الامارات تعود الى لبنان.. وبوصعب "الجندي المجهول"

14/10/2019 09:59AM

كتب السياسي دافيد عيسى: 

عادت دولة الامارات العربية المتحدة الى لبنان بعد انقطاع دام اكثر من ثماني سنوات من باب الاستثمار وتفعيل العلاقات التجارية بين البلدين من خلال مؤتمر الاستثمار اللبناني الاماراتي الذي عقد في ابوظبي، واستضافت خلاله الامارات وعلى نفقتها وفدآ وزاريآ كبيرآ، ترأسه رئيس الحكومة سعد الحريري الى جانب رجال اعمال ومستثمرين لبنانيين.

وشكل انعقاد هذا المؤتمر جرعة دعم للاقتصاد اللبناني وأضفى مسحة تفاؤل وسط أجواء كثيفة من القلق والإحباط، وكان بمثابة بارقة أمل والضوء الذي لاح في نفق الازمة... ان يأتي الدعم من دولة الامارات فهذا ليس غريباً ولا مستبعداً وإنما هو أمر طبيعي ومنتظر.

القيادة الإماراتية على كل مستوياتها وعلى رأسها ولي العهد الأمير محمد بن زايد تكن المحبة للوطن الصغير والمميز في المنطقة العربية وتعرب في كل مناسبة عن تقديرها للبنانيين العاملين والمقيمين على أرضها والذين أسهموا في نهضتها الاقتصادية، وتبدي دوماً الاستعداد للوقوف الى جانب لبنان في أزماته للتخفيف عنه وتمكينه من مواجهة ما يفوق طاقته وإمكاناته.

اللبنانيون على ثقة بأن الاشقاء العرب وفي مقدمهم قادة الخليج ولاسيما الامارات لن يتركوا لبنان لقدره ومصيره يواجه وحيداً التحديات والضغوط والعواصف الإقليمية والدولية.

واللبنانيون فرحوا كثيراً وتنفسوا الصعداء عندما أعلنت الامارات عن قرارها بتوفير كل السبل ووسائل الدعم لبلدهم، وعندما رأوا أولى المؤشرات الى ذلك برفع الحظر عن سفر الرعايا الاماراتيين الى لبنان، وأولى الثمار لنجاح مؤتمر الاستثمار الاماراتي – اللبناني من خلال مشاريع استثمارية جاهزة للتنفيذ في أقرب وقت ومن خلال اتفاقيات ستوقع قريباً في إطار اجتماعات اللجنة الإماراتية – اللبنانية العليا، او ما حكي عن تقديم مساعدة مالية من خلال الاكتتاب في اصدار سندات الخزينة بالدولار او من خلال وديعة مصرفية...

والمهم في كل ذلك ان أبو ظبي اتخذت قرارها بدعم لبنان في أوقاته العصيبة وأثبتت عملياً حرصها على حماية الاستقرار في لبنان ومنع حصول أي اهتزاز أو انهيار مالي واقتصادي فيه.

المسؤولون والوزراء ورجال المال والاعمال والاقتصاد عندما عادوا الى بيروت عبروا عن بالغ تقديرهم وامتنانهم للحفاوة التي أحيطوا بها، وللتنظيم الدقيق الذي طبع المؤتمر في جلساته التي توزعت على عدة قطاعات استثمارية أبرزها: الطاقة المتجددة والامن الغذائي والنفط والغاز، كما لفتهم ان المسؤولين في الامارات كانت لديهم احاطة كاملة بالوضع في لبنان وعلى دراية واطلاع على كل نواحي الازمة التي يمر بها وحاجاته ومتطلباته في هذه المرحلة للنهوض من جديد.

وكل ذلك لم يكن ليحصل ويتحقق على النحو الأفضل لولا الثقة الكبيرة للقيادة الاماراتية بالحريري ورغبتها في مساعدة لبنان على تخطي ازمته، ولولا الدور الفعال الذي لعبه سفير دولة الامارات في لبنان الدكتور حمد الشامسي بداء بالتحضيرات التي سبقت المؤتمر والجهود الجدية والمثابرة على حل هذا الملف مدفوعاً من محبة خاصة يكنها للبنان وشعبه وعبّر عنها دوماً من خلال مبادرات وخطوات لم تميز بين المناطق والطوائف.

وقد لاقاه في مساعيه وجهوده عدد من المسؤولين اللبنانيين من بينهم وأبرزهم وزير الدفاع الوطني الياس بو صعب الذي ساهم في إنجاح المؤتمر وشارك فيه والتقى على هامشه عدداً من المسؤولين الاماراتيين.

لقد كان وزير الدفاع اللبناني في هذا المؤتمر "الجندي المجهول" وكان ناشطاً في كواليسه وفي مرحلة التحضيرات، ولم يعد خافياً على أحد ان ملف عودة الاماراتيين الى لبنان لعب دورآ اساسيآ فيه الياس بو صعب بحكم العلاقة الوطيدة التي تربطه بمسؤولي هذه الدولة التي عاش وعمل بها لسنوات طويلة، وعقد لقآت عديدة بعيدة عن الاضواء في هذا الخصوص مع وزير الدولة للشؤون الخارجية انور قرقاش وبالتنسيق مع السفير الدكتور حمد الشامسي في بيروت، ومن المؤكد انها كانت بمباركة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل الذي يحوز ايضآ على ثقتهم وبحكم موقعه الرسمي كوزير للدفاع بحيث أنه قادر على توفير ما طلبته أبو ظبي من تأكيدات وتطمينات أمنية لرفع الحظر عن سفر مواطنيها الى لبنان.

لبنان الذي يئن شعبه تحت ثقل أزمة اقتصادية خانقة، ويرزح تحت أثقال وأعباء كبيرة أولها عبء النزوح السوري، وجد في مبادرة الامارات ما ينعش أوضاعه ويبلسم جراحه، وفي المؤتمر الاستثماري ما يبث الحيوية والنهوض في أوضاعه الاقتصادية التي دخلت في المنطقة الحمراء.

ولا يبقى أمام الحكومة اللبنانية الا إثبات انها جديرة بهذا الدعم وأنها مدركة تماماً لما هو مطلوب منه كي تستحقه، فلا ننتظر مساعدة من أحد، شقيقاً كان ام صديقاً، إذا لم نساعد أنفسنا كلبنانيين، دولة وحكومة، وإذا لم نبادر وسريعاً الى إجراء إصلاحات ملحة واتخاذ قرارات صعبة وموجعة لم تعد تنتظر تأجيلاً ومماطلة. وهذه الإصلاحات والقرارات ليست مطلوبة فقط من أجل مؤتمر سيدر للحصول على أمواله ومشاريعه وتلبية شروط الفرنسيين، وانما مطلوبة أيضاً وأكثر من أجل مؤتمر أبو ظبي ولتحفيز الإماراتيين على المجيء الى لبنان والاستثمار فيه ومواصلة دعمه. وهذا لن يحصل ولن يكون مستداماً الا إذا توافرت في لبنان بيئة جاذبة للاستثمارات في ظل دولة راعية وعادلة وحديثة وسلطة تحترم القوانين وتنفذها وحكومة تعرف ما لها وما عليها وتحترم تعهداتها والتزاماتها الإصلاحية الداخلية والسياسية الإقليمية خصوصاً لجهة الالتزام بدور لبنان وانتمائه وعلاقاته مع الدول العربية ولاسيما دول الخليج والابتعاد عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والتزام الحياد الإيجابي وتأدية رسالة لبنان كبلد وسيط وجسر تواصل ومركز لتلاقي وتفاعل الأديان والثقافات.

وليعلم اللبنانيون، حكومة وشعباً، مسؤولين وأحزاباً، ان الدعم الأوروبي مهما بلغ شأنه وحجمه لا يغنيهم عن الدعم العربي الخليجي وأن مؤتمر سيدر مهما أعطي حجماً وأهمية، لا يحجب مؤتمر أبو ظبي ولا يخفف من وهجه وتأثيره. والأيام ستثبت ان المؤتمر الاستثماري الاماراتي – اللبناني كان نقطة تحوّل في مجرى الازمة الاقتصادية في لبنان وكذلك في مجرى العلاقات بين الامارات ولبنان التي كانت جيدة وحارة ومميزة وستصبح أكثر جودة وحرارة وتميزاً.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa