مواجهة طيف التعذيب في سوريا

02:23PM

في السجون والأفرع الأمنية في سوريا، طغى ظلام المجهول على عتم الزنازين. فخلال نحو 14 عامًا من الحرب، ازداد شيوع الاعتقالات التعسفية التي شملت الكثير من الأشخاص من دون محاكمة أو تحقيق. يعاني عديد من الناجين من إصابات جسدية وصدمات نفسية وحالات صحية مزمنة بسبب هذه السنوات من الانتهاك والتعذيب والإهمال الممنهج.

تقول سهى*، وهي امرأة في الخمسين من عمرها كانت قد اعتُقلت بلا تهمة عام 2018 وبقيت معتقلةً ست سنوات، "أُخذتُ إلى غرفة الحبس الانفرادي بينما قبعت بناتي في زنزانة أخرى. لم أكن أعرف عنهن أي شيء. لم آبه بالضرب الذي انهال عليّ، آملة أنني سأعرف مصير بناتي عندما يتوقف".

نالت سهى* حريتها – شأنها شأن مئات السجناء والمعتقلين – عندما تكسّرت السلاسل وفتحت أبواب السجون مع سقوط الحكومة السورية السابقة في ديسمبر/كانون الأول 2024. أمضى كثر منهم سنوات في المعتقلات تحت ظروف قاسية للغاية، محرومين من الطعام المناسب وأحيانًا من الرعاية الطبية، ومعرضين لجولات لامتناهية من سوء المعاملة الجسدية والنفسية، حسبما ورد إلى الفرق الطبية وفرق الصحة النفسية التابعة لأطباء بلا حدود.

واستجابةً للاحتياجات الطبية والنفسية الهائلة، أطلقت فرق أطباء بلا حدود برنامجًا للناجيات والناجين من سوء المعاملة في سوريا. انطلق البرنامج بنسخته التجريبية في مشروع أطباء بلا حدود القائم في محافظة إدلب. افتتحت أطباء بلا حدود عندها عيادة متخصصة في دمشق داخل مستشفى المجتهد، ثم أطلقت البرنامج في كفر بطنا في الغوطة الشرقية، والتي يأتي منها معظم مرضانا. لطالما عُرفت المنطقة بمعارضتها للحكومة السابقة، وقد عانت من الحصار والقصف الشديد.

أما البرنامج الطبي المخصص للناجيات والناجين من سوء المعاملة، فيوفر استشارات طبية عامة وإحالات إلى مرافق الرعاية الصحية المتخصصة والرعاية الصحية من الدرجة الثالثة، والدعم النفسي والاجتماعي، وخدمات العمل الاجتماعي التي تربط المرضى بالمساعدات غير الطبية من خلال المنظمات والجمعيات المحلية التي تقدم الدعم خارج نطاق خدمات أطباء بلا حدود.

وفي هذا الصدد، تقول المرجع الطبي لمشروع أطباء بلا حدود في دمشق، لورا غوارديولا، "تحمل الاعتقالات في سوريا تداعيات مؤرقة على الصحة النفسية. فالاعتقال تحت ظروف لا يمكن للعقل تصورها – من سوء المعاملة التي ترقى إلى التعذيب الجسدي والنفسي – يخلّف جروحًا عميقة ودائمة بين المعتقلين والسجناء السابقين، وهي جروح تتطلب وقتًا ودعمًا ورعاية كي تبدأ بالتعافي".

تعمل أطباء بلا حدود كذلك على الوصول إلى المزيد من النساء، ذلك أن القلة القليلة من مريضاتنا النساء أمر مؤرق، والأطفال الذين يطلبون الاستشفاء أعدادهم أقل حتى من النساء. بلغت نسبة الاستشارات مع مريضات خلال أول شهرين من أنشطة العيادة في دمشق أدنى من 15 في المئة. نجت العديد من المعتقلات من العنف الجنسي خلال اعتقالهن، ما قد يمنعهن من طلب المساعدة خوفًا من وصمة العار.

وفيما خرج الناس من المعتقل إلى واقع جديد، فهم لا يزالون يعيشون في نفس البلد، ويتذكرون تجاربهم المروعة خلال حياتهم اليومية، ما يجعل إعادة اندماجهم في المجتمع أكثر صعوبة. وعلى سبيل المثال، لن تنسى سهى* نفق المؤدي إلى المزة في دمشق، حيث أدركت أنها لن تعود إلى منزلها سالمة، وستتذكر تجربتها كلما مرّت في النفق.

تضيف سهى*، "ذلك النفق الذي – وبخلاف الحكمة – ما من ضوء في نهايته. أفكر بالانتقام. أصبحت لدي ردود أفعال غير مبررة. لا أريد أن يبقى بداخلي كره أو حقد تجاه أحد. لأنه يؤذيني أنا فقط ولا يؤذي أحدًا غيري. أريد أن أتخلص من كل ما تركته تجربتي بنفسي".

سهى* هي واحدة من 113 مريض ضمن برنامج الناجيات والناجين من سوء المعاملة الذي تديره أطباء بلا حدود في عيادتها وفي مشروعين آخرين حيث تقدم الخدمات ذاتها. تتابع سهى* حالتها مع فريق برنامجنا للناجيات والناجين من سوء المعاملة، وهي ممضية خطوة بخطوة في طريقها نحو التعافي. يؤمن فريقنا بأنه إرادتها الصلبة لم تغادرها، حتى وإن تزعزعت خلال اعتقالها، وهي تبدأ حياتها من جديد من أجل بناتها.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa