الطريق إلى الزعامة: الركائز التسعة للنجاح السياسي

25/08/2025 08:13PM

كتب الأمين العام للمؤتمر الدائم للفدرالية الدكتور الفرد رياشي:

برز في السنوات الأخيرة العديد من الحالات السياسية، والتي حاول معظمها أن يتبوأ مراكز قيادة القرار كل ضمن بيئته الطائفية، وفي بعض الاستثناءات في البيئات الأخرى. لكن، ومن الملاحظ أن جميع هذه الحالات لم تفلح في التزعم أو تقليب الطاولة. فمن التغييريين الذين برزوا إبان ثورة 17 تشرين الأول ٢٠١٩، والذين معظمهم أتى من بيئات حزبية، وصولًا إلى حالات طرحت نفسها كبديل عن قياداتها الغائبة، وخاصة على الساحة السنية مثل السيد بهاء الحريري، النائب فؤاد مخزومي، واللواء أشرف ريفي وغيرهم.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، من الملاحظ أن هناك زعامات نجحت، وأخرى تراجعت، وأيضًا منها من أفلت، على سبيل المثال رئيس الحكومة السابق السيد سعد الحريري.

في هذا المقال، سنتناول سبل ومتطلبات الوصول إلى القيادة أو "الزعامة"، بالإضافة إلى المعايير والشروط المتوجبة للزعامة الناجحة، والتي نلخصها كالآتي:

*أولاً: وجود رؤية*

تقوم الزعامة على وجود رؤية واضحة، مع تصرف استباقي Proactive Actions قابلة للتطبيق، ومدعمة برسالة Mission، وأهداف أساسية Goals وأهداف فرعية Objectives، واستراتيجية وتكتيك للتطبيق، مع وجود خطة عمل Action Plan.

*ثانياً: موارد مالية كافية*

من أهم عناصر تطبيق أي رؤية وخطة استراتيجية العامل المادي. لكن توفر المال وحده، والاعتماد على التكتيك لا يكفي أبدًا، وقد يؤدي إلى الجمود Stagnation أو أحيانًا إلى الفشل.

على سبيل المثال، مع احترامنا للاشخاص المذكورين، النائب فؤاد مخزومي، الذي لم يتمكن حتى اليوم، بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات في العمل السياسي، من استقطاب قاعدة واسعة من المناصرين، والسيد بهاء الحريري، الذي لم يتمكن من إحداث أي خرق يذكر في الساحة السنية، رغم أن والده الراحل رفيق الحريري كان من أبرز من تزعموا الطائفة السنية في لبنان والمنطقة.

ومن ضروريات الزعامة في الطائفة السنية التوجه إلى تبوؤ رئاسة الحكومة اللبنانية. أما على الساحات الأخرى، فيوجد نماذج مشابهة الى حد ما، مثل النائب نعمة أفرام، فبالرغم من انه استطاع إحداث بعض التقدم في المجلس النيابي منفردًا مقابل لوائح حزبية لديها قواعد وموارد كبيرة اضافة الى تداول اسمه كمرشح جدي لرئاسة الجمهورية، الا انه لم فلح لغاية اليوم من تحقيق حالة زعامتية بالرغم من وجود بعض الامل، ألى الوزير السابق وئام وهاب، الذي استطاع إحداث خرق في الساحة الدرزية، لكنه لم يستطع الوصول إلى زعامة الطائفة بالكامل، ربما بانتظار متغيرات مستقبلية.

*ثالثاً: العلاقات الدولية والإقليمية*

بحكم موقع لبنان وصراعاته، تحتاج الزعامات إلى سند إقليمي ودولي.

معايير قياس قوة الزعيم تبنى على قدرته على استقطاب دعم من الدول الكبرى أو القوى الإقليمية (سوريا، إيران، تركيا، إسرائيل، السعودية).

مثال على ذلك: الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي يسعى إلى نسج تحالفات مع النظام السوري وتعزيز علاقته مع المملكة العربية السعودية كونه اصبح خارج مسار الدعم الدولي، والسيد سعد الحريري الذي خسر الدعم السعودي، والمسيحيون الذين فقدوا دعم عدة جهات (فرنسا، الولايات المتحدة، سوريا، إسرائيل) واكتسبوا بعض التحالفات مع إيران، مما أضر بهم استراتيجيًا، والسعودية التي لم تصل العلاقة مع حلفاءها إلى درجة الحلف الاستراتيجي وهذا ما ترجمته الوقائع عبر انتخاب العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية بدلًا من حليفهم القريب أي الدكتور سمير جعجع، إضافة إلى التمسك باتفاق الطائف الذي اضر بدور المسيحيين في الدولة المركزية.

*رابعاً: الكاريزما*

الكاريزما والخطاب الذي يلامس وجدان الناس عنصران أساسيان للتأثير وجذب الجماهير، كما برع فيهما الرئيس الشهيد بشير الجميل وأمين عام حزب الله الراحل السيد حسن نصرالله.

ويضاف إليهما عنصر القرب من الناس؛ فبشير الجميل كان يتنقل بين الناس ويتفاعل معهم  بسكل محبب على طريقة لفلي سندويشة يا ابو طوني وكاسك يا ام الياس، بينما كان حسن نصرالله يخاطب الجماهير بلغة جسد وتعابير محددة تخاطب وجدان ناسه، الى زعيم حركة أمل، نبيه بري، الذي يظل يتابع كل التفاصيل بدقة ويماثله في ذلك السيد وليد جنبلاط.

*خامساً: الحنكة*

الزعيم القوي يعرف كيف ينجو من العواصف ويحافظ على حضوره ويقدّم نفسه كحامٍ لجماعته، رغم التحديات، والتي قد تصل أحيانًا إلى التصفية الجسدية، كما حدث مع الرئيس بشير الجميل، الرئيس رفيق الحريري، وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله.

كما برع فيهما رئيس مجلس النواب نبيه بري، والرئيس السابق ميشال عون على الصعيد التكتيكي.

*سادسا: الحكمة* 

الزعيم القوي لا يستطيع العزلة عن القوى الأخرى، كما حدث مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ويجب أن يجيد فن المساومة والمرونة السياسية، وفشل ميشال عون عندما قام بحرب التحرير من دون وجود خطة خروج Exit Plan. بينما يشهد التاريخ الحديث كيف استطاع الرئيس الراحل كميل نمر شمعون في استيعاب احداث الصفرا المؤسفة.

*سابعاً: وجود فريق عمل ناجح*

الزعيم الناجح يجب أن يكون قادرًا على اختيار فريق عمل متميز، يستمع إلى آراءهم ويستفيد منها، دون أن يكون مجرد مستشارين او "زقيفة"، كان فبشير الجميل كان يتميز بحسن اختياره لمستشاريه   لكن يبدو أنه حدث تبدل ما عند تبوئه رئاسة الجمهورية حيث قد تكون بعض قراراته قد سرعة في اغتياله.

*ثامناً: الشغف*

الشغف من العوامل المهمة؛ فمن دونه لا يمكن للسياسي أن يترك أثرًا. مثال على ذلك: تيمور جنبلاط، الذي يلاحظ البعض أنه يفتقد إلى الرغبة الفعلية في ممارسة العمل السياسي، وهو ما ظهر في مناسبات عدة.

*تاسعاً: الثقافة السياسية*

تعد الثقافة السياسية عامل مهم يدعم معظم العناصر السابقة. فمن دونها، يفقد السياسي الحجة والمنطق لتبرير وجهة نظره، ويزداد اعتماده على الآخرين، مما يعرضه لارتكاب أخطاء مكلفة أحيانًا.

*الخلاصة:*

بهذا استعرضنا ثمان عناصر أساسية لنجاح الزعيم أو الوصول إلى الزعامة، مع ملاحظة أنني استثنيت عنصر الميراث السياسي، رغم أهميته، لسببين: الأول، أننا لم نركز فقط على الوصول إلى الزعامة، بل شملنا من هم بالفعل زعماء. والثاني، أن هناك العديد ممن أصبحوا زعماء دون أن يرثوها، مثل الدكتور سمير جعجع، الرئيس السابق ميشال عون، الرئيس الراحل كميل نمر شمعون، الأستاذ نبيه بري، الرئيس الراحل رفيق الحريري، والسيد حسن نصرالله.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa