويداء
المحامي أشرف الموسوي :انتصرت العدلية والسياسة معًا
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa