واشنطن وموسكو عودة إلى فترة الحرب الباردة؟ وسباق "تسلّح نووي" مقبل؟

25/10/2018 07:30AM

ـ بديع يونس ـ

 

وضع إعلان الرئيس الاميركي دونالد ترمب نيّته الانسحاب من معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى ، العالم في مواجهة معادلة جديدة، قد تصل في حدها الأقصى إلى الانخراط في سباق نووي. عزا الرئيس الاميركي قراره الأخير إلى عدم التزام الروس بالمعاهدة وتطوير سلاح نووي وصاروخ متوسط المدى يخالف المعاهدة الموقعة عام 1987 والتي دخلت حيّز التنفيذ في عام 1988. فما هي هذه المعاهدة, وظروفها وتفاصيل توقيعها أصلاً؟

معاهدة الحد من السلاح النووي متوسط المدى:

 

في عام 1983 ظهر مصطلح "حرب النجوم" ضمن الحرب الباردة القائمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.هذا المصطلح ارتبط بمبادرة الدفاع الاستراتيجي التي تم إطلاقها من قبل الرئيس الاميركي رونالد ريغان في 23 آذار 1983 لـ"استخدام الأرض والنظم الفضائية لحماية الولايات المتحدة من هجوم بالصواريخ الباليستية النووية الاستراتيجية." رُصدت لها ميزانية 26 مليار دولار على مدى 5 سنوات وواكبتها أقصى درجات السرية.


وبعد أربع سنوات, استُنزفت فيها موارد الاتحاد السوفياتي (على حساب الشعب) لمواكبة التطور العسكري الأميركي والحفاظ على ميزان القوى مع الأميركيين, تم في عام 1987  توقيع المعاهدة بين الرئيسين رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف بلحظة فاصلة سطّرت كتابة الفصل الأخير من الحرب الباردة. وساعدت المعاهدة التي وقّعت في واشنطن ودخلت حيز التنفيذ في الأول من يونيو (حزيران)1988، في التخلص من آلاف الصواريخ المنصوبة على اليابسة التي يبلغ مداها أكثر من500 كلم.

 

التصريحات الأميركية والروسية الأخيرة.. اتهامات متبادلة:

 

وضع إعلان الرئيس الاميركي دونالد ترمب نيّته الانسحاب من المعاهدة العالم في مواجهة معادلة جديدة، قد تصل في حدها الأقصى إلى الانخراط في سباق نووي.

ترمب الذي لا يتردد في اتخاذ قرارات جريئة ومفاجئة، اتّهم روسيا بأنّها "تنتهك منذ سنوات عديدة"معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى. وأضاف: "لا أعرف لماذا لم يتفاوض الرئيس باراك أوباما عليها أو ينسحب منها. نحن لن نسمح لهم بانتهاك اتفاقية نووية وتصنيع أسلحة في حين أنّنا ممنوعون من ذلك".

في المقابل, ردّ المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف قائلا:"إذا طوّرت الولايات المتحدة سلاحاً نووياً سنقوم بالمثل".

وكان سبق قرار ترمب بيومين،كلام لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف شكك في الفرضية القائلة إن انتشار الأسلحة النووية وتوازن الرعب يضمنان عدم حصول حرب نووية. بل قال إن "فرضيةاستحالة الحرب النووية التي صيغت في العهد السوفياتي بالتعاون مع الولايات المتحدة تحتاج إلى التأكيد في الظروف الراهنة". وتحدّث في هذا السياق عن عمل دول حلف شمال الأطلسي على "تكديس الأسلحة على الحدود الروسية والتوجه نحو تحديث البنية التحتية الخاصة بطرق النقل لضمان سرعة وصول المعدات العسكرية الأميركيةالثقيلة".

وربط لافروف هذه التطورات بالعقيدة النووية الأميركية الجديدة التي اعتمدتها وزارة الدفاع "البنتاغون".



وثيقة بنتاغون حول السياسة النووية:

 

صدرت في فبراير (شباط) الماضي2018 حول العقيدة النووية الأميركية. في مقدمتها كتب وزير الدفاع جيم ماتيس أنه منذ آخر مراجعة للموقف النووي عام 2010، تغيرت البيئة الاستراتيجية العالمية،فكوريا الشمالية تستفزّ المجتمع الدولي، وروسيا والصين تحدّثان أسلحتهما وتتخذان إجراءات أكثر جرأة تتصل بقواتهما العسكرية التقليدية.

وفيما العقيدة الأميركية تتحدث عن خفض الحد من استخدام الأسلحة النووية وتصنيع أسلحة نووية صغيرة جداً, إلا أنّ الروس رأوا فيها نية واضحة لجعل هذا النوع من الأسلحة وسيلة محتملة لخوض الحرب.وهذا ما ينسف من الناحية النظرية كل الاتفاقات القائمة التي تعتبر هذه الأسلحة بموجبها أدوات للتخويف وللردع المتبادل لا لممارسة العمليات العسكرية.

وتنص وثيقة البنتاغون على أن واشنطن ستواصل استثمار الأموال في تصميم الأسلحة النووية ذات القدرات الصغيرة،بالإضافة إلى تحديث مكونات "الثلاثي النووي"، أي الصواريخ العابرة للقارات والغواصات الاستراتيجية والقاذفات.

لكن, وفق الأميركيين قام الروس بتطوير صاروخ يصل مداه إلى 2600كلم وهو ما ينسف هذه المعاهدة. فما هو هذا الصاروخ؟

صاروخ نوفاتور
9M729

 

هو صاروخ روسي متوسط المدى من نوع كروز يصل مداه إلى 2600 كلم. الولايات المتحدة تتهم روسيا بخرق معاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، بدعوى أن مدى الصاروخ يتعدى المؤشرات المتفق عليها في معاهدةعام 1987 (حيث لا يجب أن يتخطى المدى الـ500 كلم).

بالتالي فإنّ مداه يشكل تهديداً دولياً يمسّ دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) قبل أي جهة أخرى.

يحمل هذا الصاروخ نظام توجيه وفي مقدمته يحمل راساً حربياً نوويا بوزن يترواح بين 400 و 500 كلغ. يبلغ طول هذاالصاروخ 8 أمتار. يسمح لروسيا بتنفيذ ضربات نووية بعد إشعار قصير الأجل, وبالتالي لا يسمح ذلك لدول ناتو التي قد يستهدفها هذا الصاروخ بالاستعداد لمواجهته, وفق الرواية الأميركية.

يمكن أن يتم إطلاقه من منظومة"اسكندر" التي يمكنها أن تطلق صاروخين في الدقيقة.

قراءة في هذه الأحداث:

إذن,

35 عاماً... على ما عُرف بـ"حرب النجوم"

و30 عاماً.. على دخول معاهدة ريغن - غورباتشيف حيز التنفيذ للحد من الأسلحة النووية متوسطة المدى.

 

يبدو أنّ سباق تسلّح جديدٍ قديمٍ أميركي - روسي يلوح في الأفق مع نيّة الرئيس ترمب الانسحاب من المعاهدة.. فهل نحن اليوم أمام "سباق نووي جديد"؟

 

في علم السياسة يقالُ إنّ توازن القوّة يمنع المواجهة.. لكن وفق روسيا, فإن فرضية استحالة الحرب النووية في الثمانينيات تحتاج للتأكيد عليها في الظروف الراهنة.

 

في واشنطن, يربط محللون قرار ترمب بمستشاريه من "الصقور"، مثل مستشار الأمن القومي جون بولتون, لكنهم يرون أنّ انتهاك موسكو للمعاهدة قديم ومتكرر، وبالتالي قرار ترمب يخدم الروس ويعطيهم المبرر للتخلص من المعاهدة.

 

آخرون يرون أنّ دولا مثل روسيا والصين وحتى كوريا الشمالية تخطت الأميركيين بقدراتها النووية فيما كانت الولايات المتحدة تركّز جهودها العسكرية والأمنية على محاربة الإرهاب، وأهملت سباق التسلّح القائم والذي لم يتوقّف!

 

إذن واشنطن تبدو مصمّمة على تعويض ما فاتها من تعزيز لترسانتها.

 

يقول خبراء عسكريون إن انتهاء المعاهدة هو عسكرياً لمصلحة الروس، لأنهم يملكون صواريخ متوسطة المدى لاتملك مثلها الولايات المتحدة حالياً، الأمر الذي سيدفع بالأخيرة إلى تصنيع ماتحتاج إليه، وبالتالي سينطلق سباق تسلّح نووي جديد تبدأه واشنطن من موقع متأخّر. ويتقاطع هذا التحليل مع ما ورد على لسان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الذي قال "إن الخطوة الأميركية ستجعل العالم أكثر خطورة، وإن روسيا ستضطر للتحرك من أجل استعادة توازن القوة العسكرية إذا انسحبت واشنطن من المعاهدة وشرعت في تطوير صواريخ جديدة."

في الضفّة الثانية, هناك من يرى ألا "سباق نووياً" قائماً. وذكّر أصحاب هذه القراءة بطريقة ترمب على انتهاج "سياسة حافة الهاوية"، بمعنى أنه سيمضي في سباق تسلّح لجلب روسيا والصين إلى طاولة المفاوضات ورسم خطوط جديدة للنفوذ حيث أنّ معاهدة 1988 لا تصلح عام 2018.



شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa