قلق الحرب يعود إلى بعلبك الهرمل بلا خطط واضحة

07:11AM

كتب عيسى يحيى في نداء الوطن:

مع مرور عام على اندلاع الحرب الأولى بين إسرائيل و “حزب اللّه”، يعود الحديث بقوّة عن احتمال توسّع المواجهة مجدّدًا وتوجيه إسرائيل ضربة جديدة، ما يعيد إلى الواجهة السؤال عن الاستعدادات المحلية في المناطق الأكثر عرضةً للخطر، لا سيّما في بعلبك الهرمل المحافظة الأكبر مساحة، والتي شكّل فيها التضامن بين الأهالي النازحين والبلدات المضيفة خلال الحرب الماضية نموذجًا يحتذى به شعبيًا، وينتقد سياسيًا بسبب تصريحات المسؤولين وتخوين البيئات المضيفة وراعيها السياسي على مدى عام.

عاش البقاع الشمالي العام الماضي تجربة قاسية على مدى ستة وستين يومًا، اضطرّت خلالها آلاف العائلات إلى ترك منازلها في بعلبك ودورس والهرمل، ومعظم البلدات التي يشكّل المكوث فيها خطرًا على الحياة، والنزوح نحو بلدات أكثر أمانًا كدير الأحمر، القاع، رأس بعلبك، وعرسال، حيث فتحت أبواب منازلها، والمدارس والكنائس وقاعات المساجد، لاستقبال الهاربين من جحيم الغارات. وفي وقت عانى النازحون والبلدات المضيفة معًا واقعًا صعبًا نتيجة عدم تأمين المستلزمات كما هو مطلوب، والعجز أمام الكمّ الهائل من الناس، وقصر يد البيئة المضيفة عن تأمين كافة المستلزمات، والقتال أحيانًا باللحم الحيّ ومن جيوب الناس الخاصة، وتراخي الدولة في مكان آخر، تقف البلديات اليوم أمام اختبار جديد: هل هي جاهزة لسيناريو مماثل أو أكثر تعقيدًا؟

ورغم أن المؤشرات العسكرية والسياسية ضبابية، إلّا أن النقاش الدائر محليًا يدور حول مجموعة من الأسئلة: هل وضعت البلديات خطط إجلاء واضحة؟ هل هناك أماكن آمنة مهيّأة فعلًا لاستقبال الناس؟ ماذا عن المواد الغذائية والأدوية في ظلّ الحديث المتكرّر عن احتمال فقدانها أو ارتفاع أسعارها؟ والأهم أين الدولة من كلّ هذه التحضيرات، وهل تنسّق مع البلديات أم تتركها وحيدة لمواجهة سيناريو حرب محتملة وربّما أوسع من المرة الماضية؟

في أكثر من بلدة، يتحرّك رؤساء البلديات بصورة فردية أو بالتعاون مع فاعليات محلية لوضع تصوّر أوّليّ يشمل تحديد مراكز استقبال، أو تلك التي كانت مستخدمة سابقًا، من مدارس وقاعات، والتواصل مع المنظمات الدولية لتأمين المساعدة الطارئة عند الحاجة. لكن هذه التحرّكات تبقى محدودة، من دون خطة وطنية واضحة وشاملة تحدّد آلية الإخلاء والتموين والإيواء، فالبلديات تواجه نقصًا في الإمكانيات المالية واللوجستية.

رئيس بلدية بعلبك أحمد الطفيلي قال لـ “نداء الوطن”: “على الرغم من كلّ الأجواء المتشنجة والتوقعات بعدوان صهيوني قريب، إلّا أننا لا نعتقد أن عدوانًا كهذا سيحصل فعلًا ضمن الظروف الحالية، غير أن بلدية بعلبك تعمل من باب الاحتياط على تأمين الجهوزية لأي حالة طارئة، ولن توفر أيّ جهد وفقًا للإمكانيات المتاحة والمتوفرة حاليًا والاستفادة من الخبرات السابقة. وعليه، قامت البلدية بالتنسيق مع وحدة الحدّ من مخاطر الكوارث في الصليب الأحمر، بتدريب أعضاء المجلس وكوادر من الموظفين والعمّال ليكونوا على جهوزية للعب أدوار في حال حدوث أي طارئ، كما قامت بتوزيع المهام اللازمة، وهي تعمل مع الوحدة على استكمال خطة الطوارئ، كذلك، فالبلدية على تنسيق دائم مع إدارة الكوارث في المحافظة ومع كافة الأجهزة المعنيّة بأعمال الإغاثة من أجهزة أمنية وإسعاف ودفاع مدني وغيره”.

وأكد أن البلدية تقوم بصيانة دوريّة لتأهيل الآليات التي يمكن أن تستخدم خلال أيّ طارئ، داعيًا إلى اعتماد اللامركزية في الاستجابة لأي طارئ وعدم ربط هذه المساعدة والاستجابة بالإدارة المركزية.

بدوره، قال رئيس بلدية بتدعي جان فخري ورئيس اتحاد بلديات دير الأحمر لـ “نداء الوطن”: “إن تجربة النزوح في منطقة دير الأحمر خلال ستة وستين يومًا العام الفائت كانت لها نقاط قوة ونقاط ضعف، ولا نخاف على ناسنا لأنه عند المصائب والأزمات يتكاتف الناس مع بعضهم البعض، فستون بالمئة من النزوح كان نحو المنازل، لكن السؤال: هل الدولة اللبنانية أجرت قراءة لما حدث خلال الحرب الماضية؟ وهل تحضرت لتكون المدارس والمراكز مجهّزة في فصل الشتاء بالتدفئة والطاقة وغيرهما؟ من هنا، نطلق نداءً جديدًا للدولة اللبنانية وإدارة الكوارث أن يتمّ تحضير هذه المراكز ليكون بوسعها استقبال الناس. أما النقطة الثانية، فتتعلق بمستودعات للمواد الغذائية والطبية وفرش وحرامات، فهل هناك مستودعات في المناطق الآمنة؟ نحن أثبتنا نجاحنا في إدارة الأزمة، لكن يبقى الدور الأساسي على الدولة اللبنانية أن تقوم بعملها لتهيئة المراكز وغير ذلك”.

وأكد فخري “أن لا قدرة للبلديات ماديًا ولوجستيًا على مواكبة المرحلة في حال حصولها، ففي المرحلة الماضية كان هناك دعم من المغتربين، والسؤال يبقى: هل الدولة تعمل على دعم البلديات ماديًا؟ وهل المسؤولون عن المجتمع الذي يمكن أن يتمّ النزوح منه، وضعوا رؤية واستراتيجية للاستجابة لهذا النزوح؟”

من جهته، صرّح رئيس بلدية القاع بشير مطر لـ “نداء الوطن” قائلًا: “إن هناك حديثًا عن تصعيد عسكريّ يفوق المرة الماضية، ما ينعكس على سلامة البلد اقتصاديًا وغير ذلك، ومن جهة أخرى، نسمع عن احتمال توغل سوري عبر البقاع لعدّة أسباب”. أما عن الاستعدادات فيشير  إلى “أن ذلك في التفكير فقط، ولم نلمس أي استعدادات على مستوى الحكومة والدولة ككلّ، فلا تطوير لمراكز الدفاع المدني، ولا إنشاء مراكز دم، ولا تطوير للمستشفيات بسبب النقص الموجود في الطاقم الطبي والمعدات الطبية، وصولًا إلى أزمة المياه والجفاف”

أمّا السؤال الذي يفرض نفسه: ما هو الموقف الذي سنتخذه في حال وقوع الحرب؟ يجيب مطر: “سبق لنا أن استقبلنا ما يقارب سبعة آلاف نازح خلال الحرب، وقمنا بواجبنا، وكان هناك تحرّك متأخر من الجمعيات والدولة، واليوم، هناك حديث عن تدمير كبير سيحصل، والنزوح سيكون أكبر، ولا قدرة للنزوح نحو سوريا، وعليه، فإن التنوع اللبناني الموجود قيمة مضافة، كونه يؤمّن مناطق آمنة”.

وأضاف: “أن المناطق الآمنة والمتنوّعة التي أوت النازحين خلال المرحلة السابقة، يجب على الدولة والبيئة الشيعية و “الثنائي” أن يحافظوا عليها، وللجميع مصلحة في الحفاظ عليها، فهي مصدر غنى للمنطقة، ورغم ما تعرّضنا له في القاع من البعض بقطع المياه عن القاع، سنستقبل مجدّدًا كلّ الناس، فنحن أبناء رجاء وإيمان وكنيسة، وهذا واجب، ورغم العتب الموجود على التخوين بسبب الانتماء السياسي والديني، وصولًا إلى العداء بسبب الموقف السياسي نتيجة السلاح وهذا حقنا في التعبير، فنحن سنفتح أبوابنا ومنازلنا ونستقبل أهلنا من المنطقة”.

وأشار إلى أن الوضع المديّ للبلديات يستدعي قيام الدولة بدفع المستحقات للبلديات لتقوم بواجبها في حال حصول شيء، مضيفًا أن هناك جزءًا من الناس لن يقوم بتأجير منازله، وعليه، سيكون الضغط على مراكز الإيواء، وفي حال كان التدمير كبيرًا، فالضغط سيكون أكبر، وعليه، تفرض الحاجة المطلوبة والضرورية التحرّك، “لكن الدولة بميل ونحن بميل”، وفق تعبير رئيس بلدية القاع بشير مطر.

إذًا، وفي ظلّ تضاعف المخاوف والكلام المتزايد في الأوساط الشعبية عن احتمال انقطاع المواد الأساسية، ما يضع المواطنين أمام هواجس جديدة تتعلّق بواقعهم المعيشي وليس فقط بسلامتهم، تبدو الدولة والبلديات مطالبة معًا بالتحرّك السريع ولو ضمن الإمكانات المتاحة، تفاديًا لتكرار مشاهد الفوضى والنزوح العشوائي التي شهدها البقاع قبل عام.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa