انفجار الجنوب… دماء شهداء الجيش ورسائل السلاح

مساء الأمس، هزّ الجنوب اللبناني انفجار مروّع في أحد المستودعات، أسفر عن استشهاد ستة من خيرة جنود الجيش اللبناني أثناء قيامهم بواجبهم الوطني. هذا الحادث الأليم لم يكن مجرد فاجعة إنسانية، بل تحوّل سريعًا إلى حدث سياسي بامتياز، لما يحمله من دلالات ورسائل في التوقيت والمكان والجهة المستهدفة.

اللافت أن الانفجار جاء بعد أيام قليلة فقط من تصريحات متشددة لقيادات في حزب الله، وفي مقدمتهم النائب محمد رعد، الذي جدد التأكيد على رفض أي خطة لنزع سلاح الحزب، بل ذهب أبعد من ذلك حين أطلق تهديدات واضحة بأن الجيش اللبناني لن يُسمح له بتنفيذ أي مهمة تمس هذا السلاح أو مواقع الحزب. هذه المواقف، التي أثارت استياءً واسعًا في الأوساط الشعبية، بدت وكأنها تمهّد لأجواء مواجهة أو رسائل ترهيب.

الانطباع الشعبي في كثير من المناطق اللبنانية – خصوصًا بعد تراكم الحوادث المشابهة – هو أن الانفجار لم يكن حادثًا عرضيًا، بل رسالة مباشرة إلى المؤسسة العسكرية، تهدف إلى كسر إرادتها وإحباط أي نية لفرض سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية. فاستهداف الجيش، بصفته رمز الوحدة الوطنية، يعني عمليًا استهداف فكرة الدولة نفسها، وإبقاء ميزان القوة مختلًا لصالح السلاح الخارج عن الشرعية.

هذا الانفجار ليس معزولًا عن سياق أوسع من التصعيد السياسي والأمني. فهو يأتي في لحظة حساسة تشهد نقاشًا وطنيًا ودوليًا حول ضرورة تطبيق القرارات الدولية والعربية التي تشدد على حصرية السلاح بيد الدولة. لكن الرسالة التي تُقرأ من بين سطور الدم والنار واضحة: أي محاولة للاقتراب من مخازن أو مواقع الحزب ستُواجَه بالدمار والخسائر البشرية.

أمام هذه الفاجعة، لا يكفي الاكتفاء بالبيانات التقليدية أو التبريرات المبهمة. المطلوب تحقيق شفاف وسريع يكشف للرأي العام كل الحقائق: ما طبيعة المستودع؟ من يسيطر عليه؟ ولماذا تواجد الجيش في محيطه؟ ومن المستفيد من انفجار يقتل ستة من جنود الوطن؟

دماء شهداء الجيش لن تذهب سدى إذا تحوّلت إلى نقطة تحوّل في مسار استعادة الدولة قرارها، وإثبات أن هيبتها لا تُقاس بعدد البيانات، بل بقدرتها على حماية جنودها ومحاسبة كل من يستهدفهم، أياً كان اسمه أو موقعه.