11:06AM
"النهار" - الدكتور حسّان فلحه
المدير العام لوزارة الإعلام
إن مخيلات اللبنانيين ذات المنشأ الجدلي والتربص الدائم القائمين على عقد الشك الموروثة بحكم المكان القلق والزمان المتقلب على أحوالهم، تدفعهم إلى الانزواء في أطر شديدة الإحكام على تهيؤات من ريبة الآخر، فيرسمون حدودهم لا حدود غيرهم، ويشرّعون مفردات مستحضرة بعناية لإعادة تشكيلها على مقاساتهم.
السيادة أوّل التعابير التي يستعيرونها لا آخرها، إذ إن الحرية تورد مقاما متعرج الطرقات بين منازل الطوائف وبيوتها ذات الأبواب الرفيعة المدارك، المنخفضة المدار الوطني لعلّة الخوف المستقيم على شاكلة معيشات المجبرين على الانخراط في حروب الآخرين على أرضهم، أو المستحضرين أوارها لشهوة الانتقام المستعرة دوما من الداخل. كم هم متشابهون في استعارة الشعارات الفارهة المعاني من دون استقامة الغرض. يتلبّسون "السيادة" على خطوط عرضهم وطولهم المترامية المعاني الراكنة في ملل الجدل، كما يشتهون في عصبياتهم المتفلتة من ضوابط المعايير وسنن القواعد. كأن لا تكفير عندهم في معرض التأويل كلما هبت غرائز طوائفهم من القاطنين والطارئين. هؤلاء لم يكونوا في وضع سَوي مع القيم التي ينادون بها. إنهم متسمّرون أمام عقم داخلي مزمن وانسداد أفق خارجي. هذه معابد دهرهم في جلد الذات، تعبث بهم ظنونهم ما تعبث، ويفرّون بأديانهم من مكان إلى مكان، داخل سجنهم الأكبر، الطائفية ومحرماتها.
لقد أورثونا الجدل وفنونه الفاقعة الشحوب، البادية بلا ألوان. كيف يكون اللبناني حرا مناديا بالحرية وهو أسير شهوة الولاء وجذب (سحر) التبعية في الاستقواء بالخارج، والمرتاب في لعنة الظن من الداخل؟ السيادة في لبنان يربكها الاستناد العميق إلى الشرعية التاريخية للمكونات الطائفية، مثلما افتقارها المعهود إلى قاعدة توازن القوى Balance of Power لمنع أي طائفة من التفوق على الأخرى، بما يضمن مشاركة الباقين في السلطة.
إن موضوع الصراع العربي - الإسرائيلي لم يعد بندا للمجاملة والمحاباة، بل قضية مجادلة لبنانية - لبنانية تستحضر فيها العصبيات المذهبية المدرجة في لوائح الولاءات الخارجية. حتى الاعتداءات الإسرائيلية اليومية الواقعة تحت تأثير فائض القوة المفرطة لم تلجم الذين أخذوا من الصراع الداخلي أقصى درجات التعنت في نسب التهم وتحميل المسؤولية للطرف المحلي، حتى لو استفاق العالم كل العالم برمته على فظاعة الجرائم في غزة ضد المدنيين. لقد سئم اللبنانيون الحائرون لعنة التملق إلى الخارج لكسب الكسوة والبنوة والرعاية. اضمحلت حالات التمسكن المعهودة في طلب الود الخارجي من باب المزايدة في الإقدام وتبوّء طليعة المواجهة عند لزوم ما لا يلزم. ما من وطن فيه هذا الكمّ من المغالاة في المخاصمة إلى حد التعوذ والتلوذ من نشر صورة على معلم من معالم البلد يعتقد بعض بنيه أنها معالم ذات حصرية طائفية مجملة بالمناطقية، إلا في لبنان، و لا يقدم "مسؤول" على التقزم إلى حد الصغر في المقاس والغياب في اللامرئيات والذوبان في الخفة في انعدام الوزن واللاثقل إلى هذه الحدود الفائقة التورية، إلا في زمان الضياع. أزمات كبيرة وأشباه زعامات صغيرة. كيف لوطن أن يستقيم حاله أو يضمن مآله فيما لا يقبل بعض طارئيه، أو قل بعض قاطنيه أو بنيه، استساغة صورة ذات قدسية عند بعضه الآخر، ويرفضها كأنّها الثبور وعظائم الأمور؟
لقد اختالوا أنهم حرّاس وبيادق على شواطئ الهجرة والتكفير. هذا الوطن فقد هويته أو يكاد، لأن أبناءه لم يتح لهم إلا حمل طوائفهم فقط بين دفتي هوياتهم الوطنية تلبسا من الغلاف إلى الغلاف، لا تعففا. المجتمعات والحضارات لا تُقتل، بل تموت انتحارا من الداخل كما تنبأ المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي.
شارك هذا الخبر
الأوضاع العامة على طاولة قائد الجيش والبعريني
عون ينهي زيارته لنيويورك ويؤكد دعم الجيش اللبناني مع قائد المنطقة الوسطى الأميركية
دعوة إلى دورةٍ حول مباشرةِ العمل
عبد المسيح يتضامن مع سلام ويستنكر فوضى حفل أمس
جابر: التدريب والخبرة العالمية سر تعزيز الإدارة العامة
رجي من نيويورك: قلق لبنان عميق إزاء الحملة التي تستهدف الأونروا
سلام يترأس اجتماعًا تشاوريًا في السرايا الكبيرة
نتنياهو: السلام بين اسرائيل ولبنان ممكن وأدعو لمفاوضات مباشرة
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa