الاحتياجات الهائلة لمرضى الحروق في المخيمات السورية حيث يعيش الآلاف في ظروف خطيرة

07/05/2025 11:15AM

بعد 14 عامًا من الحرب في سوريا وسقوط نظام الأسد، لا يزال أكثر من 7.2 مليون شخص نازحين داخل البلاد، ويعيشون في مخيمات تفتقر إلى أبسط المقوّمات مثل التدفئة والكهرباء. لذلك، تُعدّ إصابات الحروق الناجمة عن وسائل التدفئة غير الآمنة أمرًا شائعًا، إذ تعالج منظمة أطباء بلا حدود آلاف حالات الحروق الشديدة سنويًا في مستشفاها في أطمة بشمال غرب سوريا.

ومنذ أن فرضت إدارة ترامب تخفيضات واسعة على التمويل الأمريكي هذا العام، ساءت الأوضاع وأُجبرت الكثير من المرافق الصحية على إغلاق أبوابها. لذلك فلا بد من ضمان زيادة الدعم المالي لسوريا الآن للسماح بإطلاق استجابة شاملة تلبي احتياجات ملايين السوريين الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية.


كانت خيمة محمّد تشبه آلاف الخيم الأخرى التي تنتشر في الأراضي الزراعية الموحلة بالقرب من الحدود بين سوريا وتركيا قبل أن تلتهمها النيران. وتحت أغطيتها البلاستيكية الرطبة، كان يجتمع مع عائلته ليشربوا الشاي ويتدفّؤوا بموقد خشبي قديم.

وعلى غرار الكثير من المخيمات في شمال غرب سوريا، يقع مخيم أنين الساحل في منطقة جبلية نائية، حيث الشتاء قاسٍ، وخدمات التدفئة والرعاية الصحية شحيحة. فدرجات الحرارة القارسة والأمطار الغزيرة تحوّل الأرض طينًا، فيما تعصف الرياح الباردة بالخيم الهشّة التي تأوي آلاف العائلات النازحة.

وفي أحد أيام الشتاء تلك، حاول محمد إشعال مدفأته الخشبية مستخدمًا المازوت أو الديزل، وهو الوقود الأكثر شيوعًا في المخيمات بسبب سهولة توفره وتكلفته المنخفضة. وبينما كان يصبّ الوقود على الحطب، انفجرت العبوة البلاستيكية التي خُزّن فيها.

ويقول محمّد، "لم يكن في العبوة سوى نصف لتر من الديزل تقريبًا عندما انفجرت. بدأت النيران تلتهم جسدي من قدمي وحتى يدي. وعندما اشتعلت في يدي، لم أعد قادرًا على إطفائها".

بينما يتعافى محمد على سرير في مستشفى أطمة بشمال غرب سوريا، تُغطي الضمادات ذراعيه ويديه. ويتذكّر حالة الذعر التي انتابته حين اشتعلت النيران في الخيمة خلال ثوانٍ، وكان أشقاؤه يحاولون خنق الحريق بالبطانيات.

هُرع بمحمد إلى مستشفى الساحل لتلقي العلاج الطارئ، ثم أُحيل إلى مستشفى الحروق التابع لأطباء بلا حدود في أطمة كونه المرفق الوحيد المتخصص بعلاج الحروق في المنطقة.

تعدّ قصة محمد واحدة من مآسٍ كثيرة يشهدها هذا الجزء من سوريا. ففي عام 2012، افتتحت أطباء بلا حدود وحدة الحروق في أطمة لعلاج النازحين الذين يصابون من جراء الحرائق أو التعرّض للمياه المغلية، وتطوّرت مع مرور السنوات لتصبح مستشفى جراحيًا وتأهيليًا. وفي عام 2024 فقط، استقبل المستشفى 8,340 حالة طارئة جراء إصابات طارئة بالحروق – أي بمعدل 23 مريضًا يوميًا.

أما عليا، فحالها كحال ملايين السوريين الآخرين الذين فرّوا مع عائلتهم من القصف خلال الحرب الأهلية في سوريا، إذ استقرت في مخيم السلاطة في خربة الجوز. دُمّر منزلهم، ولا تزال الألغام منتشرة في قريتهم، ولم يتمكّنوا من العودة منذ سقوط نظام الأسد في عام 2024.

تقول عليا، "يحتاج الناس في المخيمات إلى كل شيء، حتى خدمات المياه قد انقطعت منذ تحرير سوريا. لقد مضت 13 سنة من البرد والجوع والمعاناة".

وكما حدث مع محمد، تعرّضت عليا لحروق أثناء محاولتها إشعال المدفأة بالديزل. وقد نُقلت إلى مستشفى أطباء بلا حدود، حيث أمضت أسبوعين خضعت خلالهما لعدّة عمليات جراحية وتغييرات يومية للضمادات. ورغم تعافيها، لا تزال تقيم في الظروف الخطرة نفسها التي تسببت في إصابتها.

وتوضح، "لديّ ثلاثة أطفال ووالدهم كبير في السن. لا أعرف كيف سأتمكن من تدبّر أموري. لا يوجد ماء ولا مساعدة وقد أصبحت الحياة شديدة الصعوبة في المخيمات".

تشير التقديرات إلى أنّ قرابة 7.2 مليون شخص لا يزالون نازحين داخل سوريا بعد أكثر من 13 عامًا من الحرب، ويعيش معظمهم في مخيمات تفتقر إلى الكهرباء والتدفئة والمياه النظيفة.

وقد أتت التخفيضات في التمويل الأمريكي التي أقرّتها إدارة ترامب لتزيد هذه المعاناة، إذ فرضت قيودًا شديدة على قدرات الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية. ومنذ نهاية فبراير/شباط 2025، تأثّر نحو 4.4 مليون شخص في تسع محافظات سورية بالتخفيضات الأمريكية، ما أسفر عن إغلاق أكثر من 150 مرفقًا صحيًا من بينها 19 مستشفى و97 مركزًا للرعاية الصحية الأساسية و20 فريقًا طبيًا متنقلًا و15 مركزًا متخصصًا. هذا وأظهر تقييم أُجري مؤخرًا في شمال غرب سوريا أن تخفيضات المساعدات الخارجية طالت 178 مرفقًا صحيًا في محافظتي إدلب وحلب.

ويوضح محمّد، "كانت المستشفيات والنقاط الطبية متوفّرة، ولكن الآن، توقّف معظمها عن العمل، حتى مستشفى الأمومة والأطفال أُغلق بعد انقطاع الدعم عنه".

وسط شحّ البدائل، يبقى مستشفى أطباء بلا حدود في أطمة شريان حياة حيوي، إذ يوفّر خدمات الجراحة والعلاج الفيزيائي والدعم النفسي، كما يؤمّن أقنعة الوجه المصنوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد التي تساعد في تقليل الندوب وتسريع التعافي.

يقول محمّد، "في مستشفى أطباء بلا حدود، يساعدني الممرضون بتغيير ضماداتي. خضعت لعمليتين جراحيتين، الأولى لتنظيف موقع الإصابة  [لإزالة الجلد الميت والمواد الغريبة من الجرح]، والثانية لزراعة الجلد. لكنني أعيش في ريف جسر الشغور، وأحتاج إلى قطع مسافة طويلة للوصول إلى المستشفى".

رغم سقوط نظام الاسد في سوريا، لا يزال أشخاص مثل محمد وعليا عاجزين عن العودة إلى منازلهم. فالألغام الأرضية والبنية التحتية المدمّرة وانعدام الخدمات الأساسية تبقيهم عالقين في المخيمات، فيما فاقم خفض التمويل الأميركي وضعًا كان يائسًا في الأساس.

ويختتم محمد قوله، "كل ما أريده هو أن تعود الحياة إلى طبيعتها، وأن تعود الخدمات متوفّرة في مناطقنا من جديد. لقد عانينا بما يكفي طوال 14 عامًا".


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa