معركة ادلب بين "القيصر" و "السلطان".. من ينتصر؟

13/02/2020 09:03AM

كتب يحيى شمص في "السياسة": 


شعلتان ملتهبتان، والكهان ينتظرون امر "الله"، وهو ينتظر القربان وكأن ورد الارض كله لا يكفي عرشه، ماذا اقترفت يداه حتى يصدقوا رؤياه، صعد مرتعش القلب والروح، صاحوا به.. "هيا تقدم انت وحدك.. تقدم"، وفيما هو يسير نحو المذبح الحجري، تسللت نحو عيناه نظرات "آلمارتا" الجميلة، كادت تنفجر بكاء، ماذا تقول، فهي لا تحبه.. هي تعشقه، لم تودعه بل قالت في نفسها "خذني معك كي اشفى منك وفيك، لك حبنا وغناؤنا".. اما هو ففي دمه الجواب، من شدة تعبه لم يرى الا الماء من غبش السراب، ها قد وصل الى المنصة، القاتل ينظر اليه وكأنه يقول "لا اريد قتلك.. لم نقتل الابرياء الا لنمتحن القيامة".. هل هو من ضحايا القربان، ام ان القربان ضحيتهم وضحية الألهة، ما هي الا لحظات حتى سقطت المقصلة، في تلك اللحظة لم يذكر اي شيء، بقي وحيدا حتى لا يخسر كل شيء، هي ساعة لغموض ميلاد النهار، فرح "الملك" ظنا منه انه "الله"، اما هو فقد خسر نفسه.. لكن بقي وطنه.

انها واحدة من قصص كثيرة تكررت على درب المقاومات التي رفضت الظلم لبلادها، تمسكت بوطنها، كانت قضيتها واضحة، ولكن اذا راقبنا مراحل الحرب السورية وهي الاشد فتكا في هذا العصر لتعددت المشهدية حول هوية من يحدد المصالح السورية الحقيقية، اشتدت المعارك منذ اكثر من 8 سنوات، التناقض مخيف بين اللاعبين الاقليميين والدوليين، المسرح السوري محط تفاهمات ومقايضات، من يسيطر ميدانيا يفرض خيارات بديلة قد تنجح وقد تصطدم باجندات خفية لدى اطراف الصراع. 

في ظل الانكفاءة الامريكية الحذرة يشتد الكباش بين انقرة وموسكو، انها ادلب تنذر بنسف اتفاق سوتشي او اقله محاولة تعديل بنود الاتفاق، السؤال هو، لماذا قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فتح نار ادلب على صديقه اللدود الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، هل هي ساعت تضارب المصالح الروسية التركية ام ان للايرانيين اهداف ترتبط بضرب النفوذ التركي ومن خلفه الامريكي في سوريا؟

منذ دخول روسيا بقواتها إلى ساحة المعركة السورية أواخر عام 2015، والدفة تحولت تدريجيا لصالح دمشق، حتى تم ضرب كل المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة وانتهت بانسحابهم إلى إدلب، وفي بداية 2017 بذلت تركيا وروسيا جهودا لخفض التصعيد ومع سقوط معظم المناطق  في يد القوات السورية تمسك أردوغان بمنع أي اجتياح لإدلب لانهاء الازمة السورية لصالح موسكو معتبرا اياها "القلعة" السورية الاخيرة له. 

كسرت الالة العسكرية السورية اعتقاد انقرة الراسخ بأن دمشق لا تجرؤ على القيام بأي خطوة عسكرية في ادلب، ما رفع خطورة الموقف قصف القوات السورية نقاط المراقبة التركية وقتل عدد من الجنود الاتراك، ما يؤشر الى قرار روسي ايراني سوري كبير بخوض معركة ادلب حتى النهاية.

الأطراف الموجودة في إدلب اعتمدت على اتفاق سوتشي 2018 بين الطرفين الروسي والتركي، ورغم العمليات العسكرية التي لم تتوقف منذ توقيع الاتفاق، فإن الطرفين حاولا الإبقاء على مظلته لتنظيم علاقاتهما الميدانية، تدرك موسكو أن"الفصائل المنضبطة" في درع الفرات وغرب حلب نتيجة التفاهمات مع تركيا ستؤزم تموضعها بسوريا في حال غياب الضامن التركي، لا يغيب عن حسابات بوتين امكانية عودة اردوغان الى حضن واشنطن في حال تبدلت الرياح الاقليمية، هو يعلم ايضا ان المصالح الروسية التركية ومهما كبرت ليست بحجم الاستراتيجية الامريكية التركية المشتركة في المنطقة، وعلى راسها الازمة السورية.

الأهداف الأولية من التصعيد العسكري شمالي سوريا هو السيطرة على طريقين رئيسيين يربطان دمشق بحلب، والسيطرة على إدلب يضمن إبعاد "المعارضة السورية" عن اللاذقية حيث تتمركز القوات الروسية، هذه الاهداف تسعى اليها موسكو عبر مد الجيش السوري بدعم كبير للتقدم نحو عمق ادلب، هذا السيناريو يتوقع تنفيذه، في حين ينتظر اردوغان دعما امريكيا لا يبدو متوفرا حتى الساعة، خصوصا ان الرئيس الامريكي دونالد ترامب منشغل بالتحضيرات للانتخابات الرئاسية المقبلة.

قد يكون اردوغان الاكثر استفزازا لسيد الكرملين، فبعد تاكيده أن بلاده لم ولن تعترف بـضم روسيا لشبه جزيرة القرم، استهل زيارته إلى كييف بتحية ثلة من حرس الشرف اصطفت لاستقباله بعبارة" المجد لاوكرانيا"، وهي عبارة  نشأت كتحية في وسط القوميين المتطرفين الأوكرانيين المناهضين لروسيا، ولكن ما هي قدرة اردوغان على اخضاع بوتين من بوابة ادلب السورية؟ 

يريد اردوغان تعميق جرح الدب الروسي في سوريا لانه غير قادر على قتله، ربما موسم الشتاء هذا اشد دفئا على بوتين للعبور نحو ربيع اجمل، عبور كان بوتين الاكثر نجاحا ودهاء فيه خلال محطات سورية عديدة تمكن خلالها من سحب البساط مرات متكررة من تحت اقدام "السلطان"، لذلك تبقى المعارك في ادلب سيدة القرار في تعزيز او كسر "الحاجز التركي" نحو تتويج نصر "القيصرية البوتينية".

المصدر : السياسة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa