معضلة الصومال.. المواطنون يعانون من المجاعة والحكومة تخشى الإقرار بها رسميا

07/11/2022 03:13PM

طالبت منظمات إغاثية السلطات في مقديشو بالإعلان رسميا عن وجود مجاعة للبلاد، بغية جذب المساعدات الدولية والإنسانية على البلاد لإنقاذ حياة الملايين كما حدث في المجاعة التي ضربت البلاد في العام 2011، بيد أن الحكومة ترفض ذلك لأسباب براغماتية وفقا لما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

وفي حين أكدت المنظمات الإنسانية أن الإعلان عن مجاعة خطيرة تهدد البلاد سوف يلفت انتباه المانحين الغربيين الذي يركزون على الأزمات الإنسانية في أوكرانيا، فإن حكومة الرئيس الصومالي،حسن شيخ محمود، التي تسلمت مقاليد الحكم في مايو الماضي ترفض بشدة اتخاذ ذلك القرار.

فبحسب خبراء فإن الحكومة الوليدة تخشى أن يؤدي الإعلان رسميا عن وجود مجاعة في البلاد إلى أن يقوض ذلك مصداقيتها أمام الرأي العام الذي يدعمها أو يعطي مزيدا من النقاط لحركة الشباب الإرهابية التي تخوض القوات الحكومية حربا ضروسا في مناطق عدة.

كما تخشى الحكومة الصومالية أن يؤدي إعلان المجاعة إلى نزوح الناس من المناطق المتضررة إلى المدن والبلدات الرئيسية، مما يؤدي إلى استنفاد الموارد الشحيحة بالفعل وزيادة معدلات الجريمة.

ويرى الاقتصاديون في الحكومة أن الكشف عن وجود مجاعة بشكل رسمي قد يردع المستثمرين ويحول أموال المساعدات الدولية نحو الاستجابة لحالات الطوارئ بدلا من تقديم أموال التنمية طويلة الأجل لتمويل المخصصة برامج الرعاية الصحية والتعليم والقدرة على التكيف مع المناخ.

وكان الرئيس الصومالي قد أقر بوجود هذه المعضلة عندما صرح في سبتمبر، قائلاً: "هناك مخاطر عالية جدًا للإعلان عن مجاعة"، موضحا أن مثل ذلك القرار "لا يمس ضحايا المجاعة فقط، بل  سوف يوقف التنمية ويغير الكثير من الأمور".

وخلال الأسابيع العديدة الماضية، أصر عمال الإغاثة المحبطون على البلاد بلغت عتبة المجاعة في بعض المناطق، وطالبوا الحكومة في عدة اجتماعات بضرورة إعلان عن ذلك بشكل رسمي للفت انتباه المجتمع الدولي إلى الأزمة.

ولا تؤثر حالة الجوع الطارئة على الصومال فقط، التي يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة، فهي تمتد إلى ما يقدر بنحو 37 مليون شخص في القرن الأفريقي بسبب الجفاف الذي يضرب المنطقة جراء التغيرات المناخية في الأعوام الأخيرة.

مخاوف من تكرار "مأساة 2011"

ويخشى عمال الإغاثة في الصومال تكرار ما حدث في عام 2011، عندما مات أكثر 140 ألف شخص في المجاعة قبل إعلانها رسميًا.

وقال أحد عمال الإغاثة الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة الأمور الحساسة: "الحكومة تخشى كلمة المجاعة.. لكن الوضع كارثي وكلما طال الانتظار فإن الأمور سوف تزداد سوءًا".

من جانبه اعترف مبعوث الرئيس الصومالي للاستجابة للجفاف، عبد الرحمن عبد الشكور، بأن وكالات الإغاثة كانت تضغط على الحكومة لإعلان المجاعة، لكنه نفى أن تكون الحكومة مترددة في القيام بذلك. 

وأكد أنه لا يوجد دليل ملموس على تجاوز عتبات مثل هذه الأزمة. كما قال إنه يتعين على الدول الغنية الوفاء بالتزاماتها لمساعدة الدول الفقيرة مثل الصومال على التعامل مع آثار أزمة المناخ.

ولفت عبد الشكور، الذي كان يقوم بجولة في العواصم الغربية لزيادة الوعي بالوضع، في مقابلة عبر الهاتف إلى أن "القضية ليست دفع الصدقات أو التبرع للصومال..إنها تتعلق أيضًا بالعدالة (الدولية)".

ويمكن تحديد المجاعة إذا كان 20 في المائة من الأسر في منطقة ما تواجه نقصًا حادًا في الغذاء، وإذا كان 30 في المائة من الأطفال هناك يعانون من سوء التغذية الحاد، وإذا كان هناك شخصان بالغان أو أربعة أطفال من كل 10 آلاف نسمة يموتون كل يوم من الجوع. 

وإذا كان بإمكان الخبراء تصنيف المجاعة، وبمقدور المنظمات الإنسانية التحذير منها، فإن قرار إعلان المجاعة في النهاية يقع على عاتق حكومة الدولة المعنية ووكالات الأمم المتحدة.

وفي هذا الصدد يقول مدير معهد رعد لأبحاث السلام في العاصمة مقديشو، محمد حسين جاس، إنه من خلال التراجع عن إعلان المجاعة، يهدف المسؤولون الصوماليون إلى كسب الوقت، ويأملون في أن يتحقق التمويل الذي تشتد الحاجة إليه في النهاية على أي حال.

وتابع مستدركا: "لكن هذه ليست سياسة جيدة.. نحن بحاجة إلى التحرك بسرعة لإنقاذ الأرواح".

وفي سياق متصل، أوضحت مديرة اتحاد المنظمات غير الحكومية الصومالية،  نيمو حسن،  إن التعريفات الفنية للمجاعة لا ينبغي أن تكون ذريعة للتقاعس عن العمل.

وأضافت: "الوضع يفوق الموارد، وأنت تحاول إطعام شخص يحتاج إلى شرب الماء بالتنقيط بسرعة".

وتوقعت المراجعة الأخيرة للوضع في الصومال، والتي نُشرت في سبتمبر، حدوث مجاعة في منطقتين في منطقة الخليج الجنوبي بين أكتوبر وديسمبر، وأن ظروف الجفاف القاسية ستستمر حتى أوائل العام المقبل.

"خطوة محفزة"

وكان خبراء في الأمم المتحدة قد انتهوا من جمع البيانات بشأن حالة الجفاف ويقومون حاليًا بتحليلها قبل نشر نتائجهم في منتصف نوفمبر، وهي  خطوة قد تحفز السلطات على إصدار إعلان رسمي عن المجاعة.

ويعيش ما يقرب من مليون صومالي في مناطق يتعذر الوصول إليها، بما في ذلك البلدات والقرى التي تسيطر عليها حركة الشباب الإرهابية،وقد قدر خبراء الأمم المتحدة أن الظروف هناك كانت مماثلة، إن لم تكن أسوأ، من المناطق التي جرى فيها جمع البيانات.

وأدت سيطرة حركة الشباب على مناطق شاسعة من جنوب الصومال إلى تفاقم المجاعة في عام 2011، وفي أواخر أكتوبر، ناشدت الأمم المتحدة المجموعة للسماح لوكالات الإغاثة بالوصول غير المقيد لمساعدة الصوماليين المنكوبين بالجفاف.

وتقول وكالات الإغاثة إنه منذ سبتمبر، عندما قالت الأمم المتحدة إن المجاعة "على الأبواب" في الصومال، زاد التمويل الدولي، وخاصة من الولايات المتحدة. 

لكن الخبراء قالوا إن جهود جمع الأموال لا تنمو بالسرعة المطلوبة وإنه كان يتعين على المانحين الاستجابة لتحذيرات العام الماضي المبكرة لمنع حدوث وفيات ونزوح على نطاق واسع الآن.

ومع إحكام الجفاف قبضته على الصومال، أعلنت السلطات أيضًا حربًا شاملة على حركة الشباب بدعم من الميليشيات العشائرية المحلية. 

ويقول بعض الخبراء إن السلطات كان ينبغي أن تركز على إنقاذ الأرواح أولاً وأن الهجوم الأخير لن يؤدي إلا إلى مزيد من النزوح.

لكن عبد الشكور دافع عن العملية العسكرية للحكومة، قائلاً إن حركة الشباب الإرهابية ساهمت في المعاناة من خلال تفجير الآبار وابتزاز المدنيين وفرض الضرائب عليهم.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa