لبنان أمام محكّ قرارٍ «على النار» بشأن ديْنه... َيدْفع أو لا يَدْفع

13/02/2020 06:37AM

لم يتسنّ لحكومةِ الرئيس حسان دياب أن تلتقطَ أنفاسَها بعد «الثقةِ المنقوصة» التي خرجتْ بها من البرلمان (أول من أمس) على وقع «انشطارٍ سياسي» عبّر عن نفسه بتموْضع «نصف لبنان» (الذي يغيب عنها) في معارضةٍ غير جبْهوية، وهديرِ الشارع الذي يطارُدها باعتبار أنها ليست ابنة «ثورة 17 أكتوبر» وأهدافها بتشكيلةِ مستقلّين تمهّد لانتخاباتٍ مبكرة.

فلم تكد الحكومةُ أن تطوي رحلةَ العبورِ الصعب في البرلمان وما رافَقَها من التباساتٍ دستورية ورسائل سياسية وهبّةِ رفْضٍ شعبية كبيرة، حتى عَكَس أول يوم عملٍ لها بعد وضْعها «قبّعة» الثقة، ولو المهشَّمة، دقّةَ المهمةِ الملقاة على عاتقها في قيادة دفّة ما يفترض أنه «سفينة تاتينيك» وتغيير «قَدَر» انهيارٍ مالي يطلّ من خريطة أرقامٍ كارثية.

ولم يكن أوّل «اعترافٍ» من دار الفتوى اللبنانية بدياب رئيساً للوزراء وهو ما ظهّره استقبالُ المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان له أمس، كافياً لمحوِ آثار «الثقة المهرَّبة» التي نالتْها حكومتُه، وتالياً تصحيح الصورة التي تشي بأن تشكيلة «وكلاء» فريق «اللون الواحد» (ثنائية فريق الرئيس ميشال عون و«حزب الله») ستجد صعوبةً كبيرة في «الصمود» بوجه الأزمة المالية - الاقتصادية الأعتى التي تضرب البلادَ العالقة بين تَوازُنٍ سياسي داخلي بالغ الاختلال وبين انعدام الوزن الاقليمي في الواقع اللبناني وبُعْده الخارجي.

وفيما تَرَك التشدُّد الأمني الكبير الذي طَبَع التعاطي مع المُنْتَفِضين في «ثلثاء الغضب» علاماتِ استفهامٍ حول إذا كان الأمر يعكس نَمَطاً من التعاطي سيحكم محاولات الائتلاف الحاكم وضْع لبنان على طريق الإنقاذ بناء على إجراءاتٍ مؤلمة يشكّل كل منها «صاعق تفجير» شعبياً، وهو ما عزّز الخشيةَ منه كلامُ الرئيس عون عن «أن قسماً كبيراً من المتظاهرين بات يشكل فريقاً راديكالياً رافضاً لأيّ مقترح، بحيث بتنا معه لا نعلم ما الذي سيطلبه بعد وقد لا يعجبه أي من الاجراءات التي ستتخذها الحكومة»، بدتْ الحكومة في أوّل انطلاقتها وجْهاً لوجه أمام استحقاقاتٍ داهمة يتعيّن عليها حسْم خياراتها بإزائها بما يكشف أوراقَها لجهة كيفية مقاربة مجمل «كرة النار» المالية - الاقتصادية في موازاة مسارعة المجتمع الدولي إلى التذكير بموجبات لبنان تجاه الشرعية الدولية و«واجباته» الإصلاحية كإطارٍ ناظمٍ لأيّ دعْم خارجي لعملية الإنقاذ الشائكة.

وفي هذا الإطار، اقتربتْ الحكومةُ من «لحظة الحقيقة» التي يمثّلها استحقاق سداد إصدار اليوروبوندز في 9 مارس المقبل بقيمة 1.2 مليار دولار (ما يوازي 800 مليون دولار من السندات يحملها مستثمرون أجانب و 400 مليون محلية)، والحاجة إلى قرارٍ تَأَخَّرَ حيال الخيارات التي ستُعتمد حياله وأحلاها مُرّ، سواء بالدفع (للأجانب) وإجراء «سواب» مع حَمَلَة السندات المحليين، أو الامتناع عن الدفْع من ضمن مسارٍ غير منظّم، أو عدم الدفْع ولكن في إطار تَفاهُم على مخرج منظّم وبالاستناد إلى خطة تشمل إعادة هيكلة الدين العام.

وإذ يرتكز أي قرار في شأن استحقاق مارس على أن أي استنزافٍ إضافي لاحتياطات مصرف لبنان (هي عملياً ما تبقّى من أموال المودعين) عبر السداد سيعرّض «الأمن الغذائي» للبنانيين للخطر في ضوء تغطية «المركزي» استيراد السلع الاستراتيجية بـ «الدولار المدعوم»، ازدادت المؤشراتُ إلى أن قوى وازنة في الائتلاف الحاكم تدْفع باتجاه عدم الدفع وجعْل ذلك مستنداً إلى تَشاوُرٍ تقني مع صندوق النقد الدولي تحت عنوان إعادة هيكلة الدين العام بما «يُوَزِّع المسؤوليات» حيال مثل هذا القرار غير المسبوق في تاريخ الجمهورية اللبنانية.

وصدرتْ أمس إشارةٌ بهذا المعنى حمَلها ما نُقل عن مصدر حكومي من «ان لبنان سيطلب رسمياً خلال الساعات المقبلة من صندوق النقد مساعدة فنية لوضع خطة لتحقيق الاستقرار فيما يتعلق بأزمته المالية والاقتصادية، بما في ذلك كيفية إعادة هيكلة دينه العام»، موضحاً «ان لبنان يسعى لمشورة من الصندوق بشأن إذا كان سيسدد استحقاقات السندات الدولية، في ظل مخاوف من أن أي إعادة صياغة للديون يجب أن تتم بطريقة منظّمة لتجنب إلحاق أضرار بالنظام المصرفي للبلاد»، وهو ما ترافق مع إعلان شركتيْ «جريلوك كابيتال» و«مانجارت أدفيسورز» أن مجموعة من الدائنين الدوليين للبنان، تشمل الشركتين، نظمت «مجموعة نقاش غير رسمية» وأن هذه المجموعة «ستبدأ تقييم خيارات بشأن كيفية إدارة المقْرضين لتطورات الوضع في لبنان، وهي ستسهّل التواصل بين الدائنين المختلفين وعلى أهبّة الاستعداد للانخراط بأي مباحثات مع الجمهورية اللبنانية».

وعشية جلسة مجلس الوزراء اليوم التي رجّحت بعض المعلومات أن تخرج بخياراتٍ في هذا الملف، برز استباقُ «جمعية مصارف لبنان» أي قرار في هذا الشأن معتبرة «أن التخلف عن سداد ديون لبنان الخارجية يشكِّل حدثاً جللاً تتوجّب مقاربته بكثيرٍ من الدقة والتحسّب، وأن المطروح في الواقع هو إعادة برْمجة الدين أو إعادة هيكلته بالتفاهم مع الدائنين، ويتطلب إنجاز هذا الأمر وقتاً»، ومشيرة إلى «ان من الطبيعي أن الفترة المتبقّية حتى استحقاق مارس قصيرة جداً لا تتيح التحضير والتعامل بكفاءَة مع هذه القضية الوطنية»، ومعتبرة أنه «حمايةً لمصالح المودعين ومحافظةً على بقاء لبنان ضمن إطار الأسواق المالية العالمية وصوناً لعلاقاته مع المصارف المراسلة وجُلَّها من الدائنين الخارجيّين نرى وجوب سداد استحقاق مارس في موعده».

وفيما كانت الحكومة منهمكةً باجتماعاتٍ مالية متلاحقة، أطلّت «مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان» بمواقف «تذكيرية» بمضمونِ ما يشبه «بروتوكول» المساعدة لـ «بلاد الأرز» والذي يرتكز على بُعدين سياسي وإصلاحي، إذ دعت في بيان لها لمناسبة نيْل الحكومة الثقة «لاتخاذ مجموعة من التدابير والإصلاحات الملموسة وذات الصدقية والشاملة بسرعة وبشكل حازم لوقف ومعاكسة الأزمات المتفاقمة، ولتلبية احتياجات ومطالب الشعب اللبناني»، مؤكدة «أهمية العمل لاستعادة ثقة الشعب اللبناني والمجتمع الدولي وتفعيل المساعدات الدولية المستقبلية للبنان»، ولافتة في الوقت نفسه الى «الحاجة للاستقرار الداخلي وحماية حق التظاهر السلمي»، والى «أهمية تطبيق لبنان قرارات مجلس الأمن 1701 و 1559 (نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية) والقرارات الأخرى ذات الصلة، وكذلك اتفاق الطائف وإعلان بعبدا (النأي بالنفس) والتزاماته التي قطعها في مؤتمرات بروكسل، باريس وروما».

وفي موازاة ذلك، كان الرئيس عون يؤكد أن «كل مَن مدّ يده الى الخزينة سيحاكَم بموجب القوانين وفي ظل محكمة خاصة متخصصة بالجرائم المالية الواقعة على المال العام»، مبدياً ثقته بأن «لبنان سيستعيد عافيته وريادته»، ومعتبراً أن «مرحلة جديدة بدأت بعد نيل الحكومة الثقة في ظل الأزمات التي يعانيها لبنان، لا سيما مالياً واقتصادياً».


المصدر : الراي الكويتية

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa