07:20AM
كتبت سيدة نعمة في “نداء الوطن”:
تحوّل موسم قطاف التفاح في لبنان من مجرد “انفراجة مادية” للمزارع إلى “مواعدة سنوية” مع همّ تصريف المحاصيل، ففي جبال لبنان، حيث تتفاوت الحرارة والارتفاعات وتكتسب الثمار لونها المميز ونكهتها الفريدة، لا يُقاس موسم التفاح فقط بإنتاجه، بل بصمود المزارعين وقدرتهم على مواجهة الإهمال الحكومي وسلسلة الأزمات المتراكمة على القطاع.
موسم التفاح هذا العام، هو الأول في “العهد الجديد”، ما يجعله فرصة حقيقية لقياس مدى جدية الوزارات المعنية في دعم المزارع اللبناني وحماية إنتاجه، بعد سنوات طويلة من الإهمال والخسائر الناتجة عن ضعف السياسات الزراعية، تقليص التصدير إلى الأسواق الخارجية، وفوضى في ضبط التجار.
وتبرز إشكالية أساسية من هذا الواقع: هل ستنجح الحكومة الجديدة في حماية المنتج المحلي وتنظيم السوق، أم سيبقى المزارع رهينة للتقلبات المناخية، لتقلبات الأسعار، وممارسات التجار الذين يستغلون ضعف الرقابة؟
وقف استيراد التفاح
في هذا الإطار أعلن وزير الزراعة، نزار الهاني، عن وقف استيراد التفاح نهائيًا في 30 أيلول 2026، مؤكدًا أن الوزارة لم تمنح أي إجازات لاستيراد التفاح خلال الأشهر الماضية. ويشير لـ “نداء الوطن” إلى أن هذا الاستيراد يقتصر على بعض الكميات من إيطاليا في أواخر الربيع، عند امتلاء البرادات المحلية.
ويوضح الهاني أنه اجتمع مع المستوردين في القاهرة والإسكندرية وعدد من المدن الأخرى، حيث أبدوا استعدادهم لاستيراد كميات كبيرة تصل إلى 100 ألف طن، إلا أن القدرة الشرائية في مصر منخفضة، ولا يمكن مقارنتها بالأسواق الخليجية.
وقال إنّ “دول الخليج تستورد التفاح اليوم، لكن الاستثناء كان السعودية”، لافتًا إلى أنّ المملكة أيضًا أوقفت الترانزيت، ما تسبّب في الأزمة الحالية. ويؤكّد أن شحن التفاح عبر البحر محفوف بالمخاطر، خصوصًا مع الوضع الأمني المتوتر في البحر الأحمر بين الحوثيين وإسرائيل.
يضيف: “الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان أبدى موقفًا إيجابيًا خلال زيارته الأخيرة للبنان، كما تلقينا تأكيدًا شبه رسمي بأن الملف سينتهي خلال أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع مقبلة، موضحًا أن السفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري أبدى بدوره موقفًا إيجابيًا بعد اللقاء، وتمّ الاتفاق على اجتماع مشترك لمناقشة التفاصيل.
ويشير وزير الزراعة إلى دور رئيس الحكومة، نواف سلام، في متابعة الملف، وذكر أن كل المشاركين في الاجتماعات اقترحوا في حال عدم رغبة السعودية بشراء التفاح اللبناني، فتح باب الترانزيت على الأقل، موضحًا أن الوزارة لا تنوي تصدير كل المحصول، بل جزء منه، بالإضافة إلى جزء من محاصيل البطاطا.
وفي الداخل، أكد الهاني أن وزارة الزراعة تعمل على تعديل وإصدار القرارات الخاصة بالمعايير المطلوبة للمحاصيل، مشيرًا إلى القرارات الأخيرة المتعلقة بالحليب واستصلاح الأراضي، ضمن مسار أوسع نحو الزراعة المستدامة وتبنّي الأساليب الحديثة.
وأشار إلى اتفاقية “التّيسير” مع الدول العربية، التي تسمح بإعفاء المحاصيل الزراعية من الرسوم الجمركية، لكنه رأى أنه يجب إعادة النظر في الالتزام بها، خاصة مع دول مثل العراق والأردن وسوريا التي لا تلتزم بها، مؤكداً أنه رفع كتابين لمجلس الوزراء بهذا الخصوص.
واختتم الحديث برسالة للمزارعين داعيًا إياهم الى التركيز على جودة الإنتاج والاستخدام الرشيد للمياه، مؤكدًا أن الإنتاج المحلي يبقى الأهم بالنسبة للمستهلك اللبناني، مشددًا على أنّ الجميع عليهم دعم المنتجات الوطنية.
تحديات… ومضاربة
يعود النقاش إلى صميم معاناة المزارعين اللبنانيين الذين لطالما اشتكوا من المضاربات الأجنبية وغياب الحماية الفعلية للمنتج المحلي. وفي هذا الإطار، يضع نقيب المزارعين إبراهيم ترشيشي موسم التفاح الحالي تحت المجهر، مشيرًا إلى التحديات المناخية والاقتصادية التي أثّرت على المحصول، وإلى الآمال المعلّقة على خطوات حكومية جدّية تعيد الثقة إلى هذا القطاع.
يقول ترشيشي إن “واقع موسم التفاح هذا العام يختلف بين منطقة وأخرى، إذ شهدت مناطق مثل بشري والعاقورة إنتاجًا جيدًا، فيما تراجعت المحاصيل في المناطق القريبة من الساحل نتيجة ارتفاع درجات الحرارة التي وصلت إلى 47 درجة، إضافة إلى قلّة الأمطار وجفاف الينابيع. موضحًا أنّ المحصول هذا العام لا يتجاوز الـ 50 % مقارنة بالسنوات الماضية، وهي ظاهرة عالمية مرتبطة بتأثيرات التغيّر المناخي”.
على صعيد الأسعار، يعتبر ترشيشي أنّ الموسم الحالي أفضل من سابقه، إذ يتراوح سعر الصندوق (22 كيلوغرامًا) بين 10 و20 دولارًا، بعدما كان العام الماضي لا يتجاوز 4 إلى 10 دولارات. لكنّه يشير في المقابل إلى أنّ كلفة الإنتاج ارتفعت بشكل كبير بسبب غلاء الأسمدة والحاجة إلى شراء صهاريج مياه للريّ، ما كبّد المزارعين خسائر إضافية رغم تحسّن الأسعار.
وعن التحديات المستمرة، يشدّد ترشيشي على أنّ المزارع اللبناني لا يزال يعاني من غياب الدعم الرسمي، قائلاً إن وزارة الزراعة، كسائر الوزارات، لا تملك الأموال الكافية لتعويض المزارعين أو مساعدتهم، ما يتركهم في مواجهة مصيرهم وحدهم.
أما في ما يتعلق بتصريف الإنتاج، فيؤكّد أنّ التصدير إلى الخارج يسير هذا العام بوتيرة مقبولة بفضل الجهود المبذولة من قبل وزير الزراعة، الذي عقد اجتماعات مع مستوردين في القاهرة وسهّل دخول التفاح اللبناني إلى السوق المصرية عبر البحر الأبيض المتوسط.
ورغم التحديات، دعا ترشيشي المزارعين إلى التمسك بأرضهم وعدم تركها، مؤكداً أنّ “الأرض هي عائلة”، وأنّ المزارعين في لبنان اعتادوا الصمود وتحمّل الأزمات والحروب، على أمل أن يستجيب القدر وتتحسّن الظروف. لكنه في المقابل حذّر من أنّ المزارع اللبناني دفع ثمنًا باهظًا نتيجة إقحام بعض “تجار المخدّرات غير اللبنانيين” بضائعهم غير الشرعية ضمن المنتجات اللبنانية، الأمر الذي ساهم في إقفال أسواق كالسعودية أمام الإنتاج اللبناني.
تجّار التفاح “سماسرة”
ويرى ترشيشي أنّ موسم هذا العام أفضل نسبيًا من حيث الأسعار والتصدير، إلّا أنّ الصورة على الأرض لا تبدو بالسهولة نفسها. فالمزارع في بشري، كما في مناطق أخرى، يواجه أعباء باهظة من كلفة الأسمدة والمازوت وشحّ المياه، إلى استغلال التجار وضعف السوق المحلي، ما يجعل الفارق واضحًا بين الأرقام التي تُعلن والواقع الذي يُعاش في البساتين.
ويقول أحد مزارعي التفاح في منطقة بشري إنه واجه الكثير من المشاكل والتحديات خلال الموسم الحالي، أبرزها سوء نوعية الأدوية والأسمدة المستخدمة، التي لم تكن مناسبة وأثّرت سلبًا على المحاصيل.
ويضيف أن السوق المحلي ضعيف الاستهلاك، ما يفتح الباب أمام التجار، أو كما يسميهم “سماسرة”، لاستغلال المزارعين. فمع اقتراب الشتاء وخوفًا من سقوط التفاح عن الأشجار، يضطر المزارع إلى بيع محصوله بأسعار متدنية، تصل أحياناً إلى 14 أو 15 دولارًا للصندوق، حتى لو كانت الثمار ذات جودة عالية ولا تستحق أن تُباع بهذا السعر المتدني.
ويشدد على وجود تقصير من الدولة تجاه القطاع، سواء في ما يتعلق بالكهرباء والمياه أو بمراقبة نوعية الأسمدة والأدوية التي تدخل إلى لبنان، فضلاً عن غياب أي رقابة جدية على حركة التجار. ويوضح أن بساتين التفاح تقع في مناطق مرتفعة فوق الينابيع، ما يستدعي استخدام مضخات لضخ المياه، لكن غياب الكهرباء أجبر المزارعين على تشغيل المولدات والاعتماد على المازوت، الأمر الذي كبّدهم أعباء مالية هائلة.
ويلفت إلى أن الوضع تغيّر كثيرًا عمّا كان عليه في الماضي، إذ كان التجار يشترون مئات آلاف الصناديق من التفاح، بينما اليوم بالكاد يشترون ألفين أو ثلاثة آلاف صندوق. كما أنّ غلاء الأسمدة والأدوية الزراعية يدفع بعض المزارعين إلى اللجوء إلى المنتجات الأرخص، ما ينعكس حكمً على نوعية المحاصيل ويضعف جودتها.
ويطرح المزارع حلولًا عملية لدعم القطاع، مثل تأمين طاقة شمسية للمضخات والينابيع، أو توزيع أسمدة بشكل مدعوم يخفف عن المزارع نصف كلفة الإنتاج. ويشير إلى أن إنتاج منطقة بشري كان يصل سابقًا إلى أربعة أو خمسة ملايين صندوق سنويًا، لكنه تراجع اليوم إلى نحو ثلاثة ملايين فقط، بسبب استخدام أسمدة غير صحية تسببت بتغيّر لون أوراق الأشجار.
ويختم: “آلاف العائلات في بشري تعيش من موسم التفاح وحده، من دون أي مصدر دخل آخر، ما يجعل من دعم هذا القطاع ضرورة وجودية”.
وقف الاستيراد… إشكالية قانونية؟
بالعودة إلى كلام الهاني عن وقف الاستيراد نهائيًا، يفتح هذا الموقف الباب أمام إشكالية قانونية أساسية: على أي نصّ قانوني أو مادة دستورية يمكن أن يستند الوزير لاتخاذ قرار بهذا الحجم؟ فتنظيم الاستيراد والتصدير في لبنان لا يُترك للاجتهاد، بل تحكمه مواد صريحة في قانون تنظيم التجارة الخارجية، إضافة إلى المراسيم والقرارات الصادرة عن مجلس الوزراء. كذلك، يندرج هذا القرار ضمن إطار حماية الإنتاج المحلي، وهو مبدأ منصوص عليه في القوانين اللبنانية ويُستخدم للحدّ من المنافسة غير العادلة التي قد تضرّ بالمزارع اللبناني.
قانون “حماية الإنتاج الوطني” الذي صدر بموجب المرسوم رقم 1204 تاريخ 18/12/2006، يشكّل إحدى الركائز الأساسية في أي سياسة زراعية أو تجارية تسعى إلى دعم الاقتصاد المحلي، إذ يضع هذا القانون آليات واضحة لحماية المنتجات الوطنية من المنافسة غير العادلة، سواء عبر فرض رسوم جمركية إضافية أو عبر وضع قيود على دخول بعض السلع الأجنبية التي قد تُغرق السوق المحلي وتُلحق أضرارًا مباشرة بالمزارع، وبالتالي، فإن تطبيق هذا القانون لا يعني فقط حماية المزارعين، بل يشكل أيضًا أداة للحفاظ على الأمن الغذائي الوطني وتعزيز استقلالية لبنان الزراعية.
إلى جانب ذلك، يأتي قانون “تنظيم التجارة الخارجية” – المادة 11 من قانون الجمارك، ليُكمل هذه المنظومة، حيث يمنح الإدارة العامة، عبر وزارتي الزراعة والاقتصاد، صلاحيات واسعة في ما يخص تنظيم عمليات الاستيراد والتصدير. فمن خلال اشتراط الحصول على إجازات استيراد مسبقة لبعض المنتجات الزراعية، تكتسب السلطات التنفيذية القدرة على ضبط الكميات المستوردة، أو حتى وقفها عند الضرورة، بما يحمي السوق المحلي من الفوضى أو من إغراقه بمنتجات أجنبية قد تؤدي إلى انهيار أسعار الإنتاج الوطني.
لكن تطبيق هذه القوانين لا يخلو من تحديات، إذ يتطلب توازنًا دقيقًا بين حماية المزارع واحترام الالتزامات التجارية الدولية التي يرتبط بها لبنان، مثل الاتفاقيات الثنائية مع الدول العربية أو اتفاقية “التيسير” التي تنص على إعفاءات جمركية متبادلة، فهل يكفي قرار وزاري لضبط السوق ومنع الاستيراد؟ أم أن المشهد يحتاج إلى منظومة متكاملة من القوانين والإجراءات كي لا يتحول القرار إلى مجرد خطوة ظرفية؟
شارك هذا الخبر
اختراق سيبراني يستهدف بيانات آلاف الأطفال!
شاومي تتحدى آبل بهاتفي 17 برو و17 برو ماكس
باسيل: التيار الوطني الحر تيار السيادة والهوية اللبنانية
زعيم كوريا الشمالية يهدد: المقاومة النووية خيارنا الثابت
الشاي الأخضر... درع طبيعي ضد الشيخوخة والأمراض
ما حقيقة تأثير خل التفاح على الوزن؟
جمجمة صينية تعيد رسم خريطة تطور الإنسان!
خامنئي: الفريق المقابل يكذب في كل شيء ويهدد عسكرياً بالخداع في كل وقت
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa